Site icon جريدة البيان

حسام الشريف يكتب: تجديد الخطاب الديني مطلوب دون المساس بالتراث

شيء طيب أن يعلن الأزهر الشريف بين وقت وآخر عن عقد مؤتمرات دينية دولية ويدعو لها العلماء من كل أنحاء العالم لمناقشة قضايا الفكر الإسلامي،وهو أمر هام وضروري لأن للأزهر رسالة كبيرة وسامية ولرجال الأزهر مكانة واحترام في العالم العربي الإسلامي،فتاريخ الأزهر حافل بالمواقف الدينية والقومية والسياسية داخل مصر وخارجها،ويكفي أن نقول أن شيخ الأزهر الآن الرجل المستنير العالم الجليل فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب قد لا يتكرر كثيرا في حياة الأمة الإسلامية.

 

هذا الرجل الذي تمكن بحنكته السياسية وحكمته وعلمه الواسع ووعية بما يدور حولنا من تأمر علي ثوابت الإسلام أن يبحر بسفينة الأزهر وسط تلك الأمواج العاتية،ويعلن عن موقف الأزهر واضحا ورافضا لادعياء الدين ومثيروا الفتن ومروجوا الضلالات الساعون ليس لإعلاء قيم الدين والحق والعدل كما يدعون وإنما يسعون إلي كراسي الحكم والسيادة،فهم يتخذون من الدين ستارا لهم ولا يتورعون عن مهاجمة ثوابت الدين ونداءات الأزهر بتحكيم الشريعة والعقل في أمور الدين وأمور الدنيا ولنا في ذلك العبرة.

 

ونحن نري الدواعش وهم يقتلون ويحرقون ويدمرون بإسم الدين ويعلنون عن دولة أطلقوا عليها اسم الدولة الإسلامية، وكأن بقية الدول الأخرى الإسلامية التي يصل تعداد شعوبها لأكثر من مليار ونصف المليار من السكان دولا كافرة وغير إسلامية وقد نصبوا أنفسهم حماة للدين وكانهم يدعون أن الله اختارهم دون بقية الناس للتحدث باسمة ومحاسبة الآخرين وعقابهم بقطع رقابهم وإطلاق الرصاص علي رؤوسهم، والدين “اي دين” براء منهم والإسلام بعيدا عنهم مهما حاولوا الإدعاء باسمه أو الظهور بمظهره،ولنقس علي ذلك بقية الجماعات الآخرين التي أصبحت تنتشر عبر بقاع العالم وتنشر في الأرض الفساد فتلك الجماعات التي تحمل السلاح وتتكسب من تجارة السلاح والمخدرات وغسيل الأموال وسرقة البترول وبيعه وغير ذلك من التجارة حتي في البشر وبيع المرتزقة لبعض الدول الإرهابية لاستخدامهم في بور الصراع الدولي ولننظر الآن للمليشيات الإرهابية التي تدعي الإسلام في ليبيا والعراق واليمن والصومال وسوريا وغيرها والتي فعلت بالعالم الإسلامي ما لم يفعله أعدائه وارتكبوا من القتل والذبح في البلاد العربية ما لم يفعلة جيوش هولا كو وجنكيز خان من جحافل التتار.

 

ووسط هذا الغباء والعمي والتآمر من تلك الجماعات ما زال الازهر يقف صامدا ويرفع صوته مدويا أمام العالم بأن هذا خارج عن الإسلام وهذا ليس من ديننا وينادي الأزهر بأن الإسلام هو منبع التسامح والتواصل والتعايش الآمن مع الشعوب علي الأرض وأن الإسلام دين الوسطية والاعتدال وعدم المغالاة أو التشدد وقبول الآخر،فالدين لله وحساب الناس علي الله ولايملك أحد محاسبة الآخرين وفرض وصايته عليهم،ويستلهم الأزهر أحكامه من كتاب الله “القرآن الكريم” وسنة النبي محمد رسول الله صل الله عليه وسلم إلي كل الناس والرحمة المهداة لكل المخلوقات.

 

وربما جاء موتمر الأزهر الأخير الذي دعي إليه علماء الامة الإسلامية من الداخل والخارج للعمل علي تبادل الفكر والرأي لتجديد الخطاب الإسلامي والديني في هذا العصر لمواجهة الفتن والمحن ومجابهة خوارج العصر الطامعين في الحكم والسلطة وإيجاد صيغ جديدة لمخاطبة غير المسلمين، وتصحيح صورة الدين الإسلامي في أذهان وعقول شعوب الأرض،وفتح الأزهر المجال أمام الجميع ليعبر عن رأيه وفكره في هذا النطاق.

 

إلا أن البعض قد فهم خطأ أن التجديد معناه التخلص من التراث القديم ونسف جزور الدين وثوابت القران والسنه وأصول الفقه، فهم البعض أن تجديد الخطاب علي أنه تغيير العقيدة والدين والخروج عن الشريعة وأحكامها،ولم يدرك البعض أن تجديد الخطاب يقصد به وسائل وأدوات خطاب الآخرين وشرح ثوابت وأصول الدين لهم بأساليب طيبة وطرق سهلة ووسائل وأفكار مفهومة.

 

فالتجديد يقصد به الخطاب الموجه للآخرين لافهامهم الدين وأحكامه وشرائعه وتراثه،ولايقصد بالخطاب التغير في الدين ذاته،وهو ما قصده فضيلة شيخ الأزهر في رده علي الدكتور محمد الخشت رئيس جامعة القاهرة،فالدكتور الخشت قال أنه يجب تغيير أو تعديل التراث، والسؤال كيف ذلك كيف نغير تاريخ وتراث تراكم علي مدي عقود ونضع مكانه كلام آخر فلسفي أو فكري،ومن يضمن لنا أن يكون هذا الفكر الجديد مجديا وناجح ويسهم في إدراكنا للدين بشكل أفضل واعمق.

 

أراد شيخ الازهر أن يقول يا عالم افهموا وادركوا العيب ليس في التراث الديني ولا في ثوابت الدين الإسلامي ولا حتي في كلام الفقهاء السابقين ،وإنما العيب في فهمنا للدين وتطبيقنا للدين وتفسير البعض للدين علي هواه،والدليل كما قال شيخ الازهر أن المسلمين الأوائل حكموا العالم أكثر من الف عام ووصلوا إلي الندلس في أوربا والصين في آسيا فلو كانت أحكام الدين غير ملائمة أو بها تقصير لفشل المسلمون الأوائل في حكم العالم القديم.

 

قال شيخ الأزهر لم يبق لنا الآن إلا القرآن والسنة ولكننا لانطبق الدين وأحكامه ولانستفيد من تراثنا الإسلامي كما يجب،نحن لانطبق شرائع الدين الإسلامي إلا في الزواج والمواريث،أن لسان حال شيخ الازهر يقول أيها الفلاسفة والحكماء والعلماء طبقوا أحكام الدين واستفيدوا من التراث الاسلامي في صناعة نهضة الأمه الإسلامية بدلا من المطالبة بمحو وتغيير هذا التراث، قال اننا مثلا نشتري الأسلحة التي يصنعها غيرنا ويبيعها لنا كي يحارب بعضنا البعض بتلك الاسلحة ونقتل بعضنا بعضا بغير سبب ولا فهم لأحكام الدين وبغير قراءة جيدة للتراث.

 

إن لسان حال شيخ الأزهر يقول ما الذي جنيناه من وراء حروبنا وتفككنا وصراعاتنا الداخلية لقد تخلينا عن انسانيتنا وتعاوننا وتعاطفنا وسلامنا وهي كلها من مباديء الإسلام وسماحته حتي مع غير المسلم،واتجهنا إلي منحي أخر بعيد عن أوامر الدين ليتهم بعضنا بعضا بالخيانة والتامر،هل العيب في التراث الديني ام العيب فينا والتقصير من انفسنا ؟،ربما تكون كلمات شيخ الأزهر رسالة لنا لنفوق ونرجع إلي أنفسنا قبل فوات الأوان وكفانا ما نحن فيه،لقد أصبحت الدول الإسلامية ذاتها تحارب بعضها بعضا وتكيد لبعضها بعضا فهل كل ذلك سببه أحكام الدين الاسلامي وتراث الدين الاسلامي.

 

انها دعوة صريحة لنبحث عن أنفسنا مرة أخري ونفتش عن ذواتنا من نحن ومن نكون فهل من مجيب وهل من مستمع وهل من عاقل كفانا شعارات ومهاترات وليعمل كل منا في المجال فقط الذي يبدع فيه ويحقق فيه نجاحات وتقدم فالامم لا تبني بالصراع وبالجدل والكلام وإنما تبني بالفعل والعمل،لنجدد في طرق وأساليب حياتنا وكلامنا وتعاملنا فيما بيننا ومع الآخرين لنبحث عن لغة جديدة مشتركة بيننا ونبدا في البحث عن مواطن القوة في ديننا وتوظيفها لتحقيق أهدافنا وتقوية ذواتنا،والتخلص من نقائصنا والتخلي عن إساءة الظن بالآخرين أو العمل علي افشالهم وتسفية رؤاهم وأظن أن ذلك ربما يكون من أهم وسائلنا لتجديد فكرنا بشكل عام وفكرنا الديني بشكل خاص فما لايدرك كله لايترك كله.

Exit mobile version