✍️ حسام الشريف
النيل يجري في شرايين كل مصري ومصرية، وهذا ليس مجرد كلام او شعارات نرفعها بل هي الحقيقة التي اثبتتها أحداث التاريخ علي مر العصور، فكلنا محصول أرض النيل فمهما ابتعدنا عن مصر، يجرفنا الشوق للعودة إلي بلادنا المحروسة، فالحضارات القديمة في مصر، لم تكن لتقوم وتزدهر لولا وجود النهر العظيم، فالنيل راسخ فينا رسوخ الاهرامات، إنها حتمية الوجود الاذلي التي اقسم عليها التاريخ القديم والحديث وبناة الحضارة الإنسانية منذ ان نشأت علي الأرض، كما أن من بديهيات العقل والموقع وجزور الحضارة أن الأمن القومي المصري يتضافر ويرتبط بقوة بالأمن السوداني ارتباط الروح بالجسد، فلا يمكن لكيان أن يقوم ويستمر بدون الآخر ونهر النيل هو أساس هذا الارتباط ومحور حياة البلدين، فالنيل حتمية مصيرية.
إن مستقبل الأوطان لا ينفصم حتما عن حاضر الشعوب وماضيها، ولعل ما يحدث الآن في مصر والسودان، علي كافة الأصعدة والمستويات الشعبية والرسمية يؤكد هذه الحقيقة التي لاتقبل الجدل او القسمة علي أثنين، فكل الدلائل والتوقعات والحقائق تقول انه في حالة حدوث آية أضرار في مصر أو السودان نتيجة نقص حصة اي من البلدين في مياه النيل سيؤثر حتما علي شعبي البلدين، فالثوابت القومية في كل المنطقة العربية تبدوا اوضح ما يكون في ترابط وتداخل مصالح شعبي وادي النيل علي طول المجري المائي عند اخر نقطة في جنوب السودان وحتي اخر نقطة في شمال مصر المحروسة، ومعروف أن مصر عبر زمنها الطويل ووجودها الحضاري السحيق امة تتحلي بالصبر والنفس الطويل لكنها لا تفرط في حقوقها مهما كلفها ذلك من غال ونفيس، فمصر لم تقف ابدا ضد حقوق جيرانها وتؤمن بحق الجميع في التقدم والتنمية والعيش في سلام وتحقيق الرفاهية، لكن دون أن تفرط في نقطة ماء واحدة من مياهها ولا في ذرة تراب ارضها، لكن البعض قد يفسر هذا الصبر المصري بطريق خاطئ فيملؤه الطمع وتأخذه الجرأة للافتئات علي حقوق مصر والرغبة في الوصول الي اطماعهم وهو ما ظهر في جرأة ورعونة الحكومة الإثيوبية التي تواصل دق طبول الحرب علي جبهات عدة لإخراج دولتي المصب مصر والسودان وتتهمها بالعداء لها ورغبتهما في تعطيل تقدمها وتنميتها.
وتعلن إثيوبيا، انها ماضية دون اكتراث في طريقها لبدأ المليء الثاني وحجز المياه عن مصر والسودان خلال الأسابيع القادمة دون الوصول لاتفاق او تفاهم مع أحد، وتعلن انها تتحدي العالم كله لتحقيق هذا الهدف وإنجاز هذه الخطوة التي تعد بمثابة إعلان حرب علي مصر والسودان، لانها تقوض كل الاتفاقات الدولية بشان حقوق دول المصب في مياة الأنهار وتكشف عن تنصل إثيوبيا من الاتفاقات التاريخية الموقعة بينها وبين مصر والسودان، التي تنظم كيفية تقاسم المياة وتنظيم عمليات إدارة النهر واقامةالسدود وغيرها، فالدولة الإثيوبية تحولت الي دولة مارقة لا تهتم بمخالفة القوانين الدولية ولايهمها عطش شعبي مصر والسودان، ما دامت تحقق مخططاتها العدائية والاجرامية بادعاءات واهية وغير مقنعة بأنها ستولد الطاقة الكهربية وتحقق التنمية لشعب إثيوبيا، وهي تقول ان ذلك هو حقها في التنمية، وفي ذات الوقت تتجاهل إثيوبيا حقوق شعبي مصر والسودان في الحياة انها تمنع حق الحياة عن شعبي وادي النيل في مصر والسودان، كي تعيش هي ونسيت إثيوبيا ان هناك اعلان مبادئ وقعت عليه مع مصر والسودان، عام 2015 يحرم علي آية دولة أن تتصرف بمفردها او تحاول فرض الأمر الواقع علي جيرانها، وربما يكون التحرك الاثيوبي الحالي بمثابة نقطة النهاية التي ستدفع مصر والسودان الي إتخاذ إجراءات صارمة ضد إثيوبيا ومنعها بكل الوسائل الممكنة من التعدي علي حقوقهما المائية وهي حقوق تاريخية لا يمكن لاحد التنازل عنها او المساومة عليها، فمصر ومعها السودان، قادرتان علي أن تدافعا عن حقوقهما وحياة شعبيهما بكل قوة، فلم تكن مصر يوما دولة معتدية او مغتصبة لحقوق الاخرين، الا ان هناك خطا احمرا لا يجب تجاوزة من جانب إثيوبيا كما اكد علي ذلك وأعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، من قناة السويس خلال شهر مارس الماضي، خاصة وان حصة مصر والسودان ،في مياة النيل تعد من ركائز الأمن القومي للبلدين في مصر والسودان.
واللافت للنظر أن الموقف الاثيوبي، صار محيرا حتي للخبراء والمراقبين الدوليين في ظل ما نراه من تعنت ومماطلة وتسويف، والعمل علي إفشال كل المفاوضات عن عمد وعدم الإعتراف بمقررات مفاوضات واشنطن والاتحاد الافريقي، ان إثيوبيا اعلنت مرارا وتكرارا أن المليء الثاني سيتم في موعدة ايا كانت النتائج ودون آية اتفاقيات مع أحد وامام هذا الإصرار الاثيوبي، والرفض لكل المبادرات والمقترحات للوصول لاتفاق قانوني ملزم للجميع حول ملئ وتشغيل السد خاصة، ونسيت إثيوبيا، أن نهر النيل ضمن الأنهار الدولية التي لاتخضع لسيادة دولة المصب ويتم تنظيم توزيع المياه في مثل هذه الأنهار وفق اتفاقيات دولية معترف بها من جانب الأمم المتحدة والدول والمنظمات الدولية، كما يحدد القانون الدولي إلتزامات الدول في التعامل مع مثل هذه الأنهار.
وفي الاجتماع الطاريء الذي عقد في الدوحة الثلاثاء الماضي، اطلع وزير الخارجية المصري سامح شكري، وزراء الخارجية العرب، عن تفاصيل وأخر تطورات الموقف الاثيوبي تجاه قضية سد النهضة، ولكي تضع مصر والسودان العالم أمام مسؤلياته تبذل الآن جهودا سياسية ودبلوماسية شاقة وصولا لحل هذه الأزمة، وكان ضمن نتائج التحرك الدبلوماسي المصري ان دعت مصر، الدول العربية ومجلس الامن للإنعقاد لبحث الازمة، وتبقي الإشارة الي أن مصر كما اكد وزير خارجيتها لم تحاول خلق عداء او اصطفاف ضد إثيوبيا في المحافل الدولية، بل دعت مصر الي إجتماع طارئ لعرض هذه القضية، قضية حقوق مصر والسودان المائية، وهي قضية عادلة، وقضية وجود وحياة بالنسبة للبلدين في في مصر والسودان، في محاولة أخيرة من جانب مصر والسودان لحث الاطراف الدولية والأمم المتحدة لالزام إثيوبيا بالتوقف عن اتخاذ آية اجراءات احادية الجانب لمليء السد دون اتفاق بين جميع الأطراف، ووضع اطار زمني محدد لعملية تفاوض تنتهي بالتوصل الي اتفاق عادل وشامل وملزم تحت رعاية الأمم المتحدة،والاتحاد الافريقي، وجامعة الدول العربية، وكافة الأطراف الدولية المهتمة بحفظ السلم والامن في منطقة الشرق الاوسط والعالم.
التعليقات