تحريات المباحث: الشقق المفروشة وراء 85% من جرائم الإرهاب
تحقيق – محمد السيد
الشقق المفروشة ثغرة أمنية، استغلها بعض مُلاكها أسوأ استغلال، ليسطر لها تاريخ من الفضائح، بدأت بأعمال الدعارة، ووصلت إلي المساعدة في أعمال الإرهاب، وأصبحت العامل الرئيسي في طعن أمن الوطن في كبده، ولا نعلم أي شر سيأتي من خلفها لاحقًا، بعد أن تركها أصحابها في أيدي سماسرة الإيجار، وحارسي العقارات لتؤجّر لمن يدفع أكثر، أو من يرخي يده عليهم بالعمولات.
كانت تؤجر لمدة لا تقل عن سنة، وبعد ذلك 6 أشهر، وبعدها لشهر، حتى وصل الأمر لإمكانية إيجار شقة مفروشة لمدة يوم واحد، ولم تقف المهزلة عند هذا الحد، فوصل الأمر لاقتطاع حجرة ودورة مياة من شقة، وإنشاء باب دخول وخروج خاص بهما، تحت مسمى «شقة استوديو»، تؤجر بالساعة لأي شخصٍ كان، مقابل مبلغ مالي مرتفع.
أصبحت الشقق المفروشة الحلقة الفارغة في سلسلة العمليات الإرهابية منذ ثورة 30 من يونيو سنة 2013، فقد تحولت لأوكار لتجهيز معدات التفجير قبل أنقضاضهم على ضحيتهم.
خاضت «البيان» تجربة البحث عن شقة مفروشة، لنجد أنها متاحة لأي شخص، والأمور “سداح مداح”.
«المعايشة»
في منطقة السيدة زينب، والتي وصل فيها ثمن إيجار الشقة لأسعار جنونية، بداية من 6 آلاف جنيه، وحتى 15 ألف، فبرغم ذلك فكانت معظم الشقق ساكنة، بدأنا بالذهاب لإحدى سمسارة المنطقة، وهي سيدة تدعى «أم سعيد» فكانت تعتمد في عملها على حارسي العقارات، من خلال إبلاغهم لها في حال خلو أي شقة في العقار، وبعد ذلك اصطحبتنا لعدة شقق، في البداية أعطت لنا مواصفات خيالية.
وبمجرد الوصول وجدنا شقق متهالكة، والمفروش منها أثاثه مهلهل، ثم يدور الحديث بيننا وبينها بأن الشقق سيئة، ولا تستحق هذا المبلغ، فيقطع الحديث حارس العقار، والذي يوضح لنا ضرورة الموافقة على واحدة من بينهم، بل ودفع عمولة له، مُقابل إخبار صاحب الشقة أن المستأجر فرد وأسرته، وليس شخص بمفرده، إلا أننا صممنا على الرفض.
مؤكدين أننا نُريد مشاهدة أماكن أخرى، وبالفعل أرشدنا عن شقق جديدة، لنلتقي بحارس العمارة الموجودة بها على بداية الشارع في انتظارنا، وبمجرد علمنا أنها موجودة في “بيت أهالي” رفضناها قبل أن نراها ولم نكمل حتى الطريقة إليها، فأوضح الحارس أنها صحيح في بيت أهالي لكن لنا حرية التصرف في الدخول والخروج، واصطحاب أشخاص، وقال بالنص، «لو معاك صاحبتك، أو شنطة فيها شوية حاجات، لا حد هيسألك فيها أيه، ولا هيسأل صاحبتك طالعة فين».
ذهبنا ورأينا الشقة، وكانت بحالة جيدة، ووافقنا عليها، فهاتف الحارس صاحبها وأخبره أن المستأجر «طالب جامعي»، وسيأتي لزيارته أقاربه وزملائه، إلا أنه لم يهتم وسأله هل وافق على ثمن الإيجار؟، فأكد له أننا بالفعل اتفقنا على كل شيء، حتى عمولة السمسار، و«حلاوة» الحارس، بدأنا كتابة العقد بواسطة الحارس، والذي أوضح لنا أننا عقب الانتهاء من جميع البنود، سوف يأتي صاحب الشقة للتوقيع النهائي، واستلام النقود قيمة التأمين، وإيجار شهر مقدم.
«الجولة الثانية».. كانت في منطقة الدقي بالمهندسين، وعلمنا بعد ذلك أن السمسار مُلقب هو ومنطقة العجوزة بالخليج، نظرًا لكثرة تردد الوافدين من دول الخليج على هذين المنطقتين، واستئجار الشقق فيهما بأسعار فلكية.
في البداية تم التواصل مع سمسار من خلال موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، فأخبرنا بأنه لديه العديد من الشقق، بمختلف الأسعار والمساحات، وعند وصولنا سمعنا أسعار فلكية، وأوضح لنا أن السبب وراء ذلك، هو استئجار الوافدين من خارج مصر لتلك الشقق، خاصةً إيجار اليوم الواحد، ظللنا طيلة اليوم ننتقل من شقة لأخرى.
الغريب أن معظمهم ممن يُطلق عليه «استوديو»، والأصل فيها أنها شقة صغيرة، مكونة من غرفة واحدة، وصالة، ودورة مياة ومطبخ، ولكن ما شاهدناه على أرض الواقع هي عبارة عن غرفة مُقتطعة من شقة، وبها دورة مياه، ويتراوح سعر إيجارها بين الـ 500 جنيه، وألف جنيه لليوم الواحد، وبين 250 جنيه، و500 خلال الـ12 ساعة، و ما بين الـ 5 آلاف جنيه، و10آلاف جنيه شهريًا، كما أن بعضها يؤجر بالدولار.
الكارثة الأكبر التي علمنا بها، عندما ألتقينا بـ«البواب»، فأخبرنا أن التأجير المفروض يتم بصورة بطاقة الرقم القومي، أو جواز السفر، وبسبب كثرة الوافدين فلا يتم تحرير عقد من الأساس، خاصةً في الإيجار بالساعة، وعندما أخبرناه أننا لن نبقى متواجدين في الشقة طوال أيام الأسبوع، عرض علينا نظام الإيجار بالساعة قائلًا، «لما تحب تيجي ترتاح ساعة ولا اثنين هفتحلك شقة أنت واللي معاك وأخد عمولتي بعيدًا عن المالك وبلا أي إثبات شخصية»، وهكذا استمر الحوار بيننا وبينه، حتى تأكدنا أن شقق الإيجار الموجودة، يمكن استخدامها بأي شكل من أجل الربح، بعمل مُلاكيها أو بدون علمهم.
«الجولة الثالثة».. كانت في منطقة الجيزة، وهي الأخرى تمت من خلال التواصل عبر الهاتف، مع سمسار بالقرب من محطة مترو الجامعة، وأخبرنا بمكان الشقة، وطلب منا الانتظار بجوارها، إلى أن يأتي هو وصاحبها حتى نشاهدها ونقرر، مرّ قرابة الساعة، ثم أتى يستقل سيارة بها 4 أشخاص بخلاف سائقها، ويتبعها سيارة ملاكي بدون لوحات معدنية، ودار بيننا حوار إلي أن وصلنا إلي العقار المكون من عدة طوابق.
صعدنا إلي الشقة، ويبدوا أننا وقعنا في فخ من أجل سرقتنا، إن لم يصل الأمر لتخديرنا وسرقة أعضاءنا، وإن لم نكن قد قسمنا أنفسنا لمجموعتين، الأول صعد، والتالي كان يراقب، وعندما شككنا بالأمر، بدأنا بالتحرك لا ندري أي خطر كنا سنواجه، وبالفعل تم تغيير السيناريو المُعد له من قبلهم، واتجهنا لأسفل، موضحين لهم أننا سنأخذ قسطًا من الوقت ثم نقرر، إلا أنهم مارسوا جميع أنواع الضغط علينا لأخذ أي مبلغ مالي عربون تحت مسمى «ربط كلام عشان منفرجش حد تاني على الشقة».
استقلينا سيارتنا وذهبنا معهم إلى مقر مكتبهم، لنجدها شقة متهالكة ومجهولة، في منزل قديم بالدور الأرضي، بلا أي لافته تدل على وجود مكتب تسويق عقارات، ولا يوجد بها عاملين بخلاف الـ 4أشخاص والسائق، واتفقنا على كتابة عقد ابتدائي في مقابل دفع عربون ألأف جنيه، وإيصال أمانة بالملبغ لضمان حقنا، بالفعل بدأ السمسار كتابة العقد، والطبيعي أنه يكون أشبه بالقسيمة يحتوي على كل التفاصيل سواء الموجودة بالشقة أو بنود التعاقد،
إلا أن ما قام به هو إحضار ورقة بيضاء، بلا معالم ليدون بها عقد إيجار شقة بمنطقة كذا ليوم كذا، وكذلك إيصال الأمانة، والذي حُرر بطريقة بلهاء، فقام بسؤال «المحرر» عن اسمه، وصاحب الشقة عن أسمه، وطلب من كلٍ منا التوقيع على العقد، دون إثبات البطاقات، أو أي إجراء قانوني، وعندما ششكنا في صحة العقد قال «كنت لسه هقوله هات البطاقة عشان أكتب رقمها»، ليرد عليه صاحب الملك، «البطاقة ليست معي نسيتها».
ورغم انفعالنا عليهم لطريقة النصب الواضحة التي يتعاملون بها، وكيف لصاحب مكتب عقارات، وسيط في عمليات بيع وشراء واستئجار، لا يعرف أصول المهنة هكذا؟، يرد قائلًا «أنت خايف من أيه ده هو ألف جنيه مش مبلغ»، ولكننا رفضنا دفع مليمًا واحدًا، وتشاجرنا معهم وتركنا المكان بصعوبة بالغة، لنعلم بعد ذلك من بعض سُكان المنطقة أنهم مجموعة من البلطجية، يستدرجون الزبائن تحت مسمى مكتب عقاري للنصب عليهم.
بالتعاون مع حارسي العقارات، بحيث يُسهّل لهم فتح الشقق الخالية من السُكان، لخداع الزبائن واستكمال جريمتهم، ولم يقتصر الأمر على ذلك، إلا أنها تُفتح أيضًا بمعرفتهم لأي شخص بمقابل مادي دون علم مُلاكها، ومن هنا يتضح دور هذه الشقق المفروشة في عمليات الإرهاب الأخيرة، وكيف سهل حارسي العقارات المهمة للإرهاب عن طريق فتح الشقق دون إثبات هوية، أو تحرير عقد، ولكن في مقابل دفع الأموال، ليراقبوا ضحيتهم ويجهزوا أدوات عملياتهم الدنيئة.
«تحريات المباحث»
أكدت تحريات المباحث، أن 85% من جرائم الإرهاب، تتم باستغلال الشقق المفروشة، لمراقبة الضحايا قبل عمليات الخسة، التي يقومون بها، وأبرزها جريمة الاعتداء على كمين أمني بالهرم، بالإضافة إلى الضربات الاستباقية التي قامت بها وزارة الداخلية، كالقبض على محمد كمال – القيادي الإخواني في شقة مفروشة بـ 6أكتوبر، والقبض على خلية إرهابية في محيط قسم ثانِ المنصورة، والتي كانت تخطط لتفجير القسم والمركز، ناهيك عن كمية المتفجرات، وأجهزة التصنت والمراقبة، والنقود التي يتم تحريزها أثناء مداهمة تلك الأوكار.
«خبراء القانون»
من جانبه قال د.محمد نبهان – خبير قانوني – إن المشكلة ليست قانونية بقدر ما هي أمنية، ولا بد من سن تشريع يمنع حارسي العقارات من التعامل مع المستأجر، أو التصرف في شأن الشقق الخالية بأي شكل، وما يقوم به هو توصيل المستأجر بصاحب الملك، سواء بتحديد موعد للمقابلة، أو عبر الهاتف، مشيرًا إلي أنه من الضروري إلغاء ما يُسمى بالإيجار اليومي، على أن يتم الإيجار بشكل قانوني، من خلال تحرير العقد وإبلاغ قسم الشرطة التابعة له، وإعطائهم نسخة منه، وشدد على ضرورة عدم ترك مفاتيح الشقق لحراسي العقارات أو السماسرة، ومن يخالف ذلك يُعاقب وفقًا لقانون الإرهاب.
«خبراء الأمن»
أوضح العقيد أحمد صبري – خبير مكافحة الإرهاب – أن وزارة الداخلية تبذل قصارى جهدها لمواجة الخارجين علي القانون بشتى السبل القانونية الموجودة، مشيرًا إلي أنهم يثوموا بتوجيه ضربات استباقية موجعة من أجل بتر الإرهاب، واستغلال هؤلاء الإرهابيون الشقق المفروشة للاختباء بها فهي مشكلة مجتمعية قبل أن تكون أمنية.
وأضاف أن القضاء عليها لا يمكن أن يتم إلا من خلال التعاون المجتمعي، كما أن عشوائيتها تزداد في المناطق الريفية، والقري، أو المناطق شديدة الزحام، التي يصعب على قاطنيها تمييز الأشخاص الجُدد، وأشهرها منطقة فيصل والهرم، وطالب من الأهالي سرعة الإبلاغ في حين رؤية أي شخص دخيل على منطقتهم، منوهًا بأن ضباط المباحث بالأقسام، يقومون بعمل التحريات فور وصول البلاغ، دون ذكر اسم صاحبه لضمان حمايته.
أما اللواء فؤاد يعقوب – خبير مكافحة الإرهاب الدولي – فأكد أن مشكلة استخدام الشقق المفروشة في العمليات الإرهابية، يرجع لترك مُلاكها شأنها لحراسي العقارات، وقد يكون مالكها مسافر خارج مصر، كما أن جشع وقلة ضمير بعض حارسي العقارات وأحيانًا جهلهم وخوفهم من الإرهابيين، مشيرًا إلي أنه ليتم القضاء علي هذه الظاهرة لا بد من اشتراك الأهالي مع وزارة الداخلية، عن طريق سرعة إبلاغها في حين شكهم بأحد الأشخاص، وإبلاغ صاحب العقار القسم التابع له عدد الشقق الموجودة لديه وكم عدد الخالية والساكنة.
إضافة إلى بيانات السُكان بشكل دوري، ونوه بأن كل قسم شرطة يقوم بعمل اجتماع أسبوعي بحارسي العقارات يعطي لهم التوجهيات ويرفع مستوى الوعي لديهم بخطورة الإرهاب وعدم التساهل في عملية الإيجار مع أي شخص، علاوة إحضار صورة من عقد الشقة وصورة بطاقة الرقم القومي المستأجر إلى القسم، وإن أمكن يُفضل تحرير العقد داخل القسم ذاته، وشدد على العقوبة التي حددها قانون الإرهاب حول مساعدة الأشخاص لهؤلاء الإرهابيون في عملياتهم الخسيسة، أو مخالفة التعليمات.