السويس ـ حسين بيومي
في البداية ننشر لمن ليس له عهد بأبطال السويس في حرب 67 و73.. و من هم الأخوين مصطفي وأحمد أبو هاشم الذين دافعا عن السويس ومصر حتي أستشهدا.
الأول البطل مصطفي أبو هاشم بطل الجمهورية في لعبة جمال وكمال الأجسام وهو أيضاً أحد أبرز الفدائيين أعضاء منظمة سيناء العربية وهو الذي أبهر أبناء السويس بعضلاته المفتولة وجمال قوامه الرياضي الممشوق.. كان ” مصطفي أبو هاشم ” يستضيف من وقت لأخر في السويس مجموعة من أبطال جمال الأجسام من المصريون الذين كانوا يشاركون في البطولات العالمية وفي مقدمتهم بطل العالم المعروف ” عبد الحميد الجندي ” ..والكابتن غزالي قائد فرقة ولاد الأرض في حرب 67 و73 والممثل أحمد رمزي .
وحين حلت نكسة 5 يونيو عام 67 وعقب إعلان البيان العسكري الأول إندفعت الناس للشوارع والميادين وذهبوا إلى معسكرات الحرس الوطني والمقاومة الشعبية يطلبون السلاح للمشاركة فى المعارك .. وكان بطلنا مصطفي أبو هاشم أبرز من تقدم الصفوف ومن الراغبين في التطوع دفاعاً عن مصر .
وبات الجميع يحلمون بالنصر .. ولكن الشك والريبة علقت بقلوب أغلب الناس مساء يوم 6 يونيو 67.. حيث شاهدوا فى شوارع المدينة مايثير القلق رغم بيانات الإنتصار التي كانت الإذاعة تعلنها كل لحظة ..حيث شاهد معظم الناس أن شوارع السويس قد إمتلأت فجأة بالآف الجنود الجرحى العائدين من الضفة الشرقية للقناة وغبار المعارك لايزال على وجوههم وملابسهم العسكرية ممزقة .
وأدركت الناس وفي مقدمتهم ” مصطفي أبو هاشم ” أن السويس أمام هزيمة قاسية .. فقد عاشت السويس مرارة الهزيمة .. كما لم تعيشها مدينة أخرى فى مصر فقد كانت السويس هي النقطة الأساسية فى طريق سيناء الممرات وأول مدينة شاهد أهلها قوات مصر والدبابات الضخمة وهى تعبر القناة إلى الضفة الشرقية للقناة .. فقد كانت الحشود العسكرية تتحرك إلى سيناء فى مشهد غريب وسط المدينة وعبر الطرق الصحراوية المحيطة ثم تعبر القناة لتواصل الإندفاع شرقاً إلى قلب سيناء وتمنى أبناء السويس ركوب تلك الدبابات لمصاحبة الجنود للخلاص من تل أبيب .. فالسويس مدينة ترفض الهزيمة ..صحيح كانت المأساة أكبر من أن يصدقها أحد .. كانت الصدمة قوية والمصيبة كانت أقوى وعاشت السويس أيام حالكة بلون قرن الخروب .
فتحت السويس صدرها للعائدين من الضفة الشرقية للقناة من الجنود تحتضنهم وتمسح جراحهم وتؤويهم ..وخلع أغلب السوايسة ملابسهم المدنية ولبسوا جميعا الأفرولات “الكاكى” إبتداءاً من المحافظ حتى المواطن العادي وكأنهم يبعثون برسالة يؤكدون فيها للعدو الإسرائيلي القابع على بعد 180 متر فقط هي عرض القناة عند بورتوفيق .. أن الشعب كله تحول من الأن إلى جيش يستعد للثأر .. كان أهل السويس يرفضون الهزيمة وفي إنتظار إن تهل عليهم لحظة الإنتظار ليأخذوا بالثأر .
وهنا أشتدت غباوة قوات العدو الإسرائيلي وعصبيته فقام بتدمير المنشآت البترولية فى محاولة منهم لبث الرعب في قلوب أبناء السويس ويسقط الشهداء من أبناء المدينة الصامدة وهم يحمون بلدهم والمنشأت الصناعية ويرفع شعب السويس شعار ” البقاء على الارض تحت كل الظروف “.. وإزدادت قائمة الشهداء مع كل عدوان على المنشآت الحيوية في السويس حتي تحولت المدينة إلى كتلة من النيران المشتعلة .
وخلال مايحدث من عدوان علي منشآت وأهالي السويس .. كانت الدماء تغلي في عروق البطل مصطفي أبو هاشم .. فبعد أكثر من شهر بأيام معدودات من حلول هزيمة يونيو وبالتحديد صباح يوم 14يونيو67 قرر مصطفي أبو هاشم النزول للشريط المائي للمجري الملاحي لقناة السويس بداية من مدينة بورتوفيق ليرد علي جنود العدو الإسرائيلي الذين زعموا إستيلاؤهم علي نصف مياه القناة .. فقام بعمل خط من الشمندورات المائية أوهم به الإسرائيليين كانت بدايته من مدينة السويس حتي مدينة بورسعيد .. مما جعل جنود الصهاينة في حالة غضب عارم وبدأت علامات الحرب الباردة تظهر علي سطح مياه القناة بين مصطفي أبو هاشم الذي إستعان بكل زملائه وفي مقدمتهم الفدائي غريب محمد والكابتن عبد ربه أحد أبطال مصر في التجديف وبين جنود الصهاينة .
ومن هذا المنطلق قام ” أبو هاشم ” بتأسيس مجموعة ” المقاومة الشعبية ” ..ثم صار قائداً لمنظمة سيناء العربية .. وشارك ” مصطفي ” في عدد من العمليات الفدائية الناجحة خلف خطوط العدو الصهيوني في سيناء.. حيث بثوا الذعر والرعب في قلوب جنود العدو الإسرائيلي ..وقام وزملائه بإسرعدد من الجنود الصهاينة خلال قيامهم برفع العلم الإسرائيلي علي الضفة الشرقية للقناة .. كما نجح بمشاركاته في عملية ” وضح النهار ” التي أربكت دفاع العدو الإسرائيلي .. وأكدت له أن مصر لن تترك أرضها مغتصبة و” ناوية ” علي تحريرها .
وظل مصطفي أبو هاشم يعمل في صمت علي التدريب البدني وفنون الصاعقة القتالية لزملائه الفدائيين داخل نادي منتخب السويس بمنطقة الملاحة كل طلعة شمس وكيفية القيام بعمليات فدائية خلف خطوط العدو .. وبمنطقة ساند بيتش كان يقوم بتدريب أعضاء منظمة سيناء العربية.
وبعد أربعة أشهر من عملية “وضح النهار ” ومع حلول يوم 8 فبراير عام 1970.. قام العدو الإسرائيلي بشن غارة جوية علي مواقع المدفعية التي كانت تقع خلف ملعب نادي منتخب السويس .. وفي ذلك اليوم كان أعضاء المجموعة الفدائية من زملاء مصطفي أبو هاشم قد غادروا صالة الحديد بعد أن أدوا تدريباتهم القتالية وقبل أن يشن الطيران الإسرائيلي الغارة الجوية بنصف ساعة .
تاركين مصطفي أبو هاشم داخل صالة الحديد بنادي منتخب السويس يمارس هوايته المفضلة من رياضة كمال الأجسام التي يعشقها .
ومع شدة الغارة الجوية ترك مصطفي أبو هاشم صالة الحديد وأسرع للإختباء والإحتماء داخل أحدي المخازن التي أقيمت تحت أحد المدرجات الجماهيرية للنادي والمستخدمة في تخزين زجاجات المولوتوف.. وفي هذه الأثناء أصيب مصطفي أبو هاشم داخل المخزن من أحدي الطلقات خلال الغارة الجوية التي شنها سلاح الطيران الإسرائيلي .. ولتنفجر زجاجات المولوتوف وإندلعت النيران بالمخزن وأمسكت به فحاول ” مصطفي ” إطفاء نفسه وهو منبطح أرضاً علي أرض رمليه .. فلم يفلح وأنتشرت النيران في جسده الطاهر نتيجة لسرعة الرياح .
أما المشهد الأخير فقد أسرعت مجموعة من زملاؤه إلي موقع الحدث للعمل علي إنقاذ مصطفي أبو هاشم .. وقام البطل محمود عواد بنقله إلي مبني مستشفي العام التي كانت تبعد عن موقع الحدث حوالي 600 متر تقريبا .
علي الجانب الأخر أسرع محافظ السويس حامد محمود إلي عنبر الحروق بالمستشفي العام تسبقه دموعه .. وراح يتحدث مع زملاؤه الأبطال.. بينما كان ينصت اليهم مصطفي أبو هاشم الذي ظل مقيداً فى دفاتر الحياة إلي اليوم التالي من العملية الغادرة لطيران العدو الإسرائيلي .. وصعدت روحه الطاهرة إلي بارئها يوم 9فبراير من عام 1970.. ليظل مصطفي أبو هاشم قائد منظمة سيناء العربية في ذاكرة تاريخ الرجال الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم فداءاً ودفاعاً عن مصر .
وكان الكابتن غزالي قائد فرقة ولاد الأرض في حرب67 و73 قد حفر في كتب التاريخ مرثية للشهيد البطل مصطفي أبو هاشم قال فيها :
من سكات .. من سكات .. من سكات
من سكات .. مـات .. مـصطفي
كيف شمعه .. تقيد نفسها .. للناس
وعمرها بينطفي
من سكات .. مات .. مصطفي
أيـوه كـان يعشق .. المـوت
وعاش عمـره يضـحي
في سكوت . وكان فارس
وله ألف .. ألف .. دراع
في حواري السويس .. تعمل تقول بلدي
وكان حارس .. بصماته لسه في سينا
تبشرنا .. ترسينا
وكان ريس .. أسألوا الليل
كان يعرفوا كويس .. وكان .. وكان
وكام كان يكره .. الكلام
وكان لما يحكي لي أحلامه
أو اللي شافه في منامه
أضحك أنا وأقول أن شاء الله
بعد النصر .. ياهل تري
حتكوني فاكرانا يامصر
وكيف شمعه تقيد .. نفسها للناس
وعمرها بينطفي .
ونأتي لشقيقة الأكبر الشهيد البطل أحمد أبو هاشم الذي تلقي وأسرته نبأ إستشهاد شقيقة الأصغر مصطفي .. حتي سارع لمواصلة حمل لواء الدفاع عن مصر رغم أنه لم تكن له أي علاقة من قريب ولا من بعيد بالفدائيين أو بالعمل الفدائي ..فالبطل أحمد أبو هاشم كان يعمل رئيساً لقسم المبيعات في شركة السويس لتصنيع البترول.. الأ أنه طلب الإنضمام لمنظمة سيناء العربية ليأخذ بثأر شقيقة .. الإ أن العقيد فتحي عباس مسؤول المخابرات العسكرية أعترض علي إنضمامه نظراً لكبر سنة .. فرفض مهدداً بعدم دفن جثة شقيقة الإ بعد انضمامه للمنظمة وأصر علي ذلك .. وأمام هذا الإصرار العجيب إستجاب العقيد فتحي عباس مسؤول المخابرات العسكرية لرغبة أحمد أبو هاشم الذي ظل وزملائه الأبطال ينتظرون يوم الثأر للخلاص من جنود الصهاينة .. فهزيمة الخامس من يونيو كانت قاسية تركت في نفوس أهالي السويس أثراً كبيراً .. خاصة وأن علي أبناء الغريب العبء الأكبر عن غيرهم من مدن القناة نتائج هذه الهزيمة .. كما كان لها وقع مرير في نفوس الشعب المصري .. وبشهادة كل المراقبين أن السويس لم تسلك مسلكا إنهزامياً .. بل كانت تستعد قبل الخامس من يونيو لمواجهة إحتمالات المعركة .
يقول محافظ السويس حامد محمود في مذكراته ” السويس والمعركة ” عام 69 فقد شكلت لجنة برئاسة المحافظ لتنظيم أعمال المقاومة تقدم اليها الضباط القدامى من القوات المسلحة والشرطة السابقين ومن أبناء المدينة متطوعين للقيام بواجبهم .
وتمت أعداد مراكز للتدريب القتالي .. وتمت عمليات تهجير أهالي السويس إجباريا والإبقاء علي حوالي 10 الآف من العمال أو يزيد يمثلون مرافق السويس الحيوية .. وخيم السكون علي المدينة وأصبحت السويس بعد التهجير السويس مدينة للرجال فقط .. وأرتدي محافظ السويس زى الجيش مع الأهالي .. تم نقل الحياة للخنادق من خلال العروض السينمائية التي كانت التي كانت بمثابة ترفيهاً للأهالي .. كما إنطلقت فرقة ولاد الأرض بقيادة الكابتن غزالي تجوب الخنادق والمعسكرات وتلهب حماس الجميع بأغانيها الوطنية وتبث الأمل في النفوس … وتأتي معركة 24 أكتوبر لعام 73 .. وفي منتصف ليل 23 أكتوبر 73 وصلت من جنوب السويس وحدات لواء إسرائيلي مدرع من فرقة ماجن لإقتحام مدينة السويس.. وأصدرت القيادة العامة تعليمات بالدفاع عن مدينة السويس وإغلاق جميع مداخلها .. ولم تنم السويس ليلتها وبدأ العدو الإسرائيلي بالهجوم البري علي مدينة السويس بكتيبتين مدرعتين ومشاة ميكانيكي محمل علي مجنزرات من ناحية السماد ومن الكيلو 9 طريق”السويس ـ القاهرة ” وواصل العدو تقدمة من ناحية المثلث ومن منطقة الشلوفة .. ولم تتمكن القوات الموجودة من وقف زحف قوات العدو حتي دخل المدينة .
وبدأت عمليات توزيع الكمائن من رجال المقاومة الشعبية في إنتظار جنود العدو الإسرائيلي دخولهم للسويس .. فتم توزيع المجموعات علي أنحاء السويس .. هناك مجموعة أمام قسم شرطة الأربعين تضم الفدائى محمود عواد وإبراهيم سليمان .. وأخري بجانب مزلقان الشهداء الفدائي أحمد العطيفي ومحمد سرحان وفايزحافظ .. ومجموعة تالتة عند مزلقان البراجيلي بقيادة أحمد أبو هاشم .. وكانت توقعات الفدائيين أن العدو الإسرائيل سوف يدخل المدينة من ناحية منطقة المثلث قادماً من منطقة الجناين شمال مدينة السويس .
وكانت التعليمات لكمين مجموعة أحمد أبو هاشم أن يتركوا الدبابات الإسرائيلية تدخل شارع الجيش إلي ميدان الأربعين دون أعتراضها .. والتعامل معها عند مرور أخر دبابة .. وبالفعل نجحت الخدعة .. وأنقض رجال المقاومة الشعبية علي الدبابات .. وقام أحمد أبو هاشم بإستخدام القنابل الحارقة بقذف أخر دبابة بطلقاته السريعة والمؤثرة والتى تحمل غل الثأر لشقيقة مصطفي أبو هاشم .. فيما قام زملائه بإصابة مقدمة الدبابات وحاولت الدبابات الهروب ولكنها لم تفلح نتيجة لتعطل قول الدبابات بالكامل .
ولم يبالي أحمد أبو هاشم بتحذيرات زملائه الأبطال الذين صرخوا فيه بالإبتعاد عن مرمي نيران العدو الغادر .. وظل يطلق مدفعه الرشاش هنا وهناك حتي اخترقت صدره رصاصات العدو الغادر وسط شارع الجيش .. ورغم أصابته برصاصات العدو الأ أنه ظل يقاتل حتي لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يودع زملائه بعلامات النصر ليصبح أول شهيد عقب تدمير أخر دبابة.
وإنتصرت أهالي السويس بالتعاون مع رجال القوات المسلحة والشرطة علي قوات العدو الأسرائيلي .. وأصبحت السويس مقبرة للغزاة .. رحم الله شهدائنا الأبرار وأسكنهم فسيح جناته .
«وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»
يذكر أن المحاسب أبراهيم أبو هاشم الشقيق الثالث والأكبرللشقيقين الشهيدين ” مصطفي ـ وأحمد ” أطال الله في عمره كان يعمل في أحد المناصب القيادية بشركة السويس لتصنيع البترول .. كما تقلد عدد من المناصب كان أخرها رئيسا للمجالس الشعبية المحلية بمحافظة السويس .
التعليقات