د . على الحفناوى
يعلم معظم أبناء الجيل المعاصر لحرب أكتوبر 1973 الحدث العسكرى الذى كاد أن يؤدى إلى تحطم انتصار عبور الجيش المصرى لقناة السويس وتحطيم خط بارليف المنيع. ولا يخفى على أحد أن هذا الحدث هو قيام قوات إسرائيلية بقيادة “شارون” باختراق صفوف الجيش المصرى في احدى نقاط الجبهة والتي سميت بالثغرة، مما اضطر القيادة السياسية بقبول وقف اطلاق النار وبدء مفاوضات “الكيلو 101”.
ولكن لدينا في التاريخ المصرى الحديث ثغرة أخرى تمت في سبتمبر 1882 كانت نتيجتها احتلال مصر كلها لمدة 74 سنة انتهت في 18 يونيو 1956 بجلاء آخر جندي بريطاني من أرض
مصر. فما قصة هذه الثغرة الأولى؟
في 11 يوليو 1882، قام الأسطول البريطاني بقيادة الأميرال سيمون بإطلاق مدفعيته على مدينة الإسكندرية استعدادا لنزول قواته واحتلال مصر. ثم نزلت قواته برا بقيادة الجنرال أليسون باتجاه مدينة كفر الدوار، لكنها فوجئت بمقاومة شديدة في تلك الجبهة بشمال البلاد، بقيادة أحمد عرابى. وكانت هناك فرق مرابطة في عدة أماكن لصد الهجوم البريطاني، فكانت فرقة بقيادة عبد العال حلمى مرابطة في دمياط، وفرقة أخرى للمدفعية في رشيد، ووضعت معظم قوات الجيش المصرى بقيادة طلبة عصمت في كفر الدوار. ثم كانت قوات الخيالة مع أحمد عرابى بأسلحتهم التقليدية يهاجمون المعتدين كرا وفرا على كل المحاور. وبعد أن زادت خسائر القوات البريطانية، اضطر الجنرال أليسون إلى سحب قواته والهروب إلى سفن أسطول بلاده المرابط أمام الإسكندرية. وكان الخديوى توفيق قد لجأ أيضا للاختباء على ظهر سفينة قيادة الأسطول البريطاني، انتظارا لانتصار جيشهم والنجاح فى احتلال مصر والتخلص من عرابى ورجال ثورته العرابية.
بعد فشل الانجليز في دخول مصر من الإسكندرية، اتجه الأسطول البريطاني إلى بورسعيد لدخول البلاد من قناة السويس. هرع عرابى إلى القناة ببعض قواته لردم القناة منعا لدخول الأسطول البريطاني. ولكن رئيس شركة قناة السويس، السيد فرديناند ديليسبس، ذهب للقاء أحمد عرابى لإثنائه عن ردم القناة، مؤكدا له أن القناة تعتبر منطقة محايدة ولذلك سيمنع الأسطول العسكرى البريطاني من الدخول في مياه القناة. وكان وعد ديليسبس لعرابى واضحا ومؤكدا بالأيمان المغلظة. وهنا حدثت الخيانة والثغرة…
دخلت قوات الأسطول البريطاني بالرغم من وعود ديليسبس وبموافقته إلى مياه القناة، ونزلت القوات برا في الإسماعيلية في جوف الليل، وتحركت غربا إلى موقع معسكر الجيش المصرى في فجر يوم 13 سبتمبر 1882، ودارت معركة كانت أشبه بالفخ الذى وقع فيه عرابى وقواته، فانتصرت قوات الانجليز في تلك المعركة المفاجئة، بعد أن هيأ لهم ديليسبس ممرا آمنا للدخول من تلك الثغرة إلي قلب دفاعات جيش أحمد عرابى.
ثغرات ذاكرة التاريخ محت ثغرة ديليسبس كما ستمحى غدا ثغرة شارون!!!
فهل نقيم التماثيل لمن خانوا ومن حاربوا جيش مصر؟ فنضع تمثال لديليسبس في بورسعيد وتمثال لشارون في سيناء على ضفاف القناة؟
التعليقات