كتبت_ تقى محمود
انتهى سباق الانتخابات الرئاسية ٢٠١٨، والذي كان محسوم النتائج قبل أن يبدأ، لكن ذلك الحسم، لم يكن حائلا دون وجود العديد من الرسائل السياسية المهمة، التي يتوجب على جميع الأطراف : “النظام، الدولة، المجتمع”، الانتباه إليها والتعامل معها، إذا ما أردنا الاستفادة من تلك التجربة، وإلاغ تكون مجرد صفحة نطويها في كتاب السياسة المصرية العامر بالصفحات المطوية.
أول تلك الملاحظات التي ينبغي التوقف عندها هي طبيعة المنافسة السياسية في مصر، والتي افتقرت إليها انتخابات ٢٠١٨، وهي مسألة دفعت كثيرين – إلى جانب أسباب أخرى- للإحجام عن المشاركة، وبناء التنافسية السياسية ليست بالأمر الهين، فهي بحاجة إلى إعادة تأهيل لبنية الحياة السياسية والحزبية في مصر، ولعل الانتخابات الرئاسية الأخيرة تكون بداية لانفتاح سياسي مأمول، وإعادة هيكلة للساحة السياسية والحزبية التي بدت بعيدة تماما عن ميدان الفعل أو التأثير السياسي، فأغلب الأحزاب، كيانات هزيلة، لا وجود لها في الشارع، ولا تقدم إضافة تذكر على مستوى النخب أو الجمهور، وبالتالي فإن الحاجة ماسة إلى إعادة النظر في تركيبة الحياة الحزبية، وإنهاء تلك “الفسيفساء الحزبية” التي تشكلها أكثر من ١٠٤ أحزاب، لا تعرف – في مجملها- من العمل الحزبي سوى الاسم.
ويقترن بهذا البعد، ضرورة إحداث تغيير جوهري في تعامل الدولة مع الحياة الحزبية، فتغييب الأحزاب ونخبها السياسية – على الأقل في بعض الأحزاب التي تملك نخبا- لا يخدم النظام ولا الأحزاب، وهناك ضرورة لأن تعيد الدولة النظر إلى منهج تعاملها مع تلك القوى السياسية، لا سيما مع استقرار كثير من الأوضاع، وثبات أقدام مؤسسات الدولة، وبالتالي يمكن توسيع دائرة النظر الرسمي ليخرج في اختياره لمن يتولون المواقع القيادية في الدولة خارج النطاقات التكنوقراط المعتادة، والبحث عن شخصيات ورؤى سياسية جديدة، تجدد دماء العمل السياسي التنفيذي على حد سواء.
ومن يقرأ ما بين سطور حصاد الانتخابات الرئاسية لابد أن يتوقف طويلا امام الأداء الإعلامي خلالها، فبينما تلقى الإعلام بمختلف روافده العديد من الانتقادات قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية، لعدم قدرته على مواكبة الانجازات التي تتحقق في الدولة على أرض الواقع، وتكررت تلك الانتقادات من مستويات قيادية متعددة، في مقدمتها الانتقادات التي وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه للأداء الإعلامي في أكثر من مناسبة، إلا أن ذلك لم يحل دون الاستخدام الكثيف للإعلام، وبخاصة المرئي، في عملية حشد الناخبين للمشاركة في التصويت، وهي المسألة التي مثلت التحدي الأكبر في إدارة الدولة للعملية الانتخابية، وهو ما يطرح الكثير من التساؤلات حول تلك العلاقة الملتبسة بين الدولة والإعلام، ومحاولة توصيف تلك العلاقة، وهل هي محاولة لتكريس تبعية مطلقة؟ أم ممارسة لتأثير حاسم على وسائل الإعلام وبخاصة في الملفات الكبرى؟ وهل تغير طبيعة الأداء الإعلامي الذي شهدته الانتخابات من نظرة الدولة للإعلام، أم تفرض حاجة لنخب إعلامية جديدة تناسب المرحلة المقبلة؟
وإذا كان البعض يرى أن الدولة نجحت في اجتياز اختبار معدلات الإقبال على التصويت، فالمعدل – وفق المؤشرات النهاية غير الرسمية- يقترب من متوسطات ما اعتدناه من تصويت في مختلف الاستحقاقات الانتخابية التي شهدتها مصر عقب ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، إلا أن التشريح الدقيق لأنماط التصويت والفئات التي شاركت في هذا التصويت، وكذلك لتنامي معدلات إبطال الأصوات، والتي جاءت في المركز الثاني في هذه الانتخابات للمرة الثانية على التوالي بعد انتخابات ٢٠١٤، يمثل ضرورة ملحة للوقوف على كثير من الحقائق التي تتطلب قراءة هادئة، بعيدا عن صخب العملية الانتخابية أو الرؤى التحليلية المعلبة، وهذه القراءة العقلانية والصريحة يمكن أن تكون خطوة اولى ومهمة على طريق مواجهة التحديات الكبيرة في السنوات الأربع المقبلة على الأقل.
التعليقات