الجمعة الموافق 07 - فبراير - 2025م

حسنُ الظَّنِ بالله

حسنُ الظَّنِ بالله

بقلم : د. محمد أبو العلا
لابد لكل إنسانٍ من المعاناة في حياته، ليميز الله الخبيث من الطيب، لابد من الاختبار والمحنة، حتى الأنبياء كانوا أشد الناس بلاءً، وقد عانوا وأصابهم ما أصابهم، فقد قُتل سيدنا يحيى على يد الرومان، ومن بعده أبيه سيدنا زكريا، ولولا عناية الله بالمسيح عيسى لصلبوه أيضاً، وإذا كان الخلاف بيننا وبين المسيحيين أن نبي الله عيسى قد صلب، فهو من باب أن كلٌ منا يدرك جزءًا من الحقيقة، والحقيقة الكاملة لم نكن نحن كمسلمين لنعلمها لولا أن الله تعالى بينها لنا في كتابه العزيز، لأننا كنا سنأخذ تلك الحقيقة من كتب التاريخ، وكتب التاريخ صادقة حتماً، لأننا لم نحضر تلك الواقعة، فالرومان عندما صلبوا شبيه سيدنا عيسى عليه السلام “يهوذا الإسخريوطي” صلبوه وهم يظنون أنه المسيح، والله تعالى أراد لهم أن يظنوا ذلك، ولولا أنه أراد ذلك لما ألقى الشبه على يهوذا، ليظن الجميع أو يتأكدوا أن المسيح قد صلب أمام أعينهم، ثم يأتي بعد ذلك القرآن بمدة ليبين لهم ماحدث، تماماً كالمسلسل الذي يشاهده الناس من جزأين، في نهاية الجزء الأول يعتقد المشاهد موت البطل، ثم يأتي الجزء الثاني ليبين أنها كانت خدعة أُريد بها إظهار موته لنجاته، لكننا نتذكر هنا عبارته الشهيرة لأصحابه : “إن الحقيقة التي تخشون النطق بها حتى في الظلام، ستنطقون بها يوماً في النور، والإيمان الذي اكتسبتموه في خلوات البيوت، ستهتفون به يوماً فوق أسطح المنازل”، وقد صدقت نبوئته، ليقول الرجل بملء فيه “أنا مسيحي” دون أن يخاف الصلب أو البطش، فحتى وإن ضيق الله على الأنبياء والرسل وعباده الصالحين، فإنما يضيق عليهم ليصطفيهم، ليظهر للناس قوة ماهم عليه من الحق، حتى بعد مرور الزمن، ومن ذلك ماحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة، حيث قال لهم إني رأيت في منامي أننا ندخل المسجد الحرام محلقين رؤوسنا ومقصرين، واستعد المسلمون لذلك اليوم عندما توجهوا إلى الحج، فكانت المفاجأة أن منعهم مشركو مكة من الدخول، وعقدوا مع الرسول الكريم صلح الحديبية، والذي اشترط رجوع المسلمين ومعهم رسول الله دون آداء مناسك الحج هذا العام، على أن يعودوا في العام القادم، وقد شق ذلك على أنفس المسلمين، الذين تهيأوا لآداء المناسك هذا العام، فرجعوا مغبونين حزانى لما حدث، وكان حزنهم الأكبر أن الرسول قد أخبرهم قبلها وأعطاهم الأمل في دخولهم مكة بالرؤية التي رآها، ورؤى الأنبياء حق، وهو لا ينطق عن الهوى، ثم جاء العام التالي، ليعود إليهم رسول الله ومعه الصحابة، وفي ذلك قال الله تعالى “لَّقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ۖ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ ۖ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَٰلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا (27) الفتح. فلا تحزن ولا تجزع إذا لم تتحقق رؤياكَ في الدنيا، فقد تأجلت رؤيا النبي الكريم وهو أصدق الخلق، فربما كان الله يدخر لك رؤياك، كما يدخر الدعاء إلى يوم القيامة، حتى إذا ما ظهر لك وللناس أن السُبل إلى تعبيرها قد انقطعت، حققها الله لك يوم القيامة، يوم تتمنى لو أن جميع رؤاك ودعواتك وأمنياتك لم تتحقق في الدنيا. فقط علينا بحسن الظن بالله، وحتماً سيأتي اليوم الذي ينتصر لك فيه .

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79641952
تصميم وتطوير