الخميس الموافق 06 - فبراير - 2025م

التثاقل إلى الأرض

التثاقل إلى الأرض

التثاقل إلى الأرض
بقلم : د. محمد أبو العلا
في سورة التوبة الآية (38) يلوم الله على المؤمنين تباطؤهم في تلبية الأمر، وأي أمرٍ أعظم من الجهاد بالنفس، لأن العبد سيخرج ليقاتل في سبيل الله من أجل إحدى الحسنيين” إمِّا النصر أو الشهادة”، وما النصرُ إلا من عند الله، أي أنه سيخرج ليجود بروحه، حريصاً على الموت، كما أوصى سيدنا أبو بكر الصديق سيدنا خالد بن الوليد قائلاً ” فر من الشرف يتبعك الشرف، واحرص على الموت توهب لك الحياة “، فإن عاد منتتصراً، فهي رحمة الله لهم، لأن أساس الخروج عدم انتظار العودة بالروح والجسد ثانيةً، أساس الخروج في سبيل الله الحرص على النصر، لكن إدراكه بيد الحق المبين، فإن رجع بنفسه كانت رحمة من الله، وإن عاد منتصراً كان فضلاً منه، وذلك لأن النفس ليست ملكاً إلا لخالقها، وقد أمرك أن تخرج، وأن تجاهد بها، فكان ذلك من فضائل الأعمال، والآيةُ الكريمة تُعالج الجانب النفسي الذي لا يعلمه إلا الله وحده، جانب التثاقل والتباطؤ في تلبية الأوامر، لأن الله تعالى ورسوله يدعونا إلى ما يُحيينا، حتى وإن كان الموت ينتظرنا ظاهرياً، حيث قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (38) إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(39).
الجانب النفسي في الآية يبين تمام علم الله بالأنفس البشرية، وبتأخرها عن الخروج للجهاد في سبيل الله، لأنها ربما لا تعود ثانيةً، لكنه تعالى شأنه يُكلمهم بأسلوب التأنيب “أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة؟” وهو سؤالٌ واقعي، أما إجابته فكانت منطقية؛ حيث برهن الله لهم انتهاء الأجل في أي وقتٍ، و بأي صورة قائلاً “فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ”؛ فالمُتعُ وإن طالت فهي إلى زوال، لأن الآخرة خيرٌ وأبقى، وأيضاً متاع الدنيا قليل، لأن عُمر الآخرة أطول من الدنيا، ومع ذلك لم يتركهم الحق هكذا، وإنما توعدهم بالعذاب الأليم، وبأن يستبدل قوماً غيرهم “إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(39)”. ومع كل ماتقدم لم يترك لهم الحبل على الغارب، وإنما توعدهم أن يستبدل غيرهم، وأن يعذبهم عذاباً شديداً، وهو أمرٌ يتفق مع مبدأ الربوبية وتمام العبودية، فعلى العبد أن يكون مُطيعاً لسيده في كل أوامره، أن يُلبي في كل وقتٍ يطلبه ، فما بال من يتأخر عن الصلاة، أو الصيام، ويتثاقل إلى الأرض، ويسوق المبررات نفسها، أن الجو شديد الحرارة، وبالطبع سيكون رد الحق عليهم” قُل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون”. نتثاقل عن الصلاة وشتان الفارق بين أن نذهب إليه مطمئنين، وبين أن نُؤمر بالخروج إلى الجهاد مكرهين،”كتب عليكم القتالُ وهو كرهٌ لكم” ومع ذلك لابد أن تلبي أوامر الحق.
فاللهم اجعلنا ممن لا يتثاقل إلى الأرض في إطاعة أوامرك، ومن السباقين إلى مرضاتك يارب العالمين.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79638857
تصميم وتطوير