يختلف في أيه الكمساري ده عن العامل اللي نام في العسل، ولم يراجع أعمدة الكهرباء قبل الشتاء، فمات من مات من الأبرياء من أطفال ورجال وحيوانات؟!!!…
ما الفارق بين هذا الكمساري وبين من رأيتهم بعيني في مصانع بير السلم ينتجون سلع غذائية تعف الحيوانات عن الاقتراب منها أو شمها، والفيديوهات موجودة على اليوتيوب شاهدة ومخجلة….
ما الفارق بين هذا الكمساري وبين وبين وبين…
لقد تم تجريف الإنسان المصري خلال العقود الغابرة من كامل إنسانيته (الا من رحم ربي طبعا)، ولهذا لا تعجب من غياب الضمير والإخلاص في العمل والإنتاج…كله بيطسلق…باللغة العامية، مشي حالك….ولهذا حالنا في كل شيء لا يخفى على أحد.
لقد ذكرني كمساري اليوم بكمساري طفولتي وشبابي، عندما سافرت لسنوات بالقطار من قريتي كفر غنام لأدرس الثانوية العامة بمدرسة أحمد لطفي السيد بالسنبلاوين، ثم الجامعة بالمنصورة، كنت أمشي حافيا (قبل آذان الفجر) في طين وظلام الشتاء لمسافة ٢ كيلو، من بيتنا بالقرية لأصل لمحطة القطار (هيكل باشا) ثم أغتسل وارتدي حذائي المتماسك خجلا وتخفيفا!
ولضيق ذات اليد، كنت أحيانا، ومثلي كثيرون، أراوغ الكمساري، ففي كثير من الأيام، لم تكن لدينا النقود، وكنت أشفق على أمي، فالوالد كان متوفي، ولهذا كنت أراقب الكمساري، وأغير العربة في المحطة التالية، تجنبا لملاقاة أو سؤال الكمساري لي عن التذكرة!! وفي إحدى المرات، وبسبب عدم تجديد كارنيه القطار، سلمني أحدهم لمسئول محطة السنبلاوين، الذي كان رؤوفا وكريما.
ففي كثير من الأحيان، كنت على يقين برؤية الكمساري لي، بل حفظه لوجهي، ولكني كنت على يقين بأنه بتجاهل المناداة علي أو الجري خلفي لإجباري على دفع الغرامة…كان فيه إنسان يستطيع أن يميز المكسور من المتلاعب!…نعم كان فيه إنسان.
فقد كانوا في قمة الذكاء، شأنهم شأن جيراننا زمان، عندما كانوا يستشعرون أناتنا وآلامنا دون وقبل أن نشتكي…نعم عشنا تلك الأيام، عندما كانت لدينا رفاهية الإنسانية!!!
ولهذا، وكما أكرر دائما، لقد تم تجريف الإنسان المصري من كافة قيمة العظيمة، إلا من رحم ربي، ما علاقة وزير النقل بهذا الخطأ، الذي يعني غياب تام للإنسانية لدى الكثيرين منا، بعد أن انتزع الله الرحمة من قلوب الكثيرين منا.
بالقطع كلامي أعلاه لم أقصد به تبرير خطأ من مخطيء متلاعب، او استباق الأحداث، فأنا رجل قانون والمخطيء يحاسب، ولكني على يقين تام بأن “جل” من يتجنبون دفع التذكرة هم من عينتي أثناء طفولتي وشبابي، والا لما ركبنا القطار محشورين…أمثال هؤلاء- غالبا- يصارعون الفقر، فرفقا بالفقراء!!!
ألم أقل لحضراتكم أننا ورثنا تركة ثقيلة جدا جدا، فإصلاح الجماد ما أسهله وما أسرعه، ولكن ما أصعب استعادة الإنسان المصري…وفق الله المخلصين والشرفاء في مشروع استعادة الإنسان المصري….
التعليقات