Site icon جريدة البيان

خالد جزر.. يكتب: هل أحداث 7 أكتوبر مجد شخصي أم مصلحة وطنية؟

 

في السابع من أكتوبر، تصدرت الأحداث في قطاع غزة المشهد الدولي بعد عملية مفاجئة قامت بها حركة حماس، رغم المكاسب الأولية التي صاحبت التحرك بقتل وأسر قرابة الـ1300 اسرائيلي، إلا أن سرعان ما تحول الأمر إلى مأساة، دفع الشعب الفلسطيني والدول العربية ثمنها الباهظ، تُثار هنا تساؤلات عميقة: هل كان الهدف تحقيق مكاسب وطنية؟ أم أن المجد الشخصي لبعض القادة كان الدافع الحقيقي وراء هذه التحركات؟

 

غزة الجراح التي لا تلتئم

 

غزة، تلك البقعة الصغيرة التي تحمل فوق كاهلها أحلام وآلام الشعب الفلسطيني، أصبحت مسرحًا دائمًا للصراع.. لكن هذه المرة، دفع سكان القطاع ثمنًا باهظًا، المغامرة غير محسوبة. فقد أسفرت العملية التي قامت بها حماس عن تصعيد عسكري غير مسبوق، الحصيلة تعدت الـ50 الف شهيدا معظمهم من النساء والأطفال، ودمرت على إثره البنية التحتية للقطاع وزادت معاناة المدنيين.

 

وحتى اللحظة لا يزال آلاف الشهداء والجرحى لم يتم انتشالهم من تحت الأنقاض؛ بسبب تواصل القصف وخطورة الأوضاع الميدانية، في ظل حصار خانق للقطاع وقيود مُشددة على دخول الوقود والمساعدات الحيوية العاجلة للتخفيف من الأوضاع الإنسانية الكارثية.

 

كان من المفترض أن يكون الهدف حماية الشعب الفلسطيني وتحقيق مكاسب سياسية تساهم في تعزيز القضية الفلسطينية، لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا، إذ جاءت النتائج عكسية، مع تزايد أعداد الضحايا، وانهيار الخدمات الأساسية، وتفاقم الأزمة الإنسانية.

 

مجد شخصي أم مصلحة وطنية؟

 

منذ تأسيس حركة المقاومة (حماس) في ديسمبر/كانون الأول 1987 كانت قياداتها السياسية والعسكرية هدفا لاغتيالات نفذها الاحتلال الإسرائيلي داخل وخارج فلسطين.

 

وعلى رأس قيادات حماس التي اغتالتها إسرائيل: مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين (2004)، ورئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية (2024)، ونائبه صالح العاروري (2024)، والقياديون فيها عبد العزيز الرنتيسي (2004) وسعيد صيام (2009) وإبراهيم المقادمة (2003) ونزار ريان (2009) وصلاح شحادة (2002) ويحيى السنوار (2024) وآخرون.

 

ورغم ما قدمته حماس من تضحيات طالت قيادتها، إلا أن الواقع يشير بأصابع الاتهام للحركة؛ بأن لديها طموحًا سياسيًا وقوة استعراض، بدت من خلاله بأنها منفصلة عن القضايا الإقليمية، فالقرارات التي اتخذتها الحركة لم تُبنَ على استراتيجيات واضحة تحقق أهداف الشعب الفلسطيني، بل بدت كأنها تسعى لتحقيق مكاسب قصيرة المدى على حساب الأرواح والبنية التحتية.

 

بدلًا من أن تكون هذه العمليات جزءًا من خطة وطنية موحدة، اتخذت منحى فرديًا يهدف إلى تعزيز النفوذ السياسي لحماس، متجاهلة التداعيات الخطيرة التي ستواجهها غزة وسكانها، بل والقضية الفلسطينية ككل.

 

 

الدول العربية الضحية غير المباشرة

 

ما حدث في غزة لم يقتصر على الفلسطينيين فقط،فقد كانت الدول العربية في قلب المشهد، تدفع ضريبة مضاعفة، فمن جهة، أثارت تلك الأحداث غضب الشعوب العربية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى، وضعت الأنظمة الحاكمة في موقف حرج أمام العالم، خاصة مع الضغوط الدولية المتزايدة.

 

الدول العربية التي طالما سعت إلى تقديم الدعم الإنساني والسياسي لغزة، وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع أزمة جديدة، زادت من تعقيد الأوضاع الإقليمية، ووضعتها في مواجهة قرارات دولية تتسم بالحساسية.

 

غزة بين المقاومة والسياسة

 

لا أحد يمكنه إنكار حق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال والدفاع عن حقوقه المشروعة، لكن المقاومة يجب أن تكون جزءًا من رؤية سياسية شاملة تُبنى على تنسيق داخلي وإقليمي ودولي.. ما حدث في 7 أكتوبر أظهر غياب هذا التنسيق، وجعل الشعب الفلسطيني يدفع ثمن أخطاء سياسية وعسكرية.

 

نحو رؤية موحدة

 

إذا كانت الأحداث الأخيرة قد علمتنا شيئًا، فهو أن القضية الفلسطينية بحاجة إلى وحدة وطنية حقيقية، تعتمد على رؤية استراتيجية بعيدة المدى، توازن بين المقاومة والدبلوماسية. يجب أن يكون الهدف الأساسي هو حماية الشعب الفلسطيني، وليس السعي وراء مكاسب سياسية ضيقة.

 

تهديد ترامب

 

 

كان ترامب قد صعد لهجته أواخر العام الماضي عندما قال: “إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل 20 يناير 2025، وهو التاريخ الذي أتولى فيه بفخر منصبي كرئيس للولايات المتحدة، فسيكون هناك جحيم سيدفع في الشرق الأوسط ثمنه الباهظ، وأولئك المسؤولون الذين ارتكبوا هذه الفظائع ضد الإنسانية”.

 

رؤية المجتمع الدولي

 

ويرى المجتمع الدولي أن غزة يجب أن يحكمها فلسطينيون، لكن الجهود التي بُذلت لإيجاد بدائل للفصائل الرئيسية من بين أفراد المجتمع المدني أو قادة العشائر لم تؤت ثمارها إلى حد بعيد.

 

ومع ذلك، جرت مناقشات بين إسرائيل والولايات المتحدة وآخرين لتشكيل إدارة مؤقتة تدير غزة إلى أن يتسنى للسلطة الفلسطينية بعد إصلاحها تولي المسؤولية.

كلنا مسؤولين

 

 

إن ما جرى في 7 أكتوبر يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، حماس وغيرها من الفصائل الفلسطينية بحاجة إلى مراجعة حساباتها والعمل على تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني بعيدًا عن المغامرات غير المحسوبة، والدول العربية مطالبة بدعم القضية الفلسطينية من خلال سياسات حكيمة ومتزنة، تحول دون استغلال جراح غزة كأداة لتحقيق مصالح شخصية أو إقليمية، الشعب الفلسطيني يستحق قيادة تسعى لتحقيق تطلعاته في الحرية والكرامة، دون أن يكون وقودًا لصراعات لا تخدم قضيته.

Exit mobile version