كتبت_تقى محمود
أهم مأزق يواجه النظام التعليمي بمصر هو الفجوة بين المناهج التعليمية والاحتياجات الحقيقية لسوق العمل، فمؤسسات مثل الكليات المتخصصة ومراكز التأهيل والتدريب هي نوادر بالسوق المصري، بالإضافة إلى الافتقاد إلى مرونة المناهج ومواكبتها للتطورات العالمية، وهذا ينعكس بشكل واضح على مؤشرات البطالة، فالعلاقة بين المستوى التعليمي والعمل في مصر هي علاقة عكسية، فكلما تقدمت في التعليم قلت فرصك في الحصول على وظيفة.
وفي نفس السياق نجد أن الأمر يزداد سوءًا بسبب التباطؤ الاقتصادي الذي عاشته مصر منذ ثورة يناير 2011، حتى أصبح من الصعوبة توفير فرص عمل للداخلين الجدد لسوق العمل، سواء متعلمين أو لا، هذا بالإضافة إلى استراتيجيات “توطين الوظائف” التي تتبعها دول الخليج، المستقبل الأول للعمالة المصرية خارج الحدود.
فمنذ سنوات وربما عقود طالب الكثير من المراكز البحثية بالاهتمام بالتعليم الفني وتوفير فرص التدريب أثناء الدراسة، والاقتداء بالنموذج الألماني، حيث تتم دراسة معدلات النمو المستقبلية لكافة الشركات، وبالتالي معرفة فرص العمل المتاحة خلال السنوات القادمة، ثم توفير التدريب للطلاب في الشركات والمؤسسات النامية، وهكذا يتم توفير دخل معقول للطلاب وفرص عمل مؤكدة بعد التخرج، كما تستفيد الشركة من المهارة والكفاءة المرتفعة للخريجين، وانخفاض أجورهم وقت التدريب.
كما نصحت العديد من الدراسات بالتوسع في قروض التعليم، مثل النموذجين البريطاني والأردني، حيث يحصل الطالب على قرض للحصول على تعليم جيد، ويقوم بالسداد بعد التخرج.
وبسبب الركود الاقتصادي التي مرت به مصر في السنوات الماضية، وجب دراسة النموذج الأردني بعناية، فالحكومة الأردنية، ولسنوات، قامت بتوفير قروض التعليم لأبنائها، ليس بغرض تمكينهم من الوظائف الهامة بالداخل، ولكن للاستفادة من تحويلاتهم بعد سفرهم للخارج، وتشكل تحويلات العمالة الأردنية بالخارج حوالي 10% من الناتج الإجمالي الأردني.
يبلغ عدد سكان الأردن أقل من 10 مليون نسمة، وهو رقم أقل بقليل من عدد المغتربين المصريين، وهذا يوضح الفرص المُهدرة نتيجة إهمال تدريب وتأهيل المصريين للعمل بالخارج.
صحيح أن الحكومات الخليجية تسعى لتوطين الوظائف، ولكن هذه الاستراتيجيات لها أهداف واضحة وفقا للقطاعات، وعلى سبيل المثال تولي حكومة المملكة العربية السعودية اهتمامًا واضحًا بتوطين قطاع الاتصالات، لذا فإن محاولة سفر فني صيانة محمول للعمل بالسعودية حاليًا هو درب من دروب الجنون، ولكن على العكس تتوسع المملكة في صناعتي الترفيه والتكنولوجيا، لذا على الحكومة المصرية والمواطنين أيضا البحث عن فرص التأهيل في القطاعات النامية في الدولة التي تحتل الصدارة في قائمة مستقبلي العمالة المصرية.
على جانب أخر تتوسع الدولة المتقدمة خاصة الولايات المتحدة واليابان وأوروبا في قطاعات الخدمات الصحية والمنزلية، مع ارتفاع معدل الأعمار، وتنمو هذه القطاعات بمعدلات أعلى من الصناعات التحويلية، ولكن المشكلة أن هذه القطاعات مازالت تعاني من انخفاض الأجور، وهذه مشكلة في الدول المتقدمة وفرصة للعمالة المهرة منخفضة التكلفة في بلادنا، لذا فإن الممرض الذي يتمكن من التحدث بأكثر من لغة سيكون له فرصة أفضل في السفر لهذه الدول، ربما أكثر من نموذج “النمر الأسود”، الفيلم المصري الشهير الذي يتحدث عن العامل المصري المكافح المبتكر، الذي استطاع إثبات كفاءته في ألمانيا، بلد الماكينات.
التعليقات