كتب-حازم محمد سيد
يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم 41 و يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((يا معشر المهاجرين! خصال خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم؛ وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله -عز وجل- ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) وإن الدين الإسلامي الحنيف حارب الفساد منذ اليوم الأول لبعثة النبي صلى الله عليه وسلم,، فالإسلام ذاته ثورة ضد الفساد, بدءا من فساد العقيدة؛ فقد جاء ليحرر الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, وجاء ليقضى على الأخلاق الذميمة والعصبيات الجاهلية, وينشر بدلا منها الأخلاق القويمة الحميدة، وتكون العصبية للدين وحده،و جاء ليقضى على كل مظاهر الفساد الإقتصادية والإجتماعية ويؤصل بدلا منها كل ما هو حسن وكل ما من شأنه أن ينهض بالأمة ويجعلها رائدة العالم كله،والنظام الذى كان يريده الشعب و يهتف به و يحقق أهداف ثورته المجيدة ، هذا النظام العتيد المنشود هو في جملة وحيدة تحقيق ارادة الشعب، قي عزة و كرامة و حرية , لا ليبيرالية مطلقة و لا اشتراكية مطلقة و من بين شبابها و مثقفيها و علمائها و مجتمعها المدني و الأهلبي ،و حكومة لا تظلم شعبها و لا تفسد في الحرث و النسل , تراقب و تحاسب من طرف الشعب ذاته و تحتكم الى مبادئ العدل و المساواة و الحرية و الكرامة الانسانية.
و لأن الفساد ظاهرة إنسانية قديمة في الأمم، ولا يكاد يخلو عصر من العصور من ظاهرة الفساد، والفساد سبب كل تخلف يصيب الأمة, وسبب لكل ما يتلوه من أمراض تطيح بأحلام أبناء الأمة وشبابها, والفساد سبب للاستبداد والدكتاتورية وخير معين للطغاة والفاسدين, فأينما وجد فساد وجد التخلف والعكس صحيح، وأينما وجدت الديكتاتورية والاستبداد وجد الفساد والعكس أيضا صحيح، حتى صرنا في ذيل الأمم، وصرنا أكثر الناس تخلفا بعد أن كنا سادة هذا العالم، وصرنا أضعف الناس وأهون الناس بعد أن كنا قادة العالم،و على الرغم من أن ديننا الحنيف يحارب الفساد بكل صوره ويقتلع أسبابه وجذوره،فقد أصبح الإنسان لا يجد السلعة الصحيحة، ولا يجد البضاعة الأصلية بسبب الفساد، وبسبب قلة الأمانة، وبسبب عدم الخوف من الله سبحانه وتعالى، وبسبب عدم مراقبته، وأصبح الرجل الكفء لا يجد له مجالاً في الوظائف، فتقدم وتذهب الوظائف للأقارب للمحسوبيات، للمجاملات، لمن يدفعون أكثر بسبب الفساد، والعياذ بالله تعالى،فأصبح الإنسان يجري هنا وهناك لا تنجز معاملته إلا بعد أشهر، وكان يمكن أن تنجز هذه المعاملة في ساعات، بل في دقائق؛ بسبب قلة الأمانة، بسبب أنه لم يدفع، بسبب أنه لم يقدم الرشوة -والعياذ بالله تعالى-، فساد عظيم، نسأل الله ألا يؤاخذنا وللإفساد في الأرض صور وأشكال وألوان مختلفة ومتعددة:تخريب وتدمير المنشآت العامة: فإن من يقوم بذلك من حرق المنشآت العامة وإتلاف الأشجار والحدائق يعد من أشد صور الفساد والإفساد في الأرض؛ وقد نكل الله بهؤلاء في قوله:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ( المائدة: 33)
وفساد المؤسسات الرسمية؛ فلو نظرت إلى كل وزارة أو مؤسسة تجد فيها فساداً من نوعٍ خاصٍ؛ فمثلاً فساد التعليم يكون بالغش وتربية أجيال قائمة على الجهل والغش؛ هؤلاء يتخرجون؛ منهم الأطباء؛ ومنهم المهندسون؛ ومنهم المحاسبون؛ ومنهم المدرسون ….إلخ؛ فكيف يصلحون المجتمع وهم في الأصل جاهلون ؟!! {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ} (البقرة: 11؛ 12) .
ولو نظرت إلى الصحة لوجدت فسادا؛ يتمثل في إهمال الأطباء للمرضى وعدم العناية بهم؛ ورداءة الأجهزة الطبية؛ وسوء الخدمة ؛ وقد تسبب ذلك في إزهاق أروح بريئة مسكينة فقيرة؛ وكلكم تعلمون ذلك وتعايشونه!! وقس على ذلك كل مؤسسات الدولة !!
والعامل المشترك في الفساد بين هذه المؤسسات هو : الإهمال والتقصير، والتعدِّي على لوازم العمل، وعدم الإتقان، وعدم الانضباط والالتزام بنظم العمل، والمحسوبية وعدم تكافؤ الفرص، وبخس العامل حقوقه،وقتل النفس التى حرم الله ، فقتل الأنفس من كبائر الذنوب ومن الإفساد فى الإرض، وزوال هذه الدنيا وما فيها أهون عند الله -عز وجل- من قتل رجل مسلم، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ»( الترمذي). وفساد القتل ليس قاصراً على قتل نفس المسلم، بل أيضا يشمل ذلك المعاهد، والمستأمن، فإن الله -عز وجل- قد حفظ له حقه، فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا))وزعزعة الأمن ،فالأمن فى الأوطان مطلب كل يريده ويطلبه، فقريش أنعم الله عليها بنعمة الأمن، فأطعمها من جوع وآمنهم من خوف، وأن من يسعى لزعزعة الأمن ، إنما يريد الإفساد في الأرض، وأن تعم الفوضى والشر بين عباد الله، فما يحصل في بلادنا إنما هو إرادة للإفساد في الأرض، وإنما حملهم على ذلك الحسد لهذه النعمة نعمة الأمن، ونعمة الاستقرار الذي تنعم فيه في هذه البلاد،والسعى إلى الفرقة والتحزب ، فمن ينظر إلى حال الأمة الآن يجدها فرقا وأحزابا وجماعات؛ و{كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم: 32)؛ وكل يدعي لنفسه أنه المصلح، ولكن كما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنَ المُصْلِحِ} [سورة البقرة : الآية 220]، وأخبر عن فرعون أنه قال عن موسى -عليه السلام-: {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الفَسَادَ}[سورة غافر : الآية 26]، ففرعون يصف موسى -عليه السلام- بأنه يسعى في الأرض فسادًا ، وفرعون أعظم المفسدين والمسرفين . فهذا فرعون الذي قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [سورة النازعات : الآية 24] يرى أنه مصلح، وهذا من انتكاس الفطر والعياذ بالله،
لذلك نهى الله عن الفرقة والتحزب، وأمر الله بالاجتماع، ونهى عن الاختلاف: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال :46]، ويقول -جل وعلا-: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، فالله -عز وجل- أمر بالاجتماع ونهى عن الاختلاف، فنشر الفرقة بين الناس بسبب الْحَسَبِ، أو النَّسَبِ، فيه فساد للمجتمع، ومن يسعى إلى نشر الفرقة بين المجتمع ويسعى إلى الإفساد فيهم يجب نصحه، وإلا حذرنا منه لأنه يسعى للإفساد في الأرض،والفساد المالي: كانتشار السرقة والاختلاس والرشوة، والتربُّح من الوظيفة، واستغلال الجاه والسلطان والربا، والقمار ومنع الزكاة، وصور خيانة الأمانة في المعاملات المالية؛ والإنفاق في الحرام؛ فقد يملك الإنسان ويفسده بإنفاقه في الحرام والمهلكات والمخدرات والمسكرات؛ فعن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها؛ فإنّه من أعمر عمرى فهي للّذي أعمرها – حيّا وميّتا – ولعقبه» ( مسلم) والعمرى: يقال: أعمرتك هذه الدار- مثلا- أو جعلتها لك عمرك أو حياتك، أو ما عشت؛ فيلزمه الحفاظ عليها ولعقبه بعده، إن علاج ظاهرة الفساد والقضاء على هذه الظاهرة وسبل مواجهتها ينحصر ،أولا :التوجيه والإرشاد بخطر الفساد ومعاقبة المفسدين، وذلك بكثرة التوعية والندوات؛ عن طريق الدعاة والإعلام المرئي والمسموع والمقروء ومراكز الشباب والأمسيات الدينية والخطب والدروس والمحاضرات وشبكة المعلومات الدولية؛ وجميع وسائل الاتصال الحديثة؛ بهدف توضيح مخاطر الفساد على المستوى الثقافي والديني والاجتماعي والاقتصادي؛ مع بيان أن جريمة الفساد إنما هي مخالفة صريحة للأوامر الإلهية ولما جاء بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, وبيان أن ذلك دليل على ضعف الوازع الدينى لدى الفاسد والمفسد, ولهذا فإن الإسلام يعمل على تنمية وتقوية الوازع الدينى لدى كل أفراد المجتمع حتى يكون الوازع الدينى هو الذى يمنع المرء من ممارسة الفساد وارتكاب جرائمه،وكذلك تربية النشىء على المبادئ الإسلامية لأن الأبوين هما المسئولان عنهم، وبين ذلك الرسول في قوله:” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ”( متفق عليه)،
و إن حلَّ ظاهرة الفساد والإفساد وعلاجَها لا يقتصر على فئةٍ معينةٍ، وإنما يشمل جميعَ أفراد المجتمع: شباباً وأسرةً ودعاةً ومؤسساتٍ وحكومةً؛ فإذا كان الطبيب يعطى المريض جرعة متكاملة حتى يشفى من سَقمه – إن قصر فى نوع منها لا يتم شفاؤه – فكذلك علاج هذه الظاهرة يكون مع تكاتف المجتمع بجميع فئاته، فكل فئة لها دور ، وباكتمال الأدوار يرتفع البنيان،فعلينا أن نتعاون جميعا على محاربة الفساد ، وأن نجعله قضية اجتماعية، فإن البلاء إذا نزل يعم الصالح والطالح، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مَثَلُ القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فكان قوم في أعلاها وقوم في أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا أرادوا الماء مروا على الذين في أعلاها، فقال الذين في أسفلها لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً بدل أن نؤذي مَن فوقنا))،و يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ((فلو أنهم تركوهم وما أرادوا لهلكوا وهلكوا جميعاً، ولو أنهم أخذوا على أيديهم لنجوا ونجوا جميعاً))فعندم نسكت جميعا عن المفسدين ولا نبلغ عنهم ولا ننهاهم، ولا نرفع أمرهم ونتركهم ونسكت عنهم ونجاملهم؛ فإن البلاء سينزل بنا جميعاً، ينبغي ألا نجامل أحداً إذا رأينا مفسداً يستغل الوظيفة أو المؤسسة يحتال، يرتشي، أو يجامل، أو يسرق، أو يفعل أي صورة من صور الفساد أن نبلغ عنه معذرة إلى الله -سبحانه- حتى لا ينزل بنا العذاب،ولقد كونت الدولة المباركة هيئة خاصة لمحاربة الفساد، فإن رأينا مفسداً، حتى لو كان من أكبر المسؤولين، فينبغي أن نبلغ عنه بعد أن نتثبت ونتأكد أنه مفسد في وظيفته، أو أنه مفسد في مؤسسته، أو أنه مفسد في مسؤوليته، أن نبلغ عنه فنكون ممن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال:((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان))
فينبغي علينا أن نحارب الفساد سراً وجهراً بجميع الصور وبجميع الوسائل، وأن لا نجامل، وأن نعد هذه كارثة ومصيبة؛ إذا نزل البلاء فإنه يعم الصالح والطالح .
التعليقات