الجمعة الموافق 07 - فبراير - 2025م

إفتح قلبك وتعلم ثقافة الإختلاف !!

إفتح قلبك وتعلم ثقافة الإختلاف !!

بقلم / ريهام الزيني

لا يمكن لأحد أن ينكر حقيقية أن  المشكلات التي يعاني منها مجتمعاتنا كثيرة،ولابد أن تكون محل بحث وإهتمام والكتابه فيها.

 ومن أكثر الأمور التي قد ضربت بجذورها في الأمة العربية في الأونة الأخيرة وأصبحت توأما للواقع المعاصر هي الحالة الدينية كواحدة من أكثر المشكلات الحرجة،والتي تستوجب من كل دارس وباحث تحري القراءة الواعية والمتابعة الدقيقة والموضوعية،لذلك سأقوم بالتحدث في هذا الموضوع من خلال رؤيتي الشخصية،وسأقوم بطرح بعض الحلول اللازمة لمعالجة من مثل هذه المشكلات.

فهناك ظاهرة غريبة جدا ظهرت جلية بين الناس ألا وهي ظاهرة الإختلاف في الرأي وأدب الحوار،حيث تعتبر من أهم الموضوعات التي ينبغي أن تقرأ وترصد بوعي كأحد أهم دعائم رقي وتقدم مسيرة الوعي لدى أبناء هذة الأمة.

وما نسمعة ونشاهدة في الأونة الأخيرة يؤكد أن معظمنا مازال يجهل ثقافة الإختلاف سواء في الرأي أو العقيدة،ورغم أن الأديان السماوية وضعت معايير وأسس لكل ذلك الإ أننا بعدنا كل البعد عن تعاليم الدين وتركنا عقولنا لأشخاص جهلاء يبثون فيها السم والجهل والتخلف.

ومما يؤسف له النتيجة التي وصلنا اليها،وهي أننا اليوم نعيش هذة الحالة من اللا تدين في الإختلاف،حيث أصبح كل ما يشغل بعضنا الأن هو كيفية إسقاط الآخر ومحاولة إقصائه،والحال أن بعض واقعنا لا يكتفي بذلك فقط بل يتجاوز إلى إلقاء الإسقاطات النفسية والإجتماعية على كاهل الآخر ومحاولة التحقير والإستهانة وتقديم النصيحة بطريقة غير لائقة،بل وصل الأمر الى أنه من الممكن أن يقتله لمجرد أنة يخالفة فى الرأى ولا ينتمى لعقيدتة.

ومن هذا المنطلق دعوني أرصد معكم بوعي ظاهرة الإختلاف كأهم دعائم رقي وتقدم مسيرة الوعي لدي مجتمعاتنا  :-

مشروعية الإختلاف:-

القرآن الكريم يؤكد أن مشيئة الله تعالى أن يخلق الناس جميعا مختلفين،ولتعميق هذا الفهم يذكر القرآن في قوله تعالى”ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين” .

إيجابية الإختلاف:-

وبعد أن تأكدنا من وجود “عنصر الإختلاف” بين البشر على أنه أمر طبيعي في كل الأديان السماوية،نجد أنه من الضروري أيضا التأكيد على أن الإختلاف “ليس موروث”  وإنما وجوده ينبغي أن يكون ضروريا يجب الإستفادة منه كدليل على صحة المجتمع ليعود عليه بالنفع.

منشأ (موضوع) الإختلاف:-

الإختلاف بين البشر في الأفكار والآراء والتوجهات والمواقف يعود لأحد منشأين:

1ـ منشأ النظر العقلي أو العلمي و يطلق عليه “الإختلاف العلمي” وهو  أمر طبيعي خصوصا بين أهل المعرفة والرأي من العلماء والمفكرين،ومن خلاله تتقدم العلوم وتنشأ الحضارات.

2ـ منشأ حب الذات والمصالح الشخصية وهو ما يطلق عليه “الإختلاف المصلحي”،وهذا النوع من الإختلاف ينشأ عادة بسبب تضارب المصلحة الشخصية مع المصلحة العامة،ومن هنا تنشأ التمزقات والعداوات والفرقة مما تترتب عليه آثار سلبية خطيرة جدا.

هذان هما منشأ الإختلاف بين البشر:-

فالأول.. عقل وعلم ورحمة.

والثاني.. هوى ومصلحة ونقمة.

ففي”الإختلاف العلمي” تنمو الطاقات وتتفجر القدرات في أجواء حرة إيجابية،أما في “الإختلاف المصلحي” فينحبوا صوت الفكر والرأي لمصلحة رأي واحد.

الفرق بين الخلاف والإختلاف والنقد والإنتقاد:-

وقد لا يعرف البعض أن هناك فرق بين “الخلاف والإختلاف”،وبين النقد والإنتقاد،فنحن قد نختلف في وجهات النظر وهذا أمر صحي جدا،وليس خلافا عندما تتلاقي الأفكار للوصول الي الهدف المنشود الذي نريده مهما إختلافنا،ولكن عندما تتسع دائرة الإختلاف وتتطور الي خلاف “هنا تكمن الإشكالية”.

فهناك فرق بين الإختلاف والخلاف :-

  1. الإختلاف : هو أن يكون الطريق مختلفا و المقصود واحدا، وأما الخلاف أن يكون كلاهما مختلفا.

  1. الإختلاف : من آثار الرحمة ، والخلاف من آثار البدعة.

  1. الإختلاف ما يستند الى دليل،والخلاف ما لا يستند للدليل، بل هو مجرد عناد وخروج عن سبيل المؤمنين لهوى في نفسه أو ما أشبه ذلك.

وما الفرق بين النقد وبين الإنتقاد:-

النقد هو وصف للتصرفات السلبية والإيجابية بطريقة ودودة ترمي إلى التصحيح و التصويب في حال وجود الخطأ و إلى الإستمرارية في حال وجود نجاحات.

أما الإنتقاد فهو تصيد مقصود للأخطاء هدفه الأساسي هو إظهار السلبيات..”أو ربما فعل ذلك لحاجة في نفس يعقوب”.

أدب الإختلاف:-

فإن الإختلاف قد يكون علميا،وقد يكون فكريا،وقد يكون إجتماعيا،ولكل واحد من هذه الإختلافات أداب خاصه بيه في كيفية التعامل بين الأطراف عند الإختلاف في الرأي.

وقبل الخوض في أدب الإختلاف لابد من ذكر أمور هامة:-

‌1) أن الأديان السماوية وخصوصا الإسلام يحث الجميع على الإرتباط بالحياة العلمية وعلى ضرورة التواصل الفكري وهذه واحدة من أهم خصائص ديننا وأمتنا التي هي أمة اقرأ.

إلا أن المشكلة التي نعاني منها الأن هي “الأمية الفكرية” والتعويل دائما على الثقافة الجاهزة “المعلبة” دون التدقيق وإعمال الفكر،وللأسف إنتشار هذا يؤدي إلى إغفال دور العقل وتعطيل قدرته،مما يؤدي إلى ظهور جيل لا يعتمد علي الدليل العلمي في حكمه على القضايا ومناقشة الرأي الآخر ومقارنة الحجة بالحجة والدليل بالدليل،وما تراه من بساطة في المستوى الفكري إنما هو نتيجة طبيعية لنشوء هذا النوع من الثقافة والإستئناس بها.

‌2) والنتيجة الطبيعية لذلك هو “غياب الإنتاج الفكري”،وهذا أخطر ما “تسببه الثقافة المعلبة”،مما يجعلنا “أمة مستهلكة” بدل أن تكون منتجة،وبهذا تقف مسيرة الحركة الفكرية عند حدود الموروث الثقافي،علي الرغم من أن القرآن يرفض هذا المسلك المشابه لمسلك الإقتداء السلبي بالأباء والأجيال السابقة ورفض الفكر وتفعيل دور العقل هذه الطاقة المودعة لدينا.

‌3) ومن نتائج هذه الحركة الموروثة أيضا ظهور حركة “الإستبداد الفكري للرأي” ويعتبر هذا قهر لعقول الآخرين،و من أفدح الأخطاء التي قد يقع فيها البعض دون النظر إلى أهمية تعدد الآراء وفوائده التي تعود علينا جميعا.

ومن هنا تأتي الحاجة إلى معرفة أداب الإختلاف وكيفية التعامل مع الرأي الآخر،ويمكن أن تقسم  إلى ثلاثة أقسام:

* أداب التعامل الأخلاقي مع الرأي الآخر.

* أداب التعامل العلمي مع الرأي الآخر.

* أداب التعامل الإجتماعي مع الرأي الآخر.

أولا: الآداب الأخلاقية:-

وبعد كل هذا نجد أن من الأهمية بمكان التعرف على الضوابط الأخلاقية التي لابد من مراعاتها وهي:

1) إحترام الآخر.

2) عدم سوء الظن.

3) عدم غيبة الآخر.

4) عدم تصيد أخطاء الآخر

وهي محاولة رخيصة للإنتصار على الآخر.

ثانيا: الآداب العلمية:-

إننا كثيرا ما نحكم بعدم صلاحية الآخر وسريعا ما نرشقه بالتهم والسباب دون أن نطلع على رأيه وفكره،ومن المعلوم أنه للحكم على أي قضية أو رأي لابد:

1ـ من معرفة هذه القضية بكل جزئياتها وحيثياتها،وهذا إنما يتأتي بعد القراءة الدقيقة والتامة لتلك القضية المراد الحكم عليها.

2ـ القدرة على المحاكمة أو إبداء الرأي.

3ـ الموضوعية وإنصاف الرأي الآخر.

وعدم إنصاف الآخر ناشئ من:

ـ حب الذات المعبر عنه في علم النفس بالأنا السفلى.

ـ صنمية الفكر والأشخاص.

4ـ البحث عن الحقيقة:

وليعلم أولئك الذين يتشدقون بشعارات هم أبعد الناس عن العمل بها إنما هم معول هدم ولا يزيدون الخرق إلا إتساعا،وبذلك يعملون على تمزيق وحدة الصف ونشر الفرقة والخلاف في أي مكان.

ثالثا: الآداب الإجتماعية:-

وهنا لابد من مراعاة الأمور التالية:

1 التكيف وقبول الإختلاف مع الأخر.

2 عدم إسقاط الآخر إجتماعيا.

3 حق إبداء الرأي.

و من أهم آثار هذا الإختلاف:-

* قتل الكفاءات.

* عدم بروز الطاقات.

* هجرة بعض الكفاءات.

* الإعتماد على الفكر الواحد ـ المعلب.

* زيادة التأخر والبعد عن ركب الحضارة المدنية.

قاريء العزيز إنني نشأت وتربيت على إحترام الرأي و الرأى الآخر حتى ولو إختلف معي في أرائي الشخصية،وتعلمت أيضا أن إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية،لكن للأسف أصبح في زمننا هذا إختلاف الرأى يفسد للود قضية ويؤدي الي العداء والكراهية بل ويصل إلى شعور البعض بالرغبة فى الإنتقام،وقد يصل الأمر الى إنشقاقات بين الناس،بل وإلى محاولة إلحاق الأذى بمن هم من لحمنا ودمنا أو من كانوا أو مازالوا أحباءنا أو أصدقاء عمرنا.

ومن المؤسف أنه أصبح يصدر كل هذا من أشخاص علي درجة كبيرة من العلم كنا نحسبهم على خير ونظن أنهم القدوة والمثل الأعلى وهم في الحقيقية غير ذلك،وهو الأمر الذي جعلني أتأمل كثيرا فى من يتعاملون مع الإختلاف من هذا المنطق ولا يتقبلون الرأى الآخر ويفجرون فى ردود أفعالهم.

وتسأءلت بينى وبين نفسى!!

ما قسوة القلب هذة ؟!

ألا تعلمون أن فى الإختلاف حياة؟!

ألا تعلمون أن فى الإختلاف رحمة؟!

ألا تعلمون أن فى الإختلاف علم ومعرفة؟!

ألا تعلمون أن الإختلاف سنة كونية،ولا تعني بالضرورة أن أعادى الآخر أو أبغضه أو أن أدخل معه في معركة خلافية هدفها الأساسي الإنتصار لنفسى؟!

وحتى إن إختلفنا لماذا يؤخذ هذا الإختلاف بشكل شخصى وكأن من إختلف معى عدو لى أو كأنه ضدى بصفة شخصية فأعاديه وأحاربه بكل ما أملك من أسلحة؟!

فلولا الإختلاف الأذواق ياسادة لبارت السلع،ولولا إختلاف الآراء ياسادة لأصبح الناس نسخا مكررة يتزاحمون على نفس الطريق ونفس الهدف والإتجاه.

ولولا اختلاف الآراء ياسادة لتوقفت العقول عن الإنتاج وما كنا رأينا تقدما ولا تطورا ولا إجتهادات ولا إختراعات ولا حتي إبتكارات ولا علماء ولا انجازات!

وليس من العجيب أن يختلف الناس فى آرائهم وإتجاهاتهم وميولهم وأذواقهم،ولكن العجيب أن يتخاصموا بسبب هذا الإختلاف.

وإن لم نختلف فما كنا تعلمنا من أخطائنا..ففى الإختلاف ثقافة..فيا ليتنا.. يا ليتنا نتعلم ثقافة الإختلاف،وياليتنا نكون على قدر من التحضر فنتعلم ثقافة التعامل مع هذا الإختلاف بأخلاق الدين وأصول مجتمعنا.

علمنا ديننا الإسلامي إحترام أداب الحوار والإختلاف،ونهانا عن سوء الظن بغير دليل، وعلمنا أيضا بأن نسمع للأخرين ونحاورهم ونتناقش معهم ونقنعهم بالحجة والبرهان والدليل،وفى حالة عدم الإستجابة فلا نجادل معهم وننهى الحوار فى هدوء ولا نحول الإختلاف الى خلاف وشقاق.

رحم الله العزيز عمر بن الخطاب حين قال “أصابت إمرأة وأخطأ عمر” ويقول الله تعالى “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم”.

فلتعلموا أن الدين لا يريد من البشر أن يكونوا متطابقين إلى درجة زوال الفروق الفردية بينهم،ولا أن يكونوا متنافرين بحيث يصبحوا أعداء متشاحنين،لكن أن يكونوا متقاربين متفاهمين فلا يغلوا ولا يتباغضوا من أجل إختلاف الآراء.

خلاصة القول :-

ياسادة إن الإختلاف لابد منه وهو كائن قديم ـ كان ولا يزال ـ يعيش معنا،وينبغي أن نسلم به ونتكيف معه ونحاول تطويره،والإنتقال به إلى الحالة الإيجابية،وأن يكون هدفنا الأول والأخير البحث عن الحقيقة متسلحين بنقد الذات قبل الآخر سواء كان فكرا أو رأيا أو شخصا.

وفي سيرة الرسول وأهل البيت(ع) وسيرة السلف الصالح الكثير والكثير مما ينبغي التأسي بهم كما قال القرآن الكريم (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)،وبهذا فقط يمكن أن نحقق الذات العليا وأن نتعايش مع الآخر.

فالإختلاف أمر طبيعي يقرره العقل والتاريخ والأديان السماوية،ومن هنا فليس غريبا إختلاف البشر في الأفكار والتصورات والمعتقدات والعادات والتقاليد،ولكن الغريب حقا محاولة البعض جعل الناس جميعا يؤمنون بفكر وثقافة ومعتقدات وقيادة  ونية واحدة.

لذلك عند طرح أي موضوع لا تتوقع أن يوافقك عليه الجميع،قد يختلف معك الكثير وربما تحارب فكرتك وتقتل في مهدها،ولكن إصرارك علي فتح المجال للحوار الهادف البناء بعيدا عن التعصب من الأمور الناجحة في إدارة الحوار.

فما أحوجنا خلال تلك الفترة التى تمر بها بلادنا الى الإتحاد لما فيه الخير لبلادنا،وأن نحترم أراء بعضنا البعض حتي لا يتحول هذا الإختلاف الى خلاف وخصومة،”بلادنا بجد محتاجة للمتنا ووحدتنا ولازم نكون قد المسؤلية ونكون كلنا على قلب رجل واحد”، فعندما تتشابك الأيدي تصنع العقول.

وأقول لكل من يدعي علما ومعرفة “علمت بعض الأشياء وغابت عنك أشياء كثيرة” فيا ليتك تتعلم ثقافة الإختلاف وآداب التعامل معه كى ترحم نفسك وغيرك من شرور نفسك.

 إفتح قلبك وتعلم ثقافة الإختلاف !!

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79648157
تصميم وتطوير