السبت الموافق 25 - يناير - 2025م

د . رضا عبد السلام يتساءل .. هل عجزنا حقا عن انقاذ الجنيه من غول الدولار؟

د . رضا عبد السلام يتساءل .. هل عجزنا حقا عن انقاذ الجنيه من غول الدولار؟

سبق وان كتبت على هذه الصفحة تحليلا مبسطا لاسباب هذا التراجع الحاد في سعر صرف الجنيه امام الدولار، وذكرت بأن اي عاقل ومنصف سيقر بوجود مؤامرة لاسقاط مصر والنظام في مصر من خلال تجفيف منابع الدولار، على اعتبار ان هذا هو الطريق الوحيد الذي يضمن خروج الناس للشارع.
ببساطة نحن بحاجة للعملة الصعبة لاننا نستورد ثلثي مانستهلكه، وبالتالي فاذا كنا نصدر بنحو ٢٢ مليار دولار فاننا نستورد من الخارج بثلاثة اضعاف اي اكثر من ٦٥ مليار دولار.
هذا العجز وتلك الفجوة بين الصادرات والواردات المقدرة باكثر من ٤٠ مليار دولار كنا نغطيها في السابق من اربع مصادر رئيسية وهي السياحة وتحويلات المصريين في الخارج والاستثمارات الاجنبية وعائدات قناة السويس.
ادرك اعداء الوطن هذا المشهد جيدا، فتم اسقاط الطائرة الروسية، واثيرت قضية ريجيني الايطالي، كيف تنتظر سائح بعدها؟ وبالتالي خسرنا مايقرب من ٢٠ مليار دولار سنويا كنا نستخدمها في تغطية جزء من فاتورة الواردات.
العمليات الارهابية التي تقع من حين لاخر ليست صدفة بل مقصودة، حتى لا يأتي مستثمر، كيف لمستثمر ان يأتي لبلد غير مستقر؟ ولهذا خسرنا اكثر من عشرة مليارات من الدولارات كانت تستخدم هي الاخرى لتغطية الفجوة بين ما نصدره وما نستورده.
اما بالنسبة للتحويلات فحدث ولا حرج، وعلى عينك يا تاجر، الدولار يشترى ويجمع في الخليج بسعر يفوق سعر السوق في مصر ، وتبلغ الاسرة باستلام المبلغ بالجنيه وعليه بوسه. بهذه الطريقة لم يدخل الدولار من اساسه!
حتى قناة السويس ، ونتيجة لتراجع اسعار النفط عالميا وتراجع مؤشرات التجارة العالمية، لم تنمو عائدات القناة نظرا لان بعض السفن حولت مسارها عبر رأس الرجاء الصالح لتحنب رسوم القناة.

يتضح من الكلام اعلاه، ان منابع توفير الدولار تم تجفيفها عن عمد، وأي كلام غير ذلك فهو مضيعة للوقت واستخفاف بالعقول ، والنتيجة معروض قليل من الدولار، في وقت يتسابق المستوردين للحصول عليه باي سعر لتخليص الشحنات واشباع السوق المتعطش….الخ.
كل هذا واضح وضوح الشمس في كبد السماء، وهو واضح للعامة،
السؤال هنا، ماذا فعلت الحكومة؟ وماذا بامكاننا فعله لوقف هذا النزيف الذي اربك الحياة الاقتصادية والاجتماعية وادخل البؤس والتشاؤم على الجميع رغم ما يبذله الرئيس من جهد كبير.
فالجنيه حاليا اشبه بالجثة الهامدة وسط الغابة تنهشه الفرائس من كل جانب، من غير منقذ او معين، والا فبما نفسر صعود الدولار امامه في اقل من عام باكثر من ١٠٠٪؟
كان على الحكومة ان تدرك حجم وعظم تلك المؤامرة وان تخطط مبكرا، وان تسارع الخطى لتوفير حلول عاجلة وبديلة.
قلنا اننا مشغولون بالدولار لاننا نستورد ثلاثة ارباع ما نستهلكه، ولهذا نحن مضطرون للبحث عنه بأي سعر، السؤال، اين الاستثمار المحلي والاجنبي؟ لما لم يتم وضع برامج عاجلة وملزمة بجداول زمنية لكل وزير ومحافظ لتحريك عجلة الاستثمار وازالة المعوقات التي تقتل المستثمرين.
فلو كان لدينا انتاج محلي لما نظرنا للدولار.
للاسف عجلة الانتاج والاستثمار المحلي شبه متوقفه والاف المصانع المحلية مغلقة منذ ٢٥ يناير، ابعد هذا نسأل لماذا نعاني من ازمة مع الدولار او غيره؟
كنت اتمنى ان يكون النشاط الاكبر والاهم لوزيرة الاستثمار وليس وزيرة التعاون الدولي، التي اثقلتنا وأثقلت الاجيال القادمة بجبل من الديون، فما اسهل ان تحصل على قرض، ولكن ما اصعب ان تجذب مستثمر. اكررها، ما اسهل ان تحصل على قرض ولكن ما اصعب ان تجذب مستثمر، وشتان بين اثر الاستثمار واثر الدين، الذي هو هم بالليل ومذلة بالنهار.

تلك المنتجات التي نستوردها بمليارات الدولارات، لما لم تتحرك وزارة الاستثمار لجذب الشركات الاجنبية لتنتج تلك المنتجات على ارض مصر بعد تهيئة مناخ الاستثمار؟
انشغل البرلمان بامور ثانوية ومهاترات بين الاعضاء قياسا بقوانين مصيرية كانت واجبة كقانون الاستثمار وقانون الادارة المحلية الذى سيسهم في تفكيك دولة المركزية والروتين، لتنطلق عجلة الاستثمار في المحافظات، دون انتظار موافقة وزير او غيره..وبعد كل هذا نسأل لماذا يئن الجنيه تحت وطاة الدولار؟
الامر الاخر، تأخرت الحكومة كثيرا جدا في وقف الواردات من الفواكه واللعب والاف السلع الكمالية والترفيه. قواعد منظمة التجارة العالمية تسمح بذلك. المسألة قرار وجرأة على اتخاذ القرار…هذا كل مانحتاجه في هذا الظرف القاسي.
اليوم المضاربة على الدولار مستعرة في السوق السوداء بعد ان عجزت البنوك عن توفيره وبعد ان اغلقت شركات الصرافة، اين الدولة؟
للاسف نحن بالفعل في ظروف حرب من نوع جديد، ولكن التحرك الحكومي دون مستوى الازمة، واي تاخير يعني مزيد من الازمات الطاحنة للوطن والمواطن وللمستثمرين…وتبعات لا يعلم مداها الا الله.
ان تراجع الجنيه امام الدولار اربك الجميع ؛ مواطنين ومستثمرين ومقاولين. فالمقاول مثلا الذي تسلم المناقصة باسعار ٢٠١٥ لن يتمكن من انجازها. فنتيجة لغول الدولار تضاعف سعر الحديد مثلا وغيره، كيف له ان يكمل او ينفذ في المواعيد المقررة؟. حتى بالنسبة للمستثمر الاجنبي، فكثيرا ماكنا نتغنى بميزة تكلفة الانتاج المنخفضة في مصر، ضاعت هذه الميزة بفعل غول الاسعار…الخ.
لا اعتقد ان وضعنا الاقتصادي، ومن ثم الاجتماعي، يسمح لاي مسئول مخلص ان ينام او يبتسم.
لقد رأيت ان من واجبي كأديمي، ومن منطلق ايماني بهذا الوطن وعشقي له ان ادق ناقوس الخطر. فالازمة الراهنة تأكل الاخضر واليابس وتمحو اي منجزات تم تحقيقها خلال خلال العامين الماضيين، واستمرارها هكذا ستجعلنا كمن يحرث في البحر. حمى الله مصر وشرفائها ومخلصيها من كل مكروه وسوء. اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.

 

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79391324
تصميم وتطوير