بقلم/ ابراهيم عارف
تستيقظ مصر كل يوم علي كارثة لكنها كوارث تشبه سقوط الجبال و اجتياح الاعاصير
تستيقظ مصر كل يوم علي ازمة او انفجار او مصيبة او فضيحة لكنها ليست ككل الأزمات او الانفجارات او المصائب .. لا يمكن لمجتمع ان يتعايش مع كل الاحتمالات في وقت واحد .. احتمالات تشبه الي حد كبير انتظار ازمة قد تكون مفتعلة و قد تكون عفوية لكنها في النهاية لا تتوافق شعوريا مع طبيعة الانسان و طبيعة الخلق ..
ففي عالم الاحتمالات يعتمد البشر علي السحر و الشعودة و الانفعالات اللاشعورية مثل الكراهية و الحسد و التشاؤم و التي غالبا ما تنتهي بالصدمة و عدم القدرة علي الاحتمال .. و الانفعالات لا تتوالد بحكم الظروف الداخلية للانسان بقدر ما تتوالد نتيجة ضغط البيئة المحيطة بالانسان و كيف تتفاعل و تضاعف من مشكلاته و تتأزم احتياجاته
فلا يمكن لانسان ان يتخيل الضغط النفسي التي تعرضت له مديرة المدرسة المفصولة التي اضطرت الي ان تخلع ملابسها داخل الديوان العام لوزارة التعليم و ما حجم الانفعال اللاشعوري الذي وقعت تحته وولد في النهاية انفعال لاشعوري تزايد في قوته بحيث اصاب الذين شاهدوها او سمعوا الخبر بالصدمة التي دفعتهم بالتالي الي التعاطفت معها حتي لو كانت مذنبة و حتي لو كانت لا تمتلك الحق في العودة الي عملها
هو نفس التطور النفسي لعشرات الشباب الذين لم يتمكنوا من السيطرة علي حالتهم النفسية و قدرتهم علي مواجهة الضغوط البيئية و الحياتية و المعيشية فاتجهوا الي الاستسلام لأوامر النفس بالتخلص من الاحباط و القهر الذي تعرضوا له فاتجهوا عنوة و لا ارادياً للانتخار
في بني سويف و بور سعيد و الاسكندرية و الشرقية و القاهرة و اسوان و عشرات المحافظات الاخري تشهد يوميا حالات مماثلة نتيجة عدم قدرتهم علي التأقلم مع مصر الجديدة التي عدمت الرحمة و تخلت عن الفقراء و سمحت بانفلات الاسعار و تجاهلت الملايين من الشباب الذين لم يجدوا مكاناً للعمل بالقطاع الحكومي ولا الخاص ..
تجاهلت البنية الاساسية داخل المدن الكبري و لا يتخيل احد ان شبكة المياه مثلا في القاهرة لم يتم تحديثها منذ الستينات و ان شبكة الصرف الصحي التي نفذت في الثلاثينات من القرن الماضي لازالت تعمل حتي الان رغم ان سكانها تضاعفت اعداهم عشرات المرات و لازالت مشروعات الصرف الصحي متوقفة و الرعب يسيطر علي المسئولين لمجرد التفكير في عمل مشروعات استثنائىة للبنية الاساسية بها
فمصر التي تستيقظ علي كوارثها تعيش حالة من الضعف التنظيمي و الهوان السياسي و انهيار الخطط و ضيق الافق في التعامل مع الازمات اليومي
اذ لا يمكن ان نصدر مشاكلنا اليومية الي اجيال المستقبل و يتحول الرعب من انهيار الجنيه الي استسلام طبيعي لعجز افكار المسئولين و عدم قدرتهم علي وضع حلول حقيقية يمكنها ان تحد من ازمات الافقار الجماعي للشعب الذي يمتلك المليارات من الدخول السنوية
نستيقظ علي ازمات لا تعد و لا تحصي لان رجال الاعمال الكبار ارتموا في حضن الدولة و تبرعوا
لصندوق تحيا مصر او كما يطيب للبعض تسميته بصندوق انقاذ مصر فأمِنوا مكر الرئيس و أمِنوا العقاب علي محاولات افسادهم و تعطيش اسواق الصرف للدولار و لم يحاسبهم احد .. نعم عطشوا اسواق صرف العملات الاجنبية للدولار و لا يمكن هنا ان نتهم الاخوان او حزب النور مثلا بانه افتعل هذه المشكلة
دعونا من استسهال الازمة و التقليل من اهميتها و قوتها .. دعونا من دعاوي الاتجاه الي دفن الرؤوس في رمال الحقيقة فالرمال لن تخفيها
و لن تغير واقعنا الاليم الي فردوس و جنات و عيون