بقلم_أحمد شيخون
مضيق باب المندب ، أحد المحاور الرئيسية في المعادلة العالمية للقوى ، حيث يتحكم في نسبة ليست بالهينة في الملاحة العالمية ومع التراجع الملحوظ للدولة اليمنية ومؤسساتها العسكرية والأمنية في إحكام سيطرتها علي المضيق ، وزيادة رقعة النفوذ الحوثي في هذا المكان ، باتت أوراق ميزان القوى العربية الإيرانية تختل مرة وتميل مرة أخرى لكل القوتين ، بيد أن إيران ممثلة في الحوثيين يريدون تعزيز تواجدهم العسكري في محافظة تعز ذات التضاريس الجبلية والمطلة على باب المندب، مما يربك المشهد الإقليمي والمصري إزاء أمن وسلامة الملاحة في جنوب البحر الأحمر.
ومضيق باب المندب يعد أحد الممرات المائية العالمية ، حيث يصل بحر العرب بخليج عدن ، كما يمثل المدخل الجنوبي لقناة السويس، ويتسع عرضه إلى 30 كم ، وتحده جزيرة بريم اليمنية من الشرق ، وجيبوتي من الغرب، كما تمر منه كل عام 25 ألف سفينة تمثل 7% من الملاحة العالمية، وتزيد أهميته بسبب ارتباطه بقناة السويس وممر مضيق هرمز.
ولم يلتفت العالم لأهمية هذا المضيف قبيل العام 1869 والذي ظهر جليا مكانه العالمية مع افتتاح قناة السويس والتي تم الربط بين البحر الأحمر وما يليه بالبحر المتوسط وعالمه، ليُمثل المضيق ممرا عالميا يربط الشرق بالغرب والجنوب بالشمال ويصبح محورًا استراتيجياً.
ومنذ ذلك الحين وإيران تسعى بكل قوتها للسيطرة علي هذا المضيق لتخنق من تريد بأساليبها المعروفة خاصة مع تضيق الخناق حول سفن النفط الخليجية التي تمر يوميا عبر باب المندب ، فشجعت الحوثين للسيطرة على المضيق من خلال السيطرة على مدينة المخاء الساحلية والتي تبعد 60 ك شرق المضيق ، لتصبح لها مكاناً ودوراً في اللعبة العالمية ، رغم ان المضيق هو حق أصيل لدولة اليمن التي خارت قواها في الآونة الخيرة بسبب السياسة الإيرانية وتشجيعها للحوثين للدخول في معارك تحت مظلة عالمية وتشجيع دولي خفي .
ولكي تكتمل الصورة ، فلم تكن أطماع إيران وحدها في مضيق باب المندب ، حيث عمدت القوى الكبرى ومنذ سنوات طويلة علي التواجد هناك من خلال إقامة العديد من القواعد العسكرية لتكون قريبة من قلب الأحداث ، فوجدنا الولايات المتحدة تمتلك قاعدة في جيبوتي على الضفة الغربية لمضيق باب المندب، وكذلك فرنسا تمتلك حضوراً عسكريا قديما في جيبوتي ، إضافة على التدخلات الدولية من خلال الأمم المتحدة التي سعت لتنظيم موضوع الممرات المائية الدولية لتُدخل اتفاقية ” جامايكا” حيز التنفيذ نوفمبر 1994.
ولإيران كما قلنا مصالح كبرى في التواجد بمضيق باب المندب ، فهي لا تريد السيطرة علي المضيف فحسب ، بل تريد خنق العرب من خلال سيطرتها العسكرية والأمنية علي المضيق عبر يدها العسكرية المسماة بالحوثيين ، فدائما ما تجد مناورات عسكرية إيرانية في مضيق باب المندب، وهي بذلك تعطي رسالة لكل جيرانها أنها قوة اقليمية عظمى ولها طموح في المضيق وتسعى للتحكم بالملاحة في هذا المضيق الحيوي الذي يمر به أكثر من 18 مليون برميل نفط يوميا، اي اكثر من نصف انتاج منظمة “أوبك”.
ولم يكن قيام ايران بعمل مثل هذه المناورات الضخمة من قبيل الصدفة البحتة أو لرغبتها في بسط نفوذها العسكري فحسب ، وإنما كانت توجه رسالة قوية الى العرب واسرائيل وامريكا بأنها القوة الاعظم في المنطقة ، وأن علي أمريكا احترامها والتعامل معها بالندية ، وأن الدول المجاورة عليهم احترامها وتقديم فروض الطاعة والولاء لها ، لان مناطقهم الاستراتيجية في مرمى نيرانها ، ورغم كل التحذيرات التي تم إطلاقها منذ فترة لبعض الحكومات الخليجية فإن الأمر لا يعدو كونه أصواتاً فقط أفعال ، لكن الأفعال الحقيقية تجدها في التقارب الخفي بين الحكومة الأمريكية إبان فترة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع ساسة طهران ، ثم الحقيقة التي لا تخطئها أي عين وهي ان ايران لم تطلق رصاصة واحدة علي إسرائيل رغم مزاعمها بمسحها من الخريطة الدولية وهو ما يؤكد علي وجود اتصالات بينهم في الخفاء .
والفترة الأخيرة أيقنت بعض الحكومات العربية وفهمت الرسالة الإيرانية فبدأت تجس النبض نحو إقامة علاقات وتقارباً سرياً مع طهران من أجل تحييدها علي الأقل لحين الاستعداد لمواجهتها بشكل أقرب إلى الهروب ، ولكنه هروب من الرمضاء الى النار.
فإيران الشيعية تمكنت خلال الأعوام الماضية من بناء وتطوير قدراتها العسكرية وبناء ترسانة قوية في مختلف قطاعات الاسلحة، إضافة إلى الاستمرار في بناء برنامجها النووي الطموح بالجهود الذاتية رغم معارضة الامريكان لهذه التحركات إلا أنها لم تبال برأيهم وأصبحت الان علي بعد خطوات من الدخول إلى النادي النووي .. فماذا يتبق علي باب المندب واين العرب من هذه المعادلة العسكرية؟
بنظرة عادية نرى ان الدول العربية غارقة في همومها الشخصية ومعركها الداخلية التي لا تُسمن أو تغني من جوع … تنشر مقالات لمهاجمة إيران بالكتابة فقط، وتحاربهم بالبرامج المتلفزة عبر الفضائيات، أما الشيعة أنفسهم فقد أصبحوا على مقربة من تحويل أحلامنا إلى كوابيس فماذا نحن فاعلون؟