الثلاثاء الموافق 08 - أبريل - 2025م

حسن بخيت يكتب ..” فأصفح الصفح الجميل “

حسن بخيت يكتب ..” فأصفح الصفح الجميل “

جلست اليوم بعد صلاة العصر ، وكعادتي في شهر رمضان الفضيل أقرء القرآن وإذا بي أقف عند آية في سورة الحجر ، وكأني أقرءاها لأول مرة.

قال الله تعالى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) (الحجر:85)
هذه الآية من الآيات المكية التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعض العلماء حين يتعرضون في التفسير لهذه الآية يقولون : ( فاصفح الصفح الجميل ).. أى ، صفح بلا عتاب ، أى الصفح الذي لا أذية فيه ، بل مقابلة إساءة المسيء بالإحسان ، وذنبه بالغفران ، لينال المتسامح من ربه جزيل الأجر والثواب …

في حياتنا توجد إهانات أو إختلافات أومشكلات عاطفية ومعنوية ، فطبيعة الإنسان أنه مدني بطبعه لا يستغني عن التعامل مع إخوانه من بني البشر ، ولا يستطيع أن يعيش منفرداً ، وبالتأكيد قد تترك هذه المشاحنات علامات محفورة في نفوسنا ، نشعر إزاءها أننا لا نستطيع مسامحة أولئك الذين أسهموا في حدوثها، حيث يكون الشعور بالألم والإحباط والإساءة عميقا جدا ونرى أننا غير جديرين بالصفح عنهم .

الصفح علاج لمختلف الخلافات والمشكلات التي قد تحصل في المجتمع، من غير الحاجة إلى طرف وسيط للمساعدة في حلِّ مثل هذه المشكلات، والتي قد يحتدم فيها النقاش، حيث يتشدد كلا الطرفين في الخلاف، وحينها تتسع الفجوة، ويذهب كل طرف في اتجاه معين ، وتنشأ الشحناء والخصام ، لذلك كان الصفح هو العلاج الأمثل لمثل هذه المواقف؛ ليعيد الترابط بين كل الأطراف، ويملأ القلوب مودة ورحمة، فينسى كلٌّ منهما ما حدث، ويتنازل كل منهما عن حقه ،كرما فيما عند الله، وليس ضعفا أو عجزاً، أو خوفاً من الأخرين .

فالصفح هومصدر الحب والسعادة وهوطريقنا إلي الله وهو الجسر الذي يجعلنا نفارق اللوم والذنب والخزي ويعلمنا أن الحب هو مصدرالسعادة.
الصفح هو الطهارة للقلب والروح ويزيد صلتنا ببعضنا ويشعرنا بالأمن ويرسل الطمأنينة لأنفسنا ويسمو بها إلى السلام الداخلي ، ويجعلنا نتخلى عن الانتقام ونبتعد عن الكره أو الغضب ويزيد الثقة بالنفس ويلجم وساوس الشياطين ، وينسينا الماضي الأليم وإساءة الآخرين لنا،

فبالصفح نستطيع أن نتخذ القرار بأن نضع بداية جديدة لعلاقتنا بأنفسنا و علاقتنا بالآخرين، وألا نعاني أكثر من ذلك ونعالج أنفسنا من الألم، ونفتح نوافذ على جمال الآخرين وميزاتهم، وعدم التركيز مع العيوب والأخطاء .

فالصفح من المبادئ العظيمة لديننا الحنيف، التى تعلمنا الحلم والعفو عن كل مخطئ لأننا كلنا أهل خطأ وذنب…!! وهذا لا يعني تنازل المرء عن حقوقه أو التهاون في معتقداته، أو قبوله لأي صورة من صور الظلم الإجتماعي ولا تعارض بينه وبين حقوق الإنسان ،وليس تحقيرا” لشأنه ، بل هو نوع من تقدير النفس والإحترام ومحبتة للأخرين ، وصاحب الحكمة والعقل والنفس الطيبة من يراجع نفسه ويصفح ويتسامح فيما بينه وبين الأخرين ، ولا يمتلىء قلبه بالكراهيه والبغضاء والخصام .
والإسلام من أكثر الأديان السماوية التي تحثنا على الصفح، حيث أن الصفح يعتبر قيمة إنسانية وأخلاقية وإجتماعية، وقد جاءت آيات عديدة في القرآن الكريم، وكثير من الأحاديث النبوية التي تنص على الصفح والتسامح والعفو، لأن ذلك هو نوع من إرضاء الله تبارك وتعالى، وأيضًا يعتبر نوع من نشر الخير في المجتمع، ويجعل جميع الأجناس التي تعيش على وجه الأرض تحيا في سلام مع بعضها البعض طالما تواجد الصفح و التسامح بينهم.
ولقد وصانا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالصفح والتسامح، وذكره في أكثر من موضع في الأحاديث النبوية الشريفة ، فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم هو أول من أرسى مبادىء الصفح والتسامح مع الجميع سواء كان مسلما أو غير مسلم ، فقد أمره الله تعالى بالصفح والتسامح في مواضع كثيرة في كتابه ، قال الله تعالى: ﴿فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ] وفي هذه الآية مخاطبة إلى رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه أن يتسامح، ويصفح، ولا يأخذ بالانتقام وهذا لأمته من بعده أيضًا، وقد ربط هذه الآية الكريمة بين كلمة التسامح والصفح والسلام.

وجميعنا يعلم الكثير من الصور التي سامح فيها رسولنا الكريم وصفح بها عمن ظلمه واعتدى عليه، وعلى من عمل على إخراجه من دارة ومن بلاده، وعلى من ابتغى قتله، وعلى من اتهمه بالكذب، وأدعى أنه مجنون ولا يجب لأحد أن يصدقه، وقد سامحهم وعفى عنهم، وطلب من الله أن يهديهم أو يؤمنوا بالله ويتقربوا له هم وذريتهم، وأيضًا عفى الرسول عن كفار قريش وذلك في اليوم الذي تم فتح مكه به، بالإضافة إلى أنه لم يجبر القبائل العربية على اتباع الإسلام وترك لهم حرية العقيدة فبقيت بعض القبائل منهم على غير الاسلام ، وقام بعمل معاهدات معهم، وهذه المعاهدات تنص على حرية العبادات، بالإضافة إلى أنه فعل نفس هذا الأمر مع القبائل اليهودية ترك لهم حرية العقيدة، وسمح لهم إجراء شعائرهم بحرية .

وقوعنا جميعا في الخطأ وارد لا محالة لأن الخطأ من صفات بنى أدم ، “فكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون” ، فالخلاف بين أى طرفين وارد لا مفر منه بفعل الاحتكاك اليومي وما ينتج عنه من أخطاء وهفوات ومشاحنات وضغوط حياتية، لذلك نحتاج إلى تعلم واكتساب مهارات التعامل مع المشاكل في الحياة المعيشية والعملية ، والأفضل من يبدأ بالصفح خصوصا في مجتمعاتنا العربية المكبلة بالتفكير الخاطيء بعقدة الكبر و” الأنا” والكرامة التي تعتبر أن الشخص الذي يصفح ويتسامح يكون ضعيفا وسلبيا ، وجرح لكرامته وكبرياءه، وكذا وكذا وكذا ،، في ظل غياب مبدأ ” الصفح ” من قاموس حياتنا التي تعتبر أزمة مجتمع وخلل في ثقافته وتربيته ودليل على تراجع روح المحبة والتسامح ، وجهل عظيم بمباديء ديننا الحنيف ، فكم مرة في اليوم ونحن نقرأ أيات الله التى تدعو الى الصفح والتسامح ، ومع ذلك نتشبس بجهلنا وكأننا نأكد أننا قوم لا يقرأون ، واذا قرأوا لا يفهمون

 التعليقات

  1. يقول السيد حسن طه:

    أحسنتم أستاذنا الحبيب الغالي
    وجعلنا الله وإياكم من أهل الصفح والعفو

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

إعلان بنك مصر

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 80908596
تصميم وتطوير