السبت الموافق 12 - أبريل - 2025م

” البيان ” تكشف المسكوت عنه بأزمة سدالنهضة وتجيب علي السؤال الصعب … هل تشعل أزمة سدالنهضة الحرب العالمية الثالثة ” للمياه “

” البيان ” تكشف المسكوت عنه بأزمة سدالنهضة وتجيب علي السؤال الصعب … هل تشعل أزمة سدالنهضة الحرب العالمية الثالثة ” للمياه “

حوار _  محمدعامر 

 

 

 

في أسرار وحقائق تنشر لأول مره عن أزمة سد النهضة تجيب ” البيان ” في حوارها مع الباحثة و الكاتبة الصحفية زينب الدربي المتخصصة فى الشؤون الدولية بجامعة نيويورك عن الأسئلة الصعبة في أزمة سد النهضة … هل تحولت المياه من نعمه ومنحه ربانيه الي نقمه علي الدول التي تمتلكها … وماذا عن السيناريوهات المعدة لمصر بعد قدوم بايدن ورحيل نتنياهو … وماذا عن فكرة تعيين سفير المياه لكل دولة … وماذا عن ادوار القوي العظمي في قضية سد النهضة وماهو الدور التي تلعبه اسرائيل … وماذا عن المخطط العالمي لتحويل اثيوبيا لوحش للطاقة العالمية في أفريقيا… وماذا عن سد جلجل 2 بأثيوبيا وسد غنجا 3 بالكونغو وخطة الأتحاد الأوربي والصين الخفية لبناء السدود بأفريقيا … وماذا عن وحوش الماموث ودراسة ايفان فرناندز والمشروع الدولي البديل للمشروع الصيني الحزام والطريق وكواليس اجتماع الناتو الأخير … وماذا عن علاقة اسرائيل بأثيوبيا وأوغندا وروندا وكينيا ودور بابا نويل الذي تلعبه اسرائيل في افريقيا واختيارها تصوريري اقليمي بالاتحاد الافريقي والاتفاق الابراهيمي بين اسرائيل والسودان واثيوبيا … وماذا عن محاولة ابي أحمد تقليد السيسي بمشروع حياة كريمة !!! كل هذا وأكثر تجيب عنه ” البيان ” في حوار وانفرادات لم تنشر من قبل

و من هذه المنطلقات نجري حوارنا مع الباحثة و الكاتبة الصحفية زينب الدربي المتخصصة فى الشؤون الدولية بجامعة نيويورك ، لتكشف لنا فى هذه الحلقة الثانية كواليس جديدة و سيناريوهات جديدة تم إعدادها لمصر و كافة دول حوض النيل خاصة بعد قدوم إدارة الرئيس الامريكي جو بايدن الي البيت الابيض تزامنا مع رحيل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الذى كان يبذل مجهودات مكثفة بالتعاون مع حليفه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان فى كسب و تأييد الدول الافريقية على كل المستويات الاقليمية و الدولية . الى نص الحوار

ما هى حقيقة ما يدور فى القارة الافريقية و مدي ارتباطه بالمشهد العالمي الجديد ؟
.. العالم أجمع يعيش فترة إنتقالية كبيرة يتعاظم فيها الدور الجيوسياسي للدول و القارات نظرا لأاهمية الموارد الطبيعية التى أوشكت على الانتهاء و مراعاة الابعاد البيئية ليس فقط على المستوي المحلي داخل الدول بل و فى العلاقات الدولية لدرجة أنه سيتم إستحداث سفير للمياه التى أصبحت الان على رأس أهم الموارد الطبيعية التى تقوم بسببها و من أجل الوصول اليها الحروب و النزاعات بل و استخدام المياه كأداة و سلاح مثلما فعلت داعش في سوريا و العراق . و مع إعتبار القارة الافريقية من أغنى القرات التى ما زالت تحتفظ بمواردها الطبيعية مع عدم إمتلاك دولها و لا أنظمتها للموارد المالية و الامكانات الفنية و اللوجيستية التى تحسن إستغلال هذه الموارد ، و هو ما ترتب عليه وقوع هذه الدول فريسة للمساومات الدولية و جعل إفريقيا ساحة لصراع القوي العظمي و من ثم إعادة توزيع مراكز القوي علي المستويين الاقليمي و العالمي .

ما هي أدوار القوي العظمي فى قضية سد النهضة و سدود نهر النيل ؟
.. هناك خطة عالمية غير معلنة تم وضعها منذ أكثر من 15 سنة تهدف إلى تحويل دول جنوب الصحراء من بينها الكونغو، و إثيوبيا و اوغندا و جيبوتى و بوروندي و السودان و مؤخرا جنوب السودان علي طول نهر النيل الى دول منتجة للطاقة الكهرومائية التى يتم تصديرها للدول الدائنة فى اوروبا و إيران و تركيا و إسرائيل و الصين و روسيا و حتى الولايات المتحدة و اليابان بالاضافة الي البنكين الدولي والافريقي اللذان يساهمان عن طريق القروض و الوساطة فى تسوية و جدولة هذه الديون ، و تتركز الخطة فى بناء27 سد مياه على روافد نهر النيل بحجم وحوش الماموث و التى من شانها تحويل هذه الدول و على رأسهم إثيوبيا لانها دولة المنبع إلى “وحش للطاقة” العالمية فى القارة الإفريقية ، و طبقا لدراسة إيفان فرنانديز فى نهاية 2015 بتمويل البنكين الدولى و التنمية الإفريقى و حكومات إيطاليا و فرنسا، الذين كبلوا الحكومة الإثيوبية بالديون تقدر ب 11 مليار دولار، يتم تسديدها على مراحل لحين الإنتهاء من مجموعة السدود تحت الإشراف الأوروبى، الذى سيقوم بشراء الطاقة الكهرومائية التى تقدر ب 45 ألف ميجا وات، و التى يقول عنها الأوروبيين انها قادرة على إنارة كافة دول الإتحاد الأوروبى ليلا، كما تضىء الشمس فى النهار.
تأتى خطة الإتحاد الأوروبى و الصين الخفية نحو بناء السدود فى الدول الإفريقية عن طريق القروض الميسرة، لتحقيق خطتها المستقبلية التى نصت عليها دساتيرها من بينها دستور الاتحاد الاوروبى و تعديلاته حتى 2013 و الذى ينص على وجوب توجيه دول أوروبا نحو الطاقة النظيفة على مراحل، بحلول أعوام 2030 كفترة إنتقالية تجمع بين الطاقة النظيفة و الغاز الطبيعى كما هو الحال الان وصولا الى مرحلة الاقتصاد الاخضر فى 2050، كانت الصين تعرضت لهجوم كبير فى قمة التغيرات المناخية الأخيرة فى باريس الاولى فى 2015 و ما بعدها من اجتماعات ، و أوقعت عليها شروط و إجراءات واجب إتخاذها للتحول إلى الطاقة النظيفة، حيث تساهم الصين بأكبر قدر من الإنبعاثات الصناعية على مستوى العالم أكبر من الولايات المتحدة ذاتها.
و تتعمد الدول الكبرى و على رأسها دول الإتحاد الأوروبى عن طريق ما يسمى “القروض الحكومية” ،التى تتم بين الحكومات الأوروبية منفردة و مثيلتها الإفريقية، و التى أدت إلى تكبيل الأنظمة الإفريقية بالديون، فحسب تقرير منظمة السياسة العالمية تسدد الحكومات الإفريقية سنويا 58 مليار دولار سنويا للحكومات الغربية، من بين مجموع 54 مليار دولار حجم الاستثمارات الصينية و الغربية فى القارة الإفريقية، و هو حجم هائل من الديون لا تستطيع الحكومات الافريقية على تحقيق فائض من اجل اللقيام بالنهضة التنموية المطلوبة .

و لكن الصين كما تستفيد فهي ايضا تفيد الدول التى تستتثمر فيها من خلال مشروعها العالمي ” الحزام و الطريق ” الذى يستلزم إقامة بنية اساسية فى كل البلدان التى يمر بها تنفذها الصين . فما رأيك فى هذه النقطة ؟
.. فعلا البلدان التى يمر بها مشروع ” الحزام و الطريق ” الصيني الذى يربط بين الثلاث قارات إفريقيا و اوروبا و أسيا يقوم إنشاء بنية أساسية فى هذه البلاد ، و هو الامر الذى لا تستطيع اقتصادياتها تحقيقه و لكن ليس الامر كذلك فحسب هناك كلمة سر خطيرة تلتف حولها جولات الصراع و المنافسة بين القوى الدولية و هي ” المياه و الطاقة و الغذاء ” و هو ثلاثي خطير تم وضع خطط و مشروعات سوف تتحقق فى افريقيا بل و ستتباري الولايات المتحدة و معها الاتحاد الاوروبي مجتمع من أجل تحقيق ما تم اعلانه فى إجتماع الناتو الاخير الذى حضره الرئيس الالمريكي الجديد جو بايدن الشهر الماضى و المعروف بإسم ” المشروع الدولي البديل من أجل رخاء العالم ” ، و هو مشروع بديل لمثيله الصيني من أجل الاستحواذ على المشروعات التنموية فى العالم و بالتحديد فى القارة الافريقية و التى تم رصد ما يقرب من 3 تريليون دولار قابلين للزيادة ، بالاضافة إلى مكافحة فيروس كورونا و تصدير لقاحات التطعيم بما يقرب ب 650 مليون دولار مع مراعاة العدل الاجتماعي و المساواة وغيرها من البرامج .
و لكن حقيقة الامر هو أن هذه الدول الكبري و على رأسها الولايات المتحدة و كندا و استراليا و البرازيل و نيوزلاند و فرنسا و ايطاليا و غيرهم هي دول تتمتع بمصادر للمياه العذبة و على إثره تستطيع ان تنتج ما تحتاج من الغذاء و كذلك تصديره و لكن مع إفتقادهم لمصادر توليد الطاقة ما عدا الولايات المتحدة و البلدان الحارة أمثال البرازيل و تشيلي و اوروجواي و غيرهم . و بالتالي يترتب علي ذلك البحث عن اماكن حول العالم لتحقيق هذا المثلث الخطير و أفضلهم القارة الافريقية نظرا لثراء الموارد الطبيبعية و ثانيهم لتسديد الديون .

أستطيع ان استنتج من كلامك ان المباراة الدولية ليست فقط على السدود فى اثيوبيا و غيرها من أجل المياه و لكن ايضا من أجل الطاقة التى تقود الى إنتاج الغذاء ايضا ؟

.. هو كذلك فالدول الكبري لا تستطيع ان تكون مهددة و لو ليوم واحد بدون ضمان الحد الادني لغذاء شعوبها و الا تعددت الكوارث نظرا لارتباط هذا العنصر بالاقتصاد الجزئى و الكللى و البورصات و حركات الملاحة و تصنيفها و ترتيبها العالمي فى المؤشرات و المنظمات الدولية و من ثم فرض سيطرتها الجيوسياسية عالميا و وضعها كمراكز للاقتصاد و البورصات العالمية الموجودة فى عواصمها هذا أولا .
و ثانيا إن مسألة ضمان الغذاء و إنتاجه لصالح الدول الكبري يأخذ شكلين من التعاملات ، الاول إما عن طريق التمويل المباشر و الصريح للسدود المائية كما يحدث مع الصين و سد جلجل 2 فى اثيوبيا و تمويل سد غنجا 3 فى الكونغو و غيرهم ، و كذلك الاتحاد الالوروبي من خلال فرنسا و ايطاليا ، أو الشكل الثانى من المعاملات و هو تكويل السدود بشكل نصفي و النصف الاخر يجمعوه من خلال حق انتفاع بزراعة الاراضي الاثيوبية التى يقوم السد بريها من مياهه و زراعة هذه الاراضي بالمحاصيل المطلوبة كما تفعل الولايات المتحدة منذ عهد الرئيس السابق ترامب الذى قدم 130 مليون دولار لأثيوبيا فى مقابل إمتثالها للمفاوضات و إمضاء الاتفاق مع مصر و السودان، كما تقوم كل من الصين و الهند و الامارات و قطر و حتى تركيا و اسرائيل ايضا بزراعة الاراضي الاثيوبية و كانت السودان من بين الدول مع جيرانها ممن سيزرعون لصالح او لحساب دول العالم فى نظير سداد الديون و البنية التحتية و تحقيق هامش ربح معقول .

هل هناك دور إسرائيلي حقيقي تلعبه فى ملف سد النهضة من أجل عرقلة المفاوضات بين مصر و اثيوبيا و السودان ؟
.. إسرائيل فى عهد الرئيس السابق نتنياهو ليست إسرائيل اليوم ، ففعهد نتنياهو زار العديد من الدول الافريقية أكثر من 4 مرات من بينهم اثيوبيا و رواندا و اوغندا و كينيا ، أقام 4 مكاتب إستشارية خارجية لإسرائيل فى الدول المذكورة ، من أجل تحقيق إقامة مشروعات مشتركة للتنمية ، و تقدم إسرائيل 13 مليون دولار كحزمة مساعدات لإقتصاديات الدول الإفريقية ، و حسب موقع صحيفة “ألجامينر” الإسرائيلى ان حجم التجارة المتبادلة بين الجانبين 2% من حجم تجارة إفريقيا مجتمعة مع باق دول العالم، حيث تصل قيمة الصادرات الإسرائيلية إلى إفريقيا 1،4 مليار دولار فى 2015. فضلا عن تعاونهما فى تجارة و صناعة الماس التى تبلغ 1،5 مليار دولار، بالإضافة إلى الطاقة الشمسية و الكهرومائية و التعدين و الكيماويات و مجالالت الإتصال.
لم تكن التفاصيل السابقة هى سر هرولة إسرائيل تجاه كسب صداقة الدول الإفريقية فقط ، بل هناك اهداف إستراتيجية تلبس الثياب الإقتصادى و الخيرى و التنموى ، حيث تقول ” إليزا بيلمان “رئيس برنامج الزمالة فى جامعة تل أبيب ” أننا و تعنى إسرائيل يمكننا أ نقدم للشعوب الإفريقية ما لا تستسطيع أية دولة أخرى تقديمه، كما نستطيع بناء أجندة هذه الشعوب بشكل إيجابى فى صالحهم ، كما فى صالحنا فى تقديم إسرائيل فى صورة حامل الخير لكل العالم ” .
و بالفعل إستطاعت إسرائيل كسب ثقة و طمأنة إفريقيا لها حتى أصبحت عضو غير إقليمى فى الإتحاد الإفريقى.
و من هنا تبلورت أهداف إسرائيل المحورية فى توجهها نحو القارة الإفريقية ، للأسباب الأتية :
1- فتح أسواق تجارية بديلة لإستيعاب المنتجات الإسرائيلية بدلا من تهديد مقاطعتها فى اوروبا ، جراء الدعاية المضادة و نشاط الفلسطينيين الحال .
2- كسب تأييد و أصوات ممثلى الدول الإفريقية فى المتديات و التجمعات الدولية فى حين إستصدار أية قرارات فى الصالح العربى ضد إسرائيل ، و هو ما حدث فى أخر إجتماع للأمم المتحدة فى قمة البيئة فى كينيا فى 30 مايو الماضى، عندما تم إفتعال مشكلة بين الممثلة الكنينية لأحدى لجان المنظمة مع الوفد المصرى ، إستفزت على إثره الوفود الإفريقية و إنسحبت معظمها من القاعة، و جاء التصويت فى غير صالح القضية الفلسطينية ناقص النصاب و بالتال سقط القرار المتوقع صدوره انذاك.
3- تسعى إسرائيل لسد الفراغ المصرى و العربى ، و منافسة الجانب الإيران على أعلى المستويات ، كأحد ضمانات أمنها القومى و الغذائى و الحرارى فى مجال الطاقة ، بالإضافة إلى كسب الثقل و الوزن الدولى بالتحالف الإفريقى الإسرائيلى فى كل المنتديات الدولية ، و عدم الإكتفاء فقط بحلفائها القدامى من الأوروبيين و الأمريكيين ، و خاصة ان إسرائيل فى إفريقيا هى سيدة الموقف حيث تقدم لهم و لا تأخذ كما هو الحال مع أوروبا و امريكا.
4- و ترمى إسرائيل فى تحقيق اهداف إستراتيجية فى السيطرة على الحركات الإسلامية فى إفريقيا ، و التى يراها المتخصصون الإسرائيليون لها بعد إستراتيجى يرم إلى الشرق الأوسط و ليس إفريقيا فقط ، و من ثم إحكام سيطرتها على مفاعيل الدول العربية أمثال سوريا و العراق ، و يستدل المحلل الإسرائيلى فى الشأن الإفريقى على موقع ” بريتيش بيزنس نيوز” ” ان أى إنتصار على الإسلام المتشدد فى نيجيريا و الكاميرون و الصومال و تشاد هو إنتصار لنا فى الشرق الأوسط “.

و لكن مؤخرا بعد سقوط و رحيل نتنياهو اصبح للحكومة الاسرائيلية الجديدة رأي أخر تم الاعلان عنه فى إحدي الدراسات التى قام بها الباحثين أوفير ونتر و عاشير لوبتسكي فى مركز الدراسات الامنية و الاستراتيجية فى جامعة تل ابيب ، و هو انه ليس من العقل أو المصلحة أن تأخذ إسرائيل صف ايا من الجانبين سواء المصري أو الاثيوبي ، حيث تتمتع الدولة اليهودية بعلاقة جيدة و تحالف علي كل المستويات مع الدولتين و لذلك فهي تراعي تساوي المسافات و الحساسيات فى التعامل معهما فى هذا الشأن ، بالاضافة الي وجودها على حدودها الجنوبية مع مصر و سيطرة الاخيرة على ملف حماس و المقاومة المسلحة و نجاح مصر فى كسب تأييد العالم ووقف إطلاق النار و التهدئة و الذى نتج عنه مرور إعلان الحكومة الاسرائيلية الجديدة فى سلام .
و أكدت الدراسة النهائية ان تل أبيب تقف موقف المترقب و الراصد لمصير المفاوضات حتى ينولها من مشروعات التنمية جانبا و خصوصا أنه تم التمهيد لهذه المصالح المنتظرة مع السودان بعد توقيع الاتفاق الابراهيمي او اتفاق السلام و التطبيع الابراهيمي الذى بموجبه يمكن لاسرائيل أن تدخل شريك ومع السودان و كذلك اثيوبيا لتحقيق اهداف تنموية سواء زراعية او فى الري و هما المجالان اللذان تمتلكتن فيهما اسرائيل تكنولوجيا متقدمة يمكنها تنفيذه على ارض افريقيا ، و من ثم ليس فى مصلحتها ان تخسر ايا من الجوانب الثلاثة ، و خصوصا أن الكنيستين القبطية المصرية و الاورثوزكسية الاثيوبية كلاهما موجودتان فى دير أبو سلطان فى القدس و ليس من مصلحة أحد أن يتصارعا أو ان تدخل بينهما الخلافات السياسية.

نحن ذكرنا العديد من الدول صاحبة المصالح المتشابكة سواء فى سد النهضة او غيرها من المشروعات و الجوانب الجيوسياسية الاخري . و ماذا عن مصر المتضرر الاساسي من المصالح الخارجية للاخرين ؟
.. منذ فترة طويلة و تتكرر و تتعالي اصوات الناس و الجمهور فى الشارع المصري و مطالبته للجيش المصري و القيادة السياسية بتوجيه ضربة عسكرية لسد النهضة !! ، و بالطبع هذا أمر ليس بالهين ابدا ابدا بل هو أمر جلل و كارثي و لا نستطيع أن نكون عاطفيين أوة متحمسين زيادة عن اللازم فى هذه الامور المصيرية .
حيث أن هناك محاولات لا يتصورها عقل و مؤامرات تحاك بالامة المصرية من قبل 25 يناير 2011 و أزدادت بعد حكم الاخوان المسلمين و ما بعدها من أجل جر مصر نحو الخراب بأيدينا تارة و بأيدي الاخرين الخارجيين عن طريق التورط فى الحروب سواء فى ليبيا او سيناء و منها الي غزة او حتى على حدودنا الجنوبية فى عهد البشير و ممارسة الاستفزازات بموضوع حلايب و شلاتين أنهما ليستا مصريتين ، و الان محاولات ايضا لم تتوقف لتغيير ساحة الحرب و جرنا نحو الجنوب الشرقي فى اثيوبيا . و هو ما أعتبره انه ليس من الحكمة و متأكدة من رزانة القايدة السياسية و حساب الامور بميزان الذهب .

لماذا لا نستطيع ضرب سد النهضة ؟
.. نعم نستطيع و لكنه ليس من الحكمة أن نفعل ذلك لعدة أسباب و هي :
الهدف الرئيسي الذى سعت من أجله الدول الكبري أن تبني السدود بواسطة أثيوبيا ليس فقط توليد الطاقة المتجددة و سداد اثيوبيا لديونها المتراكمة و لكنه فى الحقيقة هو تحويل الاخيرة الي قوة اقليمية و دولية فى توليد الطاقة و امتلاكها للمياه الذى اصبح موردا ذات اهمية استراتيجية خطيرة ترقي لاهمية النفط و الاسلحة فى الحروب و بالتالي أمتلاكها لسلة غذاء العالم ، كل ذلك فى مواجهة مصر و خاصة بعد توجهنا نحو الصين و روسيا بعد 2013 و تحول افريقيا لساحة الي صراع للقوي العالمية و اعادة توزيع موازين القوي العالمية استراتيجيا ، و لذلك اذا قمنا بضرب السد سوف نفقد هذه القوة لاننا لن ننتزع اثيوبيا من مكانها الجغرافي و سيطرتها علي منابع النيل الذى تملك هي فيه ما نطلق عليه فتح و غلق حنفية المياه الخاصة بنا كما أننا سنؤكد ما أرادوا مننا تأكيده بأن اثيوبيا اصبحت تملك من أدوات القوة التى تريد مصر تدميرها حتي تظل تستأثر بكل شىء كما تذيع عننا وسائل الاعلام الاثيوبية ، بالاضافة الى الدخول فى نزاعات مع أطراف عديدة سوف تكشف عن نفسها فى الوقت المناسب لسنا بصدد مواجهتها لاننا يجب علينا فى هذه الحالة سداد تكاليف ما تم تدميره و خصوصا أنه معروف من المتضرر، و بعد أستعراضنا لقوتنا و امكناتنا العسكرية و البشرية و اللوجيستية و قدرتنا على التنفيذ لكننا ما زلنا فى مرحلة ضبط النفس لدرء كارثة تمتد أثارها على العالم بأكمله .
و بالتالي يمكن أن نعرض أنفسنا لخطر فرض عقوبات علينا و اعتقد أن اثار موجات وباء كورونا و على اقتصادنا الذى كان يتوقع له أن يكون ضمن الخمس اقتصاديات الصاعدة بعد نهاية 2019 لن تقوم له قائمة ابدا و هذا ايضا ليس تصرف حكيم لانك تجازف ب 110 مليون نفس بشرية لها متطلباتها اليومية قبل السنوية و المستقبلية و هو حجم هائل من الاعباء فى ظل ما نتحمله من تحديات .

إذا ،، ماذا نحن فاعلون ؟؟
.. مع النظر الي المشهد المصري من الداخل و علي الصعيدين العربي و الافريقي من ناحية و الدولي من الخارج سوف نجد أننا خطونا خطوات ثابتة و مدروسة فيها ايضا تحسبات لسيناريوهات بديلة فى كل مرحلة كالاتي :
أولا : فى 2017 أعلن السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي أن مصر بصدد عمل مشروع ربط كهربائي يربط الثلاث قارات اوروبا من خلال قبرص و اليونان و افريقيا السودان و بالفعل تحقق و تم توليد الكهرباء على امتداد 100 كيلو متر على الجانب المصري حتي السودان و 70 أخرين على الجانب السوداني ، بالاضافة الي ربط السعودية مع هذا الخط الكهربائي الدولي ضمن فاعليات اتحاد دول الجوار اليورومتوسطي و الذي تملك مصر فيه موقع يتوسطهم جميعا جغرافيا ، بالاضافة الى اطلالتها على البحرين المتوسط و الاحمر ، فقد أعلن الرئيس السيسي فى منتدي الشباب الدولى الاخير بشرم الشيخ أن مصر قد عرضت على اثيوبيا أن تربط كهرباء السد بمصر و السودان من ناحية و أن تقوم مصر بتصدير كهرباء السد لها الى أوروبا عن طريق موانيها على البحرين و المياه الدافئة ألا ان اثيوبيا رفضت و بالفعل قامت مصر باستكمال هذا البرط الكهربائي، كما أعلن السيسي تعريفة الكيلو وات بما يقارب 0.14 سنت أى أنه ارخص فى الاسعار حتى من اسعار سد النهضة ، و هو الامر الذى جعلنا نكتسب قوة و ارض كانت تريد اثيوبيا و حلفاءها أن نخسرها فى ظل الشمول الكهربائي الذى كانت تنوى أن تقوم به من خلال سد النهضة لافريقيا و الاخرين .
ثانيا : قامت مصر بالتحرك شرقا للربط الكهربائي و تصدير الطاقة فى مقابل الغاز و النفط العراقي بتعريفة بسيطة بالاضافة الى الربط الكهربائي مع الاردن و هو الامر الذى يكسبنا قوة سيطرة على المواقف من ناحية الشرق و الربط الكهربائي و الطاقة الاسرائيلية فى الاردن و غزة من ناحية و ايران و تلاعبها فى العراق و جعلها ملقف للضربات و ساحات الصراع التركي الايراني الامريكي من ناحية اخري ، و هو ما يجعل بسط النفوذ المصري فى ملف الطاقة الذي حزم الجنوب و الشرق و الغرب اكبر و اقوي منافس فى مباراة الطاقة و السيطرة الاثيوبية و فريقها و مصر و فريقها من ناحية أخري .
ثالثا : مصر إستخدمت اشقائها العرب عن طيب خاطر فى بسط نفوذهم داخل اثيوبيا و التداخل و الاشتراك فى تمويل مشروعات التنمية بالنيابة عن مصر و كأنه من الباطن و لصالح مصر فى نهاية المطاف ، و كان أخرها اشتراك الامارات فى الفوز ببناء طريق لوجيستي يصل بين الميناء فى جيبوتى على البحر الاحمر و اثيوبيا بحكم انها دولة حبيسة ، و لعل كان حضور و دعوة الشيخ محمد بن زايد وزير الخارجية وولي عهد ابو ظبي فى افتتاح القاعدة العسكية البحرية الجديدة بالقرب من مرسي مطروح لهي صورة بالف كلمة ترسل من الرسائل الكثير و البليغ لاثيوبيا و فريقها ، مع استعراضنا لقدراتنا و امكاناتنا الممتدة بحرا و جوا و برا و رغم ذلك نفضل توازن النفس حقنا للدماء و الصراع الذى لن ينتهي و حتى نثبت للعالم كله حسن نوايانا و حفاظنا على حالة توازن القوي الذي ما زالت تحتفظ فيه جميع الاطراف بضبط النفس علي الرغم من الاستفزاز المستمر فيما بينهم ( الولايات المتحدة و روسيا و الصين و ايران و كوريا الشمالية و المملكة المتحدة و حلفاءها و اوروبا مجتمعة ).
رابعا : نحن مستمرون فى انجاز كل مشروعات البنية التحتية فى حياة كريمة و تحويل المساكن العشوائية الي مدن سكنية أدمية ، و توصيل المياه و الخدمات الاساسية لكل اهالينا فى ربوع محافظات الجمهورية من أجل إثبات تحقيق أهدافنا فى ملف حقوق الانسان فى تحقيق المساواة و العدالة الاجتماعية بدعم برامج تكافل و كرامة و دعم التموين و كذلك برامج تاهيل المعاقين و هو ما يعزز موقفنا أمام المجتمع العالمي و خاصة أدارة بايدن التى تضع ملفات حقوق الانسان على رأس اجندتها العالمية .

برنامج حياة كريمة كان له صدي علي مستوي افريقيا و العالم العربي .. أليس كذلك ؟
.. نعم بالتأكيد ابي احمد قام بتقليد الرئيس السيسي و زار مناطق البيوت الطينية و العشش و الفقراء و تظاهر أمامهم و أمسك بالمعول او الفأس ليهدم البيت مع الجنود و إعادة بناءه مرة !! ، و بالطبع توالت التعليقات عليه سلبا تارة و إيجابا تارة أخري فقد تأكد أن تعزيز سياسته على المستوي الداخلي و المحلي تكسبه القوة بدلا من محاولاته سحب قواهم و نفوذهم الذى ارتبط بالدولة المصرية منذ نشأتها و كتابة تاريخ الامم .

و لكن يبقي ملف المياه بالنسبة لنا مسألة حياة أو موت .. ماذا تتوقعي من سيناريوهات قادمة ؟
.. ملف المياه هو مسألة حياة او موت بالنسبة للشعب المصري و أي شعب على مستوي العالم ، فحروب المياه المتوقعة حتي بين الدول الكبري النووية امثال الصين و روسيا و الهند و الصين و الهند و باكستان و حتي الولايات المتحدة و المكسيك و غيرهم هو أمر لا يمكن إنكاره ، لأن ملف المياه تحول الي ملف حرب قد تؤدي الي تشرد و نزوح الشعوب و كذلك للحروب الاهلية المسلحة و قد تتطور و تتدخل فيها اطراف خارجية ، و لذلك لا نفضل استخدام السلاح او الهجوم لانه ليس فى مصلحة اي طرف بالعكس .
أخر تقرير للمخابرات الامريكية حذر من توقعاته من نقص المياه بالاضافة الي تحذير احدي الدراسات في معهد برشلونة و اخري في جامعة اكسفورد من قلة المياه و ازدياد الحاجة لها خلال العشرين سنة القادمة بنسبة 400% و الكهرباء بنسبة 140% ، و الذي يقابله من ناحية اخري زيادة سكانية مضطردة سوف تضعف اية مجهودات في هذين الملفين و الاحتياج المستمر للبنية التحتية اللازمة من اجل استيعاب كل هذا الكم من الاستهلاك .
و في المقابل اتخذت الدولة المصرية عدة اجراءات احترازية و استباقية أولها حملات انشاء و مد مشروعات البنية التحتية الخاصة بالخدمات الاساسية و علي رأسها ملف المياه العذبة الصالحة للشرب و المتوفرة للجميع ، حملة 2 كفاية متزامنة مع الحملات التوعوية بمشكلة الزيادة السكانية، أعادة تقديم مشروعات قوانين فى مجلس النواب و التى كان و قد تقدم بها أحد النواب فى نهاية الدورة البرلمانية الماضية و لم يتم إقرارها ، و هي مواد قانون يتعلق بتغليظ العقوبة على مستهلكي المياه و اهدارها و تعميم العدادات و تسعيرة المتر المكعب ، و فصل مياه الشرب عن مياه الري و الاستخدامات الاخري بالمياه المعالجة للتوفير ، بالاضافة الي البدء فى حفر الابار الجوفية و اقامة مشروعات تحلية لمياه البحر، و هي كلها خطوات كانت دول العالم الكبري و منظمات المجتمع المدني العالمية قد أعدت هذه السيناريوهات مسبقا فى ادخال تكنولوجيا الري الرقمي و الذى لا يهدر المياه بالتنقيط او غيره و تبطين الترع و استخدام طرق لتخفيف عليات البخر و فاقد المياه ، بالاضافة الي ادخال محاصيل قليلة الاستهلاك فى المياه و البحث عن بدائل لمثيلتها ممن يستهلكون المياه بشدة مثل الارز و القصب و غيرهم ، و هو ما قامت به مصر بالفعل بالتعاون مع وحدات البحوث الزراعية و الري فى الوزارات المعنية .

و ماذا عن موقفنا الدولى .. ألا نملك من الادوات التى تجعلنا فى موقف قوي ؟
الموقف الدولي ينقسم الي عدة اتجاهات :
الاتجاه الاول و هو المفاوضات الدبلوماسية و هوما لجأنا اليه و ما زلنا و ابدينا حسن نوايانا و قمنا بتوقيع اتفاق اعلان المبادىء بيننا و بين اثيوبيا و السودان فى 2015 و الذي يتضمن 10 مباديء من اهمها التعاون المشترك في ادارة السد و تبادل المعلوامت و بناء الثقة و حل المشاكل و النزاعات بشكل سلمي و السيادة النتساوية و الحفاظ علي وحدة اقليم الدولة و تحمل الدولة التي تتسبب في الاضرار لمسؤولياتها و مراعاة العدل و الانصاف في اقتسام مياه النيل و ضمان امان السد .
الاتجاه الثاني و هو ايضا لجأنا اليه و هو مجلس الامن الدولي كسبيل للتصعيد التدريجي ، حيث يحق لنا بموجب ميثاق الامم المتحدة اللجوء لمجلس الامن في حالة عدم امتثال اثيوبيا للحل السلمي اة التهديد لنا و لمصالحنا لان منع المياه المقررة لنا بموجب المعاهدات الدولية و مباديء هيليسنكي في اقتسام مياه نهر النيل الدولي يعد انتهاك صريح لحقوق الانسان الاساسية التي تمنع المياه عن المصريين و تؤدي الي تكبدهم المعاناة و المشقة في الحصول عليها بالاضافة الي انها تؤدي الي جفاف و تجويع و نقص الغذاء و المواد الاساسية ، و هي تعد نقاط في غاية الاهمية و القوة يمكننا الاستناد عليها اذا لم يقم مجلس الامن باتخاذ موقف قوي ضد اثيوبيا و استجابتها لدعواته .
الاتجاه الثالث و هو اللجوء للتحكيم الدولي او الذهاب لمحكمة العدل الدولية و لكنه لابد ان يكون نابع من ارادة كل الدول الاطراف كما حدث في محادثات طابا عندما فشلت المفاوضات الدبلوماسية.
و هي كلها وسائل تستلزم اتباعنا الصبر و النفس الطويل و حشد دولي كما نفعل مع الدول العربية مثلما فعلت تونس و تقدمت بمشروع قانون لمجلس الامن و كذلك الافريقية و الاوروبية و الامريكية.

يتبقي دور الشعب المصري .. فعلي الرغم من حماسه و دعمه لجيشه و قيادته السياسية الا ان الكلام كثير حول زيادة تسعيرة المياه و الناس مرهقة ماديا و اعباء الحياة متعددة .. فماذا تنصحي الشعب المصري ؟
.. أنصح الشعب المصري الذي انتمي اليه بأننا لابد من دعم قيادتنا السياسية و جيشنا لأنهم الاكثر فهما و الماما بابعاد موضوع سد النهضة التي قد لا تكون جلية ومعلنة و لكنهم يحسبون عواقبها بكل أمانة ، كما أود أن أؤكد على أن اختيارات الحكومة المصرية متعددة و قد كان فى استطاعتها أن تقوم باتباع بعض المدارس التى خصصت ملف المياه إما كليا او جزئيا حتي تستطيع ان تسد إحتياجاتنا و تمد الشبكات و تنقي المياه و تستخدم التكنولوجيات المتقدمة ، إلا أنها لم تفعل ذلك مراعاة لأعباء الحياة على كاهل المواطن المصري و رب الاسرة و ضمان الحد المطلوب للحياة الكريمة لكل فرد مهما كان حجم دخله فهو اولا و أخيرا مواطن مصري له علي الدولة حقوق و عليه واجبات يؤديها من بينها الوعي الكافى بأزمة المياه و الزيادة السكانية و التحديات التى تواجهنا مما سيتوجب عليه أن يمد يده لتقديم العون حتي لو كان بسيطا . و تحيا مصر عظيمة بأولادها المخلصين .

 

 

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

إعلان بنك مصر

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 80994780
تصميم وتطوير