تؤلمني كثيرا عبارات التحقير والدهس للمواطن المصري المدهوس أساسا، بتحميله المسئولية على الحلوة والمرة…وينتهي الحديث دائما بأن ننعت أنفسنا بأننا شعب غير واعي أو فوضوي، حتى يأتي -مثلا- نماذج من محدثي النعمة هنا او هناك ويتطاول على مصر وشعبها..!!!
السؤال الحاسم هنا، هل نحن شعب خلقه الله من طينة مختلفة عن الطينة التي خلق منها باقي شعوب الكوكب؟!
الإجابة بالقطع…لا…فنحن جميعا خلقنا من التراب دون أدنى تمييز.
إذا، يبقى السؤال، أين تكمن المشكلة؟! خاصة وأن المصري في أي بلد آخر يمشى ويتحرك كما الساعة، ولم يُعرف عنه أنه أشر شعوب الأرض…وأنا دارس جيد للمؤشرات العالمية، وأعي ما أقول!
يبقى السؤال…المشكلة فين أو في مين ؟! في الفاعل أم في المفعول؟! في الزارع أم في المزروع؟! في سائق الحافلة أم في الركاب؟!
باخلاص تام، تكمن المشكلة في سببين لاثالث لهما:
الأول: مشروع دهس ومحو هوية المواطن المصري وتغييبه على مدى عشرات السنين، شارك في هذه الجريمة النكراء كل من أوكلت إليهم مسئولية ومهمة محو الهوية المصرية، وتغييب المواطن المصري، من ساسة وسياسيين وإعلاميين وتربويين وجماعات…الخ.
كل هؤلاء عملوا وبإخلاص تام “لعشرات السنين” على تجريف الإنسان المصري من كافة عوامل تميزه التي ميزته على مدى مئات السنين…حتى الوطن نفسه (مصر)، الذي كان يتمتع بمزايا نسبية في سلع كالقطن. وغيره…خسرت مصر كل شيء…نعم كل شيء.
وكان الحصاد ما نراه، إنسان مطحون، مهموم مُرهَق، ومشغول باللهث خلف لقمة العيش يطارد سرابا، أو خلف -مثلا- أكذوبة تم ترويجها “كليات قمة وكليات قاع”، حتى يعمل ليل نهار وورديات ليصل بنجله لكلية القمة وعشرات الدرروس الخصوصية- مع تفريغ المدارس والمستشفيات، وإعلام مدمر قام بالواجب على اكمل وجه…والحصاد هذا “المتهم” أي الإنسان المصري!
الثاني: تغييب دولة القانون!
نعم… لعشرات السنين غابت دولة القانون، وسادت مفاهيم أخرى كالواسطة والمحسوبية، رأينا من بيده تطبيق القانون هو أول من يدهسه…حدث هذا؟! نعم حدث وساد وغطى أرض المحروسة…الخ.
مُواطن في مجتمع وبلد دُهِس فيه القانون، وانشغل فيه الساسة والاعلاميين (بمفهومهم الشامل من صحفيين وممثلين..الخ) بمشروع طمس هوية وطن ومواطن، ماذا تنتظر ان يكون حصاده؟!
للاسف نحن نحصد ما تم زرعه لعشرات السنين، وليست مسالة عيب في جيناتنا كمصريين…عيب.
دي الحكاية بكل بساطة، ولهذا لا تعجب عندما ترى الاستهتار في كل مكان رغم التحذيرات من خطر كورونا…ماذا تنتظر من محصول بهذه المواصفات؟!
قارن بين ما زرعه صانع نهضة سنغافورة لي كوان من بناء للإنسان حتى صارت واحدة من أفضل التجارب العالمية التي يشار لها بالبنان، وبين مشروع هدم المواطن المصري لعشرات السنين…وبعد هذا نأتي ونجلد المواطن…الرحمة يرحمكم الرحمن!
بالقطع لا أبرر أي تقصير أو خطأ يرتكبه مواطن، ولكن واجبنا وضع النقاط على الحروف…لنبدأ على أسس او من أرضية سليمة ولنصل للعلاج السليم…هل فيه خطأ في كلامي؟
مانراه الآن من استهتار وتجاهل وفوضى من الكثيرين (في حين عندما قالت الحكومة الصينية مثلا كله يلتزم، الكل التزم، فخرجوا سريعا من أزمتها!) هو حصاد هذين الأمرين؛ مشروع تجريف الانسان المصري وتغييب دولة العدل والقانون.
إذا، نحن أمام مهمة ثقيلة جدا أعاننا الله عليها، قياسا بأمم أخرى حلت عليها كورونا وهم متسلحون بكل شئ…نعم…بالعلم والوعي والمعرفة والثقافة ودولة القانون.
درس مهم ينبغي أن نتعلمه ونخرج به من هذه المحنة…الإنسان واستعادته ينبغي أن يكون مشروعنا القومي الأول؛ من خلال تعليم حقيقي ومنظومة قيم حقيقية واعلام وفن حقيقي، ورسالة دينية واعية ومعتدلة، مع إعلاء دولة القانون…بأن يصبح القانون كما الموت لايستثني أحدا…عندها سترى مُواطن ووطن مختلف…عندها سنرى جمال مصر وعظمة وعبقرية الإنسان المصري…حفظ الله مصر وطنا وشعبا.