جمعه نوفل
أوضح الدكتور اشرف مريكب استاذ الشريعة الإسلامية بكلية الشريعة والقانون بدمنهور بمحافظة البحيرة إن صيانة مقاصد الشريعة الأساسية تتطلب حماية دائمة
لها في المجتمع، لأن للأخلاق السائدة تأثيراً كبيراً على الأشخاص، وانعكاساً مباشراً في السلوك والتصرفات، وذلك حتى يتكاتف الدين والخلق في تكوين الشخصية
المسلمة المستقيمة، وإلا فسدت الجماعة، وأصابها الوهن والانحلال .
وعلينا أن ندقق النظر ونتأمل شخصية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو مكسور الثنية مجروح الوجنة متردياً في حفرة يوم أحد، ونتمثله الآن في يوم آخر وهو عاصب على بطنه من الجوع يضرب بالفأس ويجرف بالمسحاة ويحمل في المكتل، فهذه المواقف النبوية ترسم معالم إيمانية جديدة ، وتعطينا صفحة أخرى نقرأ فيها كيف أنه “في معترك الحياة ومصطرع الأحداث كانت الشخصية المسلمة تصاغ، تنضج وتنموا وتتضح سماتها، بين سائر الجماعات.
وكانت الأحداث تنهال على الجماعة الناشئة حتى لتبلغ أحياناً لدرجة الفتنة، التي تكاد أن تفصل بين الجوهر الأصيل والزبد الزائف، وتكشف عن حقائق النفوس ، فظل هذا الجيل يترقى فيها درجة بعد درجة حتى وصل إلى الكمال الذي لم يبلغه جيل مثله قط، فاستحق بذلك القوامة على العالمين، والثناء العظيم من رب العالمين .
ونستطيع في سطور معدودة أن نتناول محاور الشخصية السوية من خلال ما يلى :
أولاً : مفهوم الشخصية السوية من منظور الفكر الإسلامي :
-الشخصية السوية هي مجموع الخصال والطباع المتنوعة الموجودة فى كيان الشخص باستمرار ، والتي تميزه عن غيره وتنعكس على تفاعله مع البيئة من حوله بما فيها من أشخاص ومواقف ، سواء في فهمه وإدراكه أم في مشاعره وسلوكه وتصرفاته ، وفى قيمه وميوله ورغباته .
– ومن هنا نفهم أن صاحب الشخصية السوية يجمع حصيلة خاصة للصفات والعادات والأفكار التي تناسقت وتفاعلت حتى أصبحت وحدة دينامية تميز الشخص عن غيره .
ثانياً : مفهوم الشخصية السوية من منظور علم النفس :
-الشخصية السوية هي الشخصية القادرة على احترام الذات واحترام الآخرين من حلال إقامة العلاقات الودية والتعاطف والسعي الدائم نحو الخير ومحبة الناس ، متوازنة فى الحقوق والواجبات ، لا تهمل الجانب المعنوي ، وتتصف بالاتزان الانفعالي وإضافة معنى للحياة .
– وانطلاقاً من هذا الفهم نجد أن صاحب الشخصية السوية دائما يشعر بالراحة النفسية والأمن والطمأنينة مع القدرة بالتغلب على الصراعات الداخلية وتوجيه السلوك ذاتياً .
ثالثاً : أهمية الشخصية السوية وأثرها في ضوء الواقع الحياتي :
-للشخصية السوية أثراً سلوكياً يظهر فى الأقوال والأفعال والتوجيهات داخل أسرته ومجتمعه ، فيؤثر فيهم أبلغ الأثر ويتأثرون بأفكاره ومبادئه وقناعاته ، تراه شخصية متزنة يقدم الأفكار الجديدة ، يقدر الذات ويحترم المحيطين به ، ويقدر استشعار المسؤولية ، وبذلك تعلى من شأن صاحبها وترفع من قيمته فى نظر نفسه وفى نظر الآخرين .
رابعاً : بعض أسباب ضعف الشخصية وعلاجها من منظور الفكر الإسلامي :
ضعف البدايات، وعدم بناء الشخصية المسلمة على أسس قوية مؤصلة، مما يجعلها هزيلة غير متمكنة، صاحبها يعاني أيما معاناة .
تربية الفرد على السلبية وانتظار التكاليف، فيصبح إمعة ومقلد وبهذا يدعوا الإسلام إلى الاستقلال بالرأي والاعتداد بالنفس، ويدعو إلى حرية التفكير السديد، فيمعن الإنسان الفكر ويقلب الآراء، ويتثبت من الصحيح والخطأ والدليل الواضح، ويطرح ما يخطئون الناس فيه فلا يتبعهم في مساوئهم وفسادهم وغيهم وضلالهم، فيصبح تابعاً لغيره, لا رأي له, ولا تدبر, ينساق كما تنساق الأنعام .
ضعف الثقة بالنفس، والخوف من الإحباط والفشل، والتهيب من كل جديد ، ولعل التغلب على هذا السبب يأتي بالنظر الثاقب إلى صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الذين اكتمل فيهم معنى الدين بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – واكتملت فيهم معاني القدوة، كل منهم إذا نظرنا إلى حاله وجدناه قمة في العبادة، وإذا نظرنا إلى عمله وجدناه قمّة في أمور إدارة دنيا الناس، وكلهم لهم في الدنيا نصيب، فمنهم من هم أصحاب تجارة كـ أبي بكر وعثمان، وفي الجهاد نجدهم كلهم من المبرزين، وفي أعمال الخيرات والمسابقة إليها نجدهم كلهم من المتسابقين والسابقين لغيرها على ما بينهم من تفاوت ، وليقرأ عن أولئك الناس نماذج الجراءة والمبادأة، واجعل منهم نموذج تقتدي به، انظر إلى ما لديك من جوانب القوة والجوانب الإيجابية، وانطلق منها واستحضرها في ذهنك عند مخالطة الناس، لا تقارن نفسك بالآخرين، وتجنب لوم النفس وتحقيرها ، وكن مرناً ومتسامحاً مع الآخرين ، تعرف على الأفكار السلبية واستبدلها بأفكار إيجابية وواقعية.
التعنيف في المحاسبة، وتضخيم الأخطاء، وكثرة العتاب، وعدم مراعاة الفروق الفردية، والظروف الاجتماعية، مما يسبب للشاب نفوراً ووحشة وإحباطاً.
خامساً : سمات الشخصية السوية من منظور إسلامي :
الشخص السوى هو الذى يعبر الناس عليه من القلق إلى الطمأنينة ، ومن الخوف على الأمان ، ومن الإحباط إلى العمل ، ولعل من أهم سمات تلك الشخصية ما يلى :
التوازن فى تلبية المطالب بين الروح والجسد والمصداقية وهى الصدق مع الذات ومع الناس ومطابقة الظاهر للباطن ، والمبادرة الذاتية فى السعى نحو الخيرات ، والضمير الحى والإنسانية ويتضح ذلك من خلال بعض السمات مثل الكرم وطيب القلب ومنح الحب وتلقيه ، والتواضع وضبط النفس ، والبعد عن أمراض الشك والنفاق، والحقد والحسد، والبغي والعدوان، وحب الظلم وكراهية العدل وغير ذلك من الأمراض التي يضيق بها الصدر ويموت بها الضمير الحي.
وفى النهاية أسطر أننا نحتاج إلى المثل الحي الفاعل والسلوك الملموس والتفاعل مع الواقع الذي تعيشه أمتنا الآن ، فنحتاج إلى الشخصية المسلمة المتميزة التي لا تعرف الوهن ولا اليأس فضلاً عن اعتزازها بإسلامها وكيانها وصلتها بسلفها الكرام