مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تتجدد المخاوف على استقرار النظام الدولي بعد سياسات تصادمية وعنيفة اتّسمت بها ولايته السابقة، ولا سيما دوره اللا إنساني في تعاطيه مع مأساة غزة ومشروعه الصريح لتهجير أهلها..
واشنطن، 2025 – أعاد انتخاب دونالد ترامب إلى الرئاسة الأمريكية سيناريو التوترات العالمية التي ميّزت ولايته الأولى. فمنذ اليوم الأول، استأنف ترامب نهجه الانفعالي في اتخاذ القرارات، معززاً شعار “أمريكا أولاً” على حساب شركائها وخصومه على حد سواء.
عودة إلى سياسات التصادم
بدأ ترامب فترته الجديدة بخطوات صادمة؛ انسحاب متسارع من اتفاقيات مناخية وتجارية، وفرض رسومًا جمركية موسعة على الصين، بجانب ضغوط على دول الاتحاد الأوروبي لزيادة مساهماتها الدفاعية في حلف “الناتو”، مما أعاد أجواء الشك داخل المعسكر الغربي نفسه. ورغم رسائل التهدئة الأوروبية، تمسك ترامب باعتقاده أن التحالفات عبء اقتصادي لا طائل منه.
سياسة لا إنسانية تجاه غزة وموقف مصري رصين
لم يكتفِ ترامب بدعمه السياسي والعسكري لإسرائيل، بل ذهب بعيدًا نحو شرعنة التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، عبر طرح متكرر لمقترحات إعادة التوطين، تحت مسمى “الخطة الأمنية العاجلة”.
خطة التهجير الإجباري تتبلور:كشفت تسريبات إعلامية عن وجود تنسيق أمريكي-إسرائيلي على تنفيذ خطة جزئية لنقل سكان غزة إلى مناطق حدودية مؤقتة، بتمويل خليجي جزئي، وهو ما رفضته القاهرة بشدة، معتبرة أن أي محاولة لفرض “أمر واقع” على حدودها يُعد مساسًا بالأمن القومي المصري.
موقف مصري رصين: الرئيس عبدالفتاح السيسي أظهر موقفًا مصريًا رصينًا يجمع بين الحزم والدبلوماسية؛ حيث أكد بوضوح أن “التهجير خط أحمر”، مشددًا على أن الأراضي المصرية لن تُستخدم لغير دعم صمود الشعب الفلسطيني. وعلى الصعيد الدبلوماسي، أجرى تحركات مكوكية، أبرزها استقباله مؤخرًا للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الإندونيسي، فضلًا عن زيارته اليوم إلى دولة قطر ضمن جولة عربية تهدف لتوحيد الجبهة في مواجهة التصعيد الأمريكي الإسرائيلي. هذه التحركات عكست إدراكًا مصريًا عميقًا لخطورة المرحلة، وسعيًا لحشد موقف دولي ضاغط يُنقذ ما تبقى من عدالة القضية الفلسطينية.
الجيش المصري.. درع جاهز وردع رادع: بالتوازي، استمرت الدولة المصرية في تطوير قدراتها الدفاعية، بوتيرة غير مسبوقة. فقد شهدت السنوات الأخيرة طفرة نوعية في تسليح الجيش المصري وتحديثه، وتكثيف مناوراته المشتركة، مما جعله اليوم قوة إقليمية فاعلة، حاضرة في المعادلة، وقادرة على فرض التوازن. هذه الجاهزية تبعث برسالة واضحة: أمن مصر خط أحمر، ولن يُسمح بأي مساس به تحت أي ذريعة..
تنديد رسمي بالمجازر: وزارة الخارجية المصرية أصدرت بيانًا شديد اللهجة اليوم، ندّدت فيه بالمجازر الوحشية التي ارتكبها الكيان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، مؤكدة أن استمرار استهداف المدنيين يُعد انتهاكًا صارخًا لكل القوانين الدولية، ويقوض فرص التهدئة والاستقرار في المنطقة. وأكد البيان أن مصر لن تقف صامتة أمام محاولات فرض سياسة الأمر الواقع، داعية المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية.
أزمة الشرق الأوسط تتفاقم
التصعيد لا يقتصر على فلسطين. فقد أعاد ترامب لغة الوعيد ضد إيران، بالتزامن مع توسيع المساعدات العسكرية لتل أبيب، ما فاقم من حالة الغليان في المنطقة. كما شهدت الساحة اللبنانية والسورية تحركات أمنية مقلقة، مع تصعيد ميداني تحاول واشنطن استثماره لصالح الضغط الإقليمي.
موقف عربي أكثر تماسكًا
في تحول لافت، عُقدت قمة طارئة لجامعة الدول العربية في الرياض، عبّرت فيها الدول المشاركة عن رفضها الجماعي لسياسات التهجير القسري، وأعلنت تشكيل لجنة متابعة دبلوماسية بقيادة مصر والسعودية والأردن للتواصل مع واشنطن والأمم المتحدة. هذا الإجماع العربي يعكس وعيًا متزايدًا بضرورة التعامل مع “الصدمة الترامبية” بصوت واحد.
استقطاب داخلي متجدد
الداخل الأمريكي لم يكن بعيدًا عن الزلزال السياسي؛ احتجاجات في مدن كبرى مثل نيويورك وسان فرانسيسكو، وتزايد حملات مناهضة لتجديد سياسات ترامب بشأن الهجرة والتمييز، وسط مخاوف من تكرار سيناريوهات العنف التي شهدتها ولايته الأولى.
ردود فعل دولية متباينة
أوروبا: بدأت تتحرك بشكل أكثر استقلالًا، مع دعوات فرنسية وألمانية لإعادة النظر في علاقة الاتحاد الأوروبي بالولايات المتحدة إذا استمرت واشنطن في اتخاذ قرارات أحادية.
الصين: أعلنت عن خطة طوارئ اقتصادية لمواجهة الموجة الجديدة من الحرب التجارية، مع تعزيز شراكاتها مع روسيا والهند..
روسيا: بدأت بالفعل في استغلال الانشغال الأمريكي، عبر تعزيز تواجدها في البحر الأسود ومضاعفة نفوذها في مناطق النزاع.
ختامًا
العالم بالفعل على أعتاب مرحلة من اللايقين، حيث تقف قوى كبرى على صفيح ساخن، وتتضاعف التهديدات الإنسانية في غزة. وبين مشروع ترامب لإعادة رسم خريطة المنطقة بالقوة، والموقف المصري الرصين المدعوم بإجماع عربي وتحرك دولي حذر، يبقى الأمل معقودًا على دبلوماسية تتسلح بالحكمة والصلابة معًا. والسؤال: من يملك كبح جموح ترامب هذه المرة؟ وهل يصمد العالم أمام موجة جديدة من الفوضى الأمريكية؟
التعليقات