بابا.. هما ماتوا إزاي؟
رغما أنني إنفردت بكافة التفاصيل والملابسات في الوهلة الأولى، ولكنني لم اجرأ علي إجابة سؤالها الذي تكرر 4 مرات في دقيقة واحدة، حينها بدأت ألملم اوراقي عاجزا لا أملك ردًا يتناسب مع هول الفاجعة، وعندما بدأت في سرد رواية من خيالي، اخذ لساني يتلعثم كلمة من هنا واخرى من هناك، ليزداد شغفها، وتعود تسأل من جديد، هنا تركت قلمي ونظرت الي عينيها اللامعتين، مشاهدًا تغير ملامح وجهها الملائكي الذي إعتدت رؤيته بريئا مبتسمًا ، وكأني اسمع دقات قلبها، هنا ايقنت بأنها لامست خيوط الحادث الأليم الذي تلقيت معلوماته في البداية من احد مصادري الأمنية تليفونيا، ولكن فجاعة الخبر، جعلني اتواصل مع أكثر من مصدر لكي اتأكد ويطمئن ضميري قبل نشره، ولم اعلم بأن صغيرتي “حنين” تتابعني، واصبح لديها فضول، وكأنها في انتظار تكذيب، لخبر إنتحار ابناء جيلها، الذين حمّلو انفسهن ما لا يطيقهن من ألام..
كيف لاطفال في اعمار الزهور أن يقطفو بآيديهم ريحان حياتهم، نعم فإن إنتحار ثلاث فتيات بالصف الثاني الإعدادي، خططو واختارو ميتتهم بانفسهم بتناولهم قرص حفظ الغلال القاتل.. هو ناقوس خطر لكل الأسر، فإن الجرائم الاجتماعية زادت بطريقة ملفتة للانتباه، حيث أصبحت تُرتكب بشكل مخيف، فلم نكن نسمع قبل ذلك عن تكرار مثيل هذه الطريقة على الخلاص من النفس..
“بسنت وإيمان وشاهندة” أعمارهن بين الـ12 و 13 عامًا، اتفقن فيما بينهن على الخلاص من الحياة نظرًا لسوء معاملة أهاليهم، كما ورد في التحريات، واقاويل أخرى لتدني مستواهم الدراسي، حيث جلبت إحداهنَّ حبة من تلك التي تُستخدم في حفظ الغلال، قبل أن يقسمنها نصفين، تناولت الأولى النصف كاملًا، والنصف الآخر اقتسمتاه الفتاتين الاخيرتين، ما تسبب في وفاة الأولى سريعًا ليلحقها الثانية والثالثة..
إذًا كيف استطيع ان اجاوب ابنتي وأطلعها على هذه التفاصيل المُخيفة، هكذا كان تفكيري ورد فعلي، أخشى ما اخشاه على هذا الجيل، والمراحل السنية الأخرى المُتقاربة، و على ولي الأمر أن يتدارك ويستوعب بأنه أمام جيل مختلف عن العصر الذي تعايش فيه تحت مسمى (العادات والتقاليد) تحت شعار كنا نفعل كذا وكذا دا انتم جيل ما يعلم به إلا ربنا” ، وهنا الكارثة، حان الوقت ان نخرج من متحف العقول المتحجرة المبنى على “كنا زمان”، ونستوعب التطلعات، والثقافة المكتسبة من العادات المستحدثة، والتكيف معها بما يتوافق مع الدين، والثوابت، و الأعراف، ودائما نُغلب لغة الحوار والنقاش على الخلاف والتنمر للوصول لحل متفق عليه، ولا يشترط فيه الرضا الكامل..
واذا كان من مذنب اخر فهي وزارة التربية والتعليم المتمثلة في المدرسة، التي غاب عنها دور المُشرف إلاجتماعي، فيجب ان يتم اختياره في إطار أكاديمي علمي على أعلى مستوى، ولما لا..؟ ان يشترط تعينه بدرجة دكتوراه فهل هناك أغلى من الأجيال القادمة فهم المستقبل، وعدم التفكير في هذا يجعلنا نحكم بأننا أمام ضمائر ميتة.. فالعالم يتغير ونحن على إرث حضارة الـ7000 سنة!!
وللحديث بقية…
التعليقات