Site icon جريدة البيان

الرائد خالد أبو بكر يكتب..”أوهام العفو.. والسقوط الإعلامي”

أنت في غنى عن أن أكرر لك ماتعلمه بالضرورة، من حيث أن الإعلام قديمًا وحديثًا هو أعتى الأسلحة التي تساند الدولة أو تهدمها، وخاصة فيما عُرِف في زماننا هذا باسم حروب الجيل الخامس، وهو ما يتمثل في الشائعات الإعلامية وصناعة الأخبار وتلوين الأحداث، بحيث يجعلك تتفجر داخليًا دون استخدام رصاصة واحدة، وخذ مثالاً لذلك مافعلته ولا تزال تفعله القناة العميلة ” الجزيرة” وأجندتها الصهيوماسونية في تفتيت الأوطان وخلخلة البنى الاجتماعية والسياسية بطريقة “اكذب اكذب حتى تصدق نفسك” ، غير أن أخطر أنواع الإعلام ليس فقط ما يأتيك من خارج وتبثه منصات الأعداء وأصحاب الأغراض، بل أيضًا الأكثر خطورة، هو ماتبثه أنت من داخلك ومن خلال مؤسساتك الإعلامية دونما وعي بما سيتركه هذا الخبر أو ذلك التقرير من انطباع، بل آثار وعواقب وخيمة على بني شعبك وسياسة وطنك.

 

 

وأنت في هذه الحالة واحدٌ من ثلاثة؛ لعلك مثل الدبة التي قتلت صاحبها بحجة هش الذبابة من فوق وجهه، أو لعل لك غرض ما، أو أنك جاهل بالرسالة الإعلامية، وعليك أن تراجع نفسك، وقبل كل ذلك، على الأجهزة المسئولة أن تراجعك وتعيد إليك توازنك، وترد عليك جهالتك، إما بإجراءات قانونية أو تعليمك من جديد، ومن ثم يأتي دور الأجهزة الإعلامية الوطنية لتوضح على لسان الحكومة ما تسببت فيه من لغط وبلبلة.

 

 

 

ومثال ذلك ما نشرتة إحدى المواقع المصرية الشهيرة دون ذكر اسماء ونشر بيانات المفرج عنهم بعفو رئاسي في السابع عشر من مايو الجاري؛ إذ نشر الموقع خبرًا مثيرًا بدءًا من عنوانه، ما أن تقع عيناك عليه حتى يفور الدم في عروقك ويغلي في أعلى رأسك، وأنت لا تملك إلا الصراخ داخل نفسك: لمصلحة من هذا؟ ولماذا يتم النشر بهذه الصياغة؟ التي تخدعك بمافيها من تفاصيل وما ظنه كاتبه أنها معلومات، دونما يدري أن مجرد كلمة واحدة بل حرف واحد مثل “و” بدلاً من “أو” حتمًا سيغير المعني تمامًا!

 

ولوضع الأمر في نصابه الحقيقي أعيد عليكم ما تم نشره “كوبي باست من الموقع ذاته”، ومن ثم مناقشته وتبيان ما تم إهماله في توضيح الأمر ما كان سيمتنع معه أي لبس أو فوران دم:

( العفو الرئاسي عن 18 مدانا في قضايا مذبحة كرداسة والاقتحام
الجمعة 17/5/2019 الساعة 1:14 مساء- جريدة الأسبوع

أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا رقم 232 بالإعفاء عن العقوبة الأصلية أو ما تبقي منها وعن العقوبة التبعية المحكوم بها علي 560 من المحكوم عليهم، وجاء بين المفرج عنهم أسماء 18 من المدانين في قضايا ‘مذبحة كرداسة’ و’اقتحام مركز كرداسة’ و’حرق كنيسة كفر حكيم بكرداسة..) إلى آخر الخبر المنشور بالموقع.

 

 

معك حق بالطبع، أن تنزعج، بل وتصاب بحالة من حرق الدم، وأنت تقرأ هذا وتتساءل: ألهذا الحد هانت دماء المصريين من شهداء الشرطة والمدنيين، حتى يتم العفو عن هؤلاء المحكومين بالسجن لقاء إدانتهم؟! وإدانتهم في جريمة جنائية عادية؟ أو جنحة سرقة بسيطة؟! لا للأسف كما يقول الخبر فهم مدانون في “مذبحة كرداسة” كما نص الخبر وعنوانه!.

 

 

ولكن بعد أن تهدأ ولا بد أن تهدأ، حتى تتبين ماغاب عنك وعن كاتب الخبر والموقع، وعليك أن تستعيد ذاكرتك أو تبحث عن أصول الأحداث، لتعرف أن هذه المنطقة؛ وأعني بها منطقة كرداسة شهدت العديد من الأحداث الكبرى، مابين سرقات ونهب وقطع طرق واعتداء على رجال الشرطة، خاصة في أعوام 2011 و2012 و2013 و2014، ولعلك تعرف ان أي قضية من هذا النوع يكون بها عدة أطراف، فهناك محبوسون مخربون بالفعل قاموا بالتظاهر لأجل هذا الغرض، وهناك محبوسون كانوا مجرد مشاركين في هذه التظاهرات إما تعاطفًا، أو وجدوا في موقع الحدث مصادفةً، وهناك أيضًا من كان يقوم بالتصوير بموبايله، وغير ذلك.

 

 

هذا في التظاهرات العادية، أما في الجرائم التي لوثت الأيدي الجناة الإرهابيين المدانين الدماء الطاهرة للشهداء الأبرار من رجال الشرطة والمدنيين، هناك أيضًا بجانبهم كما حدث في القضية الشهير بتسمية “مذبحة كرداسة” التي قتل فيها الإخوان الإرهابيين عدة ضباط وجنود من قسم كرداسة بل ومثلوا بجثامينهم الطاهرة، ومنهم من سقى جندي مصاب “مية النار” أي حمض الكبريتيك المركز بدلاً من شربة المياه التي طلبها من ذلك الشخص! ظنا منه أنه بشر سيغيث مصابًا أو يبل ريقه وهو ينازع الموت شهيدًا دفاعًا عن مقر عمله ووطنه وأهله.

 

ولأنك تعلم ولا بد أنك تعرف، أنه لا عفو رئاسي، ولا يجوز في جرائم الإرهاب، خاصة من قتل أو ساعد أو حرض على القتل أو خرّب منشآت الدولة أو المواطنين، ولوافترضنا صدق المعلومات الواردة بالخبر السابق ذكره، فمن الجائز أن تكون إحدى قضايا التي تخص منطقة كرداسة، وحتى لو كانت تخص مذبحة كرداسة الشهيرة، فإنه من رابع المستحيلات أن يكون من تم الإفراج عنهم من هؤلاء القتلة او ممن ساعدوهم على ذلك، بل هم بالأساس من المتهمين من الدرجة العاشرة، كما أسلفنا، منهم من شارك بالفرجة او التظاهر، أو ادين بالتقاعس عن الإنقاذ المصابين مثلا، أو كان يمارس هوايته في تصوير الحدث، او حتى من أجبروا ترهيبًا مثل هذا صاحب الموتوسيكل الذي ركب خلفه عنوة أحد الإرهابيين وهو يحمل مدفع “الآر بي جيه” في الفيديوهات التي تخص مذبحة كرداسة وهو ما حوته اعترافات المتهمين في محاضر التحقيق.

 

 

وأكرر من رابع المستحيلات أن يصدر الرئيس السيسي الذي نثق فيه كثيرًا مثل هذا العفو عن قتلة تمت إدانتهم بقتل أبنائنا، كذلك من رابع المستحيلات، أن وزارة الداخلية وهي المنوطة بجمع المعلومات والتحريات عمن شاركوا في هذه الأحداث، وخاصة الأسماء التي يتم ترشيحها لتنال عفوًا من رئيس الجمهورية، هذه الوزارة التي حمل رجالها ومازالوا يحملون أرواحهم على أكفهم فداءً للوطن، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تهدر دماء رجالها وتتسبب في قتل أهاليهم حزنًا للمرة الثانية بالإفراج عن قاتليهم، لدينا يا سادة أجهزة أمنية تعي ما تفعله، ولا شيء يتم عبثًا أو جبرًا لخاطر هذا او ذاك!

 

قليلٌ من العقل ياسادة، وقليل من إدراك ما نفعل بجهل أو بحسن نية، فالطريق إلى جهنم مفروش بحسن النوايا.

Exit mobile version