يعد الفن لغة عالمية يفهمها الجميع والفن الجيد له رسالة إنسانية وفكرا يعبر عن الإنسان في كل زمان ومكان وقد تمكنت مصر أن تحفر مكانتها علي مر التاريخ القديم والحديث عن طريق الفن فهو قوة ناعمة،ولا يمكن مقارنتة باي قوة أخري لأن تأثير الفن جارف وقوته لا نظير لها داخل البلاد وخارجها حيث يعتبره البعض أساس تشكيل الوعي القومي الجمعي لأبناء الأمة.
ولا شك أن الوطن هو الخاسر الوحيد من انتشار بعض مظاهر الفن الرديء الذي نشهده في بلادنا خلال السنوات الاخيرة فالمسلسلات والافلام الهابطة التي نرها كل يوم وتزكم انوفنا بعبارات وكلمات من الشتائم التي يتبادلها الممثلون وتصك اسماعنا ليل نهار تجعلك تدرك علي الفور،أن كاتب هذه المهاترات ربما لا يملك الدراية ولا يعرف رسالة الفن كيف تكون فالفن علية أن يرقي بالمشاعر ويثقف العقل ويسهم في حل القضايا الإجتماعية وليس الفن لمجرد التسلية ومليء أوقات الفراغ فالفن بلا هدف يصبح بلا فائدة فبدلا من ترقية الذوق العام فإنه يسهم بقصد أو دون قصد علي تدمير العلاقات الإنسانية وإشاعة القلق ونشر السلبيات وطمس الهوية.
فكما يعرف الجميع أن الفن لايقتصر علي جانب واحد بل يشمل بجانب الدراما والسينما والمسرح فنونا أخري الرسم والتصوير وغيرها والمسرح والسينما يواجهان معضلة شاقة منذ سنوات فنحن حتي الآن لم نستطع تعويض أو حتي تقليد الأعمال المسرحية القديمة التي رسخت في وجدان الشعب المصري مثل أعمال نجيب الريحاني وفؤاد المهندس وعادل أمام وسمير غانم وغيرهم وفي رأيي تراجع المسرح له أسباب كثيرة منها أزمة النص فلا توجد كتابات مسرحية جادة وجيدة كما كان الحال من قبل.
فالمسرح كان له كتابه المتخصصين فقط في الكتابة المسرحية مثل محفوظ عبد الرحمن،وسعد وهبه،وغيرهم فالنص الجيد هو الأساس في نجاح أي عمل مسرحي وياتي بعدها براعة الممثل والمخرج وغيرها والمشكلة الأهم أن أحدا من المنتجين أو المخرين للمسرح لم يهتم بالبحث عن النصوص الجيده مسرحيا بل أصبحت معظم الأعمال المسرحية التي نراها الآن علي خشبة المسرح عبارة عن حركات بهلوانية يؤديها الممثلون وكلمات أقرب للسوقية ولغة الشتائم والردح أو هي لغة متدنية والفاظ قد تخدش الحياء ولنقس علي ذلك السينما التي أصبحت مغلوبة علي أمرها فلا نص ولا موضوع ولاهدف والسؤال الذي أصبح يطرح نفسه علي الجمهور ويبحث له الكتاب والمثقفون هو اين ذهبت السينما المصرية ولماذا فقدت رسالتها وأهميتها إلي هذا الحد.
فالشيء المثير للعجب أن عدد دور العرض السينمائي في مصر تراجع إلي اكثر من النصف وانا لست مع الراي القائل بأن السينما لا أهمية لها وإنها كانت سببا في نشر السلوكيات غير المرغوبة او التحرر الزائد عن الحد والدليل علي ذلك أن القيم وأخلاقيات المجتمع كانت في الماضي وأيام ازدهار السينما أفضل من ذلك بكثير مما نراه الان وخاصة في أوساط الشباب.
فتلك المهن الفنية أصبحت لاتعتمد علي عامل الموهبة الفنية والإبداع الفني والتميز وإنما الأمر غير ذلك فقد تحول الفن إلي سبوبة يعتمد أصحابها علي المعرفة والوراثة وكفي،وخير مثال علي ذلك أن كل أبناء الممثلين أصبحوا ممثلين أيضا وأبناء المطربين أصبحوا مطربين بقدرة قادر،وقس علي ذلك كثير من المهن الأخرى التي كانت تعتمد علي الإبداع والموهبة،ولا عزاء للمواهب الشابه الحقيقية فالمكان مغلق والمجال محال أمام آي منهم لماذا لأنهم ليسوا من المحظوظين فلم يولدوا في عائلات فنية ولا يعرفون أحدا من المشاهير ولا يقدرون علي الوصول لاحد كي يقدمهم لأصحاب القرار في مجال الفن والنتيجة ما نراه الآن وما وصل إليه حالنا وما أصبح يشغل بالنا تراجع مستوي الفن لدينا وأصبحت شاشاتنا مليئة بالمسلسلات والأفلام التركية والهندية وبعض البلدان العربية التي كانت يوما تتلهف علي أعمالنا الفنية،فالسوق المصري أصبح مباحا ومتاحا أمام الجميع فلم يعد الفن قوتنا الناعمة الموثرة في محيطنا العربي كما كان الحال من قبل بل أصبح فنا يعكس خيبتنا الثقيلة فقد عملنا باقتدار علي تصدير اسوا ما فينا،وجسدنا صورة قبيحة لحياتنا وواقعنا بدلا من أن نجملها بالفن وبأيدينا قضينا علي صورة بلادنا وتاثيرها الثقافي وجمالياتها وفنونها وابداعاتها التي صنعها فنانوا مصر ومثقفوها العظام علي مدي عشرات السنين.
وإن كنت تشك في هذا الكلام أو لا تقتنع به أذهب الي آية دولة عربية واسال عن اسم مسلسل مصري أو فيلم أو مسرحية في هذا العصر حتي في داخل مصر نفسها من يستطيع أن يقول لك أن هناك مسلسلا مصريا يتابعه الناس الآن ويجتمعون حولة مثل ما كان الأمر بالنسبة لمسلسلات مثل المال والبنون وليالي الحلمية والرحايا وذئاب الجبل وغيرها من أفلام ومسرحيات كانت مصر تفخر بها وتصدرها ليشاهدها اخواننا العرب في كل مكان.
والراي الراجح الذي ربما لا يعجب الكثيرين أن السينما يجب أن تعود وبقوة لتواجه سلبيات المجتمع ومسوا الفيس بوك ووما يتم نشرة للسيطرة علي عقول شبابنا ودفعهم نحو توجهات معينة قد تضر بهم وبالمجتمع،فالسينما والمسرح والأعمال الدرامية أسلحة جيدة يجب ترقيتها وتوجيهها للشباب بأسعار رمزية وحث الكتاب الكبار علي ضرورة إنتاج وكتابة النصوص الجيدة وعلي الدولة دور هام في دعم السينما والمسرح والتوسع في بناء المسارح ودور السينما وقصور الثقافة واتاحتها أمام أجيالنا الشابة ليتعلموا من خلالها.
فالسينما ليست كلها سيئة ويمكن أن تحدث نقلة حضارية لبلادنا وتسهم بدور فاعل في عودة قيمنا وتؤكد علي عناصر التسامح وقبول الاخر والتعاون بين الأديان والحضارات وهو الامر الذي سيفتح بدوره الباب أمام ظهور مبدعين جدد في مجالات الكتابات الأدبية والسينمائية والمسرحية ليزدهر الفن من جديد وتعود مصر كما كانت ام الحضارات ومركزا للإبداع ونشر الثقافة والفكر في ربوع الأرض والعالم كما كانت قديما.
نحن في حاجة لظهور عبد الوهاب جديد وام كلثوم جديدة ونجيب محفوظ جديد وأحمد زويل اخر ولن يكون هذا إلا من خلال عودة الفن من جديد لأن الفن هو باعث الإبداع ومحرك الشعوب ومفتاح التطور ،وبالفن يمكننا أن نصنع امة راقية ونعود لاداء دورنا ورسالتنا تجاه أمتنا العربية والإسلامية حتي يمكننا إصلاح ما افسدته ثقافة الفيس بوك في عقول امتنا وأبنائنا خاصة ونحن الآن في مفترق طرق ونقف علي أعتاب مستقبل جديد سريع ومتغير فاما أن نكون او لا نكون.
التعليقات