كتب: عاطف صبيح
“لا يوجد عالم ملحد إلا ويعلم أن للكون إلهًا، لكن قلوبهم لا تطاوعهم على الإيمان”.. كلمة قالها لي د. محمد النشائي، أعظم ثالث عالم في تاريخ البشرية، في عام 2008 غيَّرت مسار حياتي، وتابع: “لأن العلماء يدرسون ظواهر الكون، ويعلمون تمامًا أن الدقة المتناهية في تسييره لا يضعها ويفرضها ويقوى عليها إلا إله قادر ومهيمن، بحيث لا يخرج عن النظام شيء؛ لأن الهفوة كفيلة بتدمير الكون”.
أدركت وقتها أن الإلحاد والشيوعية ليسا فكرًا بقدر ما هما انحطاط نفسي، كما لاحظت من عشرتي مع أقطاب التنوير والعقلانية الراحلين، ومن بعدهم الأدعياء من الجيل الحالي، أن القاسم المشترك بينهم والمهيمن على كل تصرفاتهم هو الجنس، والذي يسوقهم كالقطيع، فيولُّوا وجوههم شطره. وهو أمر يسهل جدًّا أن تكتشفه بمجرد التعامل معهم عن قرب؛ لأنه طافح عليهم، ويثيرهم بشكل يجعلهم لا يمكن أن يسيطروا على أنفسهم، أو أن يحاولوا إخفاءه. وكنت أوضحت في مقال سابق علاقة الجنس بالعقيدة عندهم.
والملاحظ أيضًا في أدعياء الفكر والتنوير أن سهامهم المحمومة المسمومة لا تُوجَّه إلا إلى الإسلام دون باقي الأديان والديانات، وحتى عباد البقر والفئران وغيرهم لا تجد شيوعيًّا أو ملحدًا أو متلفعًا بعباءة العلمانية يجرؤ على أن ينظر إليهم بطرف عينه، بل إنه يتشدق إزاءهم بالحديث عن المستضعفين والأقليات وحقوق الإنسان ووووو.
كما أنهم يجدون انتشاء وانشكاحًا باستخدام مصطلحات؛ من أجل أن يصبحوا مُنظِّرين، فهي نزوة لديهم، يعشقون إشباعها؛ لأن التنظير عندهم هو الأمارة على أنهم مثقفون ومستنيرون ومُجدِّدون، وهي مصلطحات من قعر التاريخ، نبتَت في آلاف السنين، وتَداولَها المُنظِّرون على مر العصور، بينما يلعنون من يستمد فكره من ثقافة الـ 1400 سنة؛ لسبب بسيط، وهو أنها ثقافة إسلامية، وكأن الإسلام زوج أمهم.
وأي مظهر إسلامي، مهما كان صاحبه ماشي في حاله، يُخرِجُهم عن شعورهم، ويكشف غطاء بلاعتهم النفسية؛ لتطفح سخرية وتسفيهًا وتطاولاً، يناقض تصايحهم الدائم عن الحريات الخاصة؛ لأنها عندهم عامة لكل البشر إلا الملتزم بالإسلام، حتى لو كان التزامًا سطحيًّا، وكأنهم في نظرهم ليسوا من البشر، ولا حتى من الحيوانات.
لأن الحرية في عقيدتهم هي حرية العري والفجور. أما حرية احترام الذات فهي حبس ورجوع إلى الخيمة والجمل والجواري. فهم يعيبون على المشايخ والملتزمين (المسلمين فقط) أنهم يفرضون وصاية على الناس، وهم أنفسهم يقومون بأنكَى من الوصاية، بدور محاكم التفتيش، من تسفيه وتحقير أي شخص بدا منه أدنى تلميح للالتزام.
أما دفاعهم المستبسل عن الرذيلة، فلسببين نفسيين: أولهما غرقُهم في مستنقعها، كتاجر الآثار، الذي لو تَقلَّد منصبًا قياديًّا، فإنه سيزيل قوانين تجريم التجارة؛ حتى لا يكون مُجرِمًا، ويمارسها براحته، والثاني أنهم من شدة تلوُّثهم بالرذيلة وصلوا لدرجة الاختناق من النظافة والطهارة والعفة، كقوم لوط.
هذه بعض ملاحظاتي التي وجدتها في أصحاب التنوير والتحوير. وفي مقالي القادم سأعرض نماذج من نقاشاتي مع بعضهم (لأن مبدأ الجدل في حد ذاته أرفضه) دون ذكر أسماء؛ لأن منهم من كان يبحث عن الحقيقة، وأوصلنا النقاش المنهجي إلى الحقيقة والحق، ومنهم من لا يستحق أن يذكر اسمه، ولا يعنيني إلا النقاش ذاته، خاصة أن هذه النقاشات كانت في أصعب وأعقد القضايا العقدية التي يمكن الخوض فيها، حيث توارثنا خرافة أن الإسلام نقلي فقط، وأن إعمال العقل في الأمور الدينية يمكن أن يؤدي إلى الإلحاد، وكأن الله مثل ذلك الإنسان الهوليودي الذي اخترع روبوتات، فسيطرت على الأرض وعلى البشر، وستكشف نقاشاتي العقلية البحتة مدى ركاكتهم المنهجية وهشاشتهم الفكرية، ومنهم أيقونة العلمانية في الوطن العربي والشرق الأوسط، والمكرم عالميًّا بوصفه أينشتاين الإلحاد.
التعليقات