الأربعاء الموافق 15 - يناير - 2025م

اشرف بدر يكتب الصحافة المطبوعةالرهان على التحول إلى مراكز المعلومات

اشرف بدر يكتب الصحافة المطبوعةالرهان على التحول إلى مراكز المعلومات

 

أشرف بدر

الصحافة المصرية، كغيرها “عربية ودولية”، تواجه تحديات وجودية تهدد عرشها، بعد التراجع العنيف في التوزيع، الذي تبعه انخفاض في إيرادات الإعلانات، وتراجع ثقة الجمهور، وتدني أهمية الأخبار والمعلومات المنشورة، التي تعد “بايتة”، بحكم سرعة وتدفق أخبار المنصات والبوابات الإلكترونية.

 

لذا فإن تكيف الصحافة المصرية مع التطورات التكنولوجية لم يعد اختيارًا؛ بل ضرورة في ظل تنامي سرعة قطار التحول الرقمي والتقني، الذي يدهس أمامه الصحافة التقليدية، ويخرجها عن قضبان السير تمامًا.

 

ولا يعني ذلك بأن الصحافة “الإلكترونية” ستكون بديلًا للصحافة “الورقية”، التي تمضي إلى زوال حتمي تماشيًا مع واقع عصر نعيشه، وظهور جيل جديد من الشباب تواق إلى محامل إعلامية تتحدث لغته وتفهم تطلعاته وتستوعبها؛ لأن الصحافة المطبوعة مازالت لديها الفرصة لاستيعاب التطورات الحاصلة في مجال الإعلام الرقمي، وأن تغير من جلدها، وسياستها المساندة للسلطة والنظام وتبعية رأس المال وأصحاب النفوذ، وأن يتم اختيار القائمين على شئونها من أهل الكفاءة والمهنية والخبرة، وليس من أهل الثقة والحظوة فقط!!

 

كما أن الجزم باختفائها أو اندثارها ليس له ما يبرره، بعد أن نجح المطبوع في التعايش مع الراديو، والتليفزيون، من قبل، علاوة على أن الغرب الذي اخترع الإنترنت، ومنصات التواصل، لم يغلق صحفه المطبوعة، بل سارع القائمون لديهم بتطوير محتواها، لتتفرد، بمعالجات استقصائية، ومتخصصة، تميزها عن النسخ الرقمية.

 

وتختلف مقاربة أزمة الصحافة الورقية بين بلدان العالم الغربي والعربي؛ فبينما نجحت الصحف العالمية الغربية في توظيف التطور التكنولوجي قصد إنشاء مواقع إلكترونية تحتوي أزمتها، وتواجه من خلالها احتداد المنافسة، ظلت الصحف العربية -في ظل غياب ثقافة حقيقية لدى أصحاب وملاك المؤسسات الصحفية تعي أهمية ما يُنشر على الإنترنت- تنظر إلى المواقع الإلكترونية باعتبارها “إِكسسوارات” للنسخة الورقية دون أي رؤية إستراتيجية.

 

يضاف إلى ذلك طبيعة الواقع السياسي المعقد الذي يعيشه العالم العربي بعد أن فرضت النظم السياسية في البلاد حصارًا على شبكات التواصل والمواقع والصفحات يضاهي “حصار التبعية” المفروض على بعض الصحف الورقية المملوكة للدولة، أو التي استقطبتها لحظيرتها.

 

وهنا، تبرز مشكلة قدرة الصحافة الورقية على رهانات منافسة الإعلام الإلكتروني، ليس فقط التعايش معه، وإنما منافسته، هو ما يستدعي البحث في نوع العلاقة المحتملة بينهما في ظل الإشكاليات التي تطرحها المنظومة الإعلامية التقليدية التي أصبحت غير قادرة على فهم علاقة الصحافة الورقية بالإعلام الإلكتروني ومصير مستقبلهما معًا.

 

المختصون بمهنة الصحافة والإعلام يقرنون التطور الذي يمكن أن تشهده الصحافة المطبوعة في رهانها للمنافسة والتعايش مع نظيرتها الإلكترونية بتوافر مراكز المعلومات وقواعد البيانات الصحفية التي تشكل مصدرًا لا غنى عنه في تطوير هذه المهنة، والارتقاء بها، خاصة في ظل الانفجار المعلوماتي الذي تصعب الإحاطة به.

 

ومما يستوجب هذا الأمر ضرورة وجود مراكز للمعلومات الصحفية تتولى حصر وتصنيف وتحليل هذه الصفحات المنشورة من الصحف والمجلات والدوريات، ليتمكن العاملون في الحقل الصحفي من الوصول إليها وإثراء المعالجات والمواد الصحفية في ظل عمليات التشكيك التي صنعتها “السوشيال ميديا” بفضل ثورة الاتصال المتصاعدة، ولارتباط مصالح الكيانات الإنسانية الوثيق بصانعي المحتوى وأصحاب المال والنفوذ.

 

ومن العوامل الأخرى التي تستدعي الاهتمام بإنشاء وتطوير مراكز المعلومات الصحفية، هو الارتفاع الحاد في كلفة شراء مواد المعلومات المختلفة، خاصة “الدوريات والصور ونتائج الدراسات والبحوث المتخصصة وقياس الرأي العام”، وبناء قواعد البيانات، وفقًا للتقنيات الحديثة في إنتاج وحفظ وتوزيع واسترجاع المعلومات، وكيفية الإفادة منها وبها.

 

ولعل مركز الأهرام للتنظيم وتكنولوجيا المعلومات “الميكروفيلم” يعد أحد أهم روافد المعلومات التي يحتاجها الصحفيون والباحثون وطلاب العلم، إلى جانب متخذي القرار، لما يحتويه من عشرات ملايين صفحات المجلات والصحف الصادرة عن الأهرام، أو عن غيرها من المؤسسات الأخرى، إلى جانب كم هائل من المعلومات النوعية والأساسية عن الشعوب والدول، وجميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية الخاصة بمصر، ودول العالم ووحداتها الإقليمية والدولية، في تراكم يومي امتد لحقب متعددة تربو على قرن ونصف منذ إنشاء مؤسسة الأهرام العريقة عام 1875.

 

وإلى جانب دوره السابق الإشارة إليه فهو “رافد” مهم في مصادر دخل المؤسسة، حيث يتم تسويق وبيع الصفحات وعمل ملفات وثائقية، ومجلدات تضم مقالات كبار الكتاب والأدباء، وخطابات الزعماء، وأرشيفات الساسة والبرلمانيين، علاوة على أرشيفات المحررين.

 

هذه المعطيات بشأن النهوض بمراكز المعلومات بمؤسساتنا الصحفية، تدعو صانعي السياسات الإعلامية، خاصة بهيئتنا الموقرة “الهيئة الوطنية للصحافة”، لاتخاذ خطوات جريئة وفعالة، لضمان استدامة صدور الصحافة المطبوعة في مصر، وإعادة إحياء دورها الحيوي في الخطاب الثقافي والوطني والديني.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79167726
تصميم وتطوير