الجمعة الموافق 07 - فبراير - 2025م

أدبُ الطلبِ من الله

أدبُ الطلبِ من الله

بقلم : د. محمد أبوالعلا

 

من الأدب مع الله ألا تسأله ما ليس لك به علم، أو أن تسأله وتترك الأمور تجري في أعنتها، فنحن في دعاء الاستخارة نقول” اللهم إن كُنتَ تعلم ـ بسابق علمك الأزلي ـ أن هذا الأمر خيراً لي في ديني ودنياي ومعاشي وسائر أمري عاجله وآجله ما علمتُ منه وما لم أعلم فيسره لي، وإن كنتَ تعلم أن هذا الأمر شرٌ لي في ديني ودنياي ومعاشي وسائر أمري عاجله وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان” فمن الضروري أن تترك إرادتك لإرادة خالقك، يوجهك حيث يشاء، وقد قال أحدهم “كن هباءً في الهواء ينثرك الله كيف يشاء”، وكثيراً ما ندعو في حياتنا بأمورٍ نظنها خيراً، ومع الأيام يتضح لنا حكمة منعها عنا، لأن علمنا محدود في مقابل علم الواحد الأحد، ندعو بزوجةٍ بعينها، بوظيفةٍ بعينها، بأمرٍ بعينه، حتى في دعائنا بالحياة والممات يوجهنا النبي الكريم أن لا نتمنى الموت وإن كان ولابد أن نتمنى يوصينا قائلاً “قل اللهم أحيني ماكانت الحياة خيراً لي وأمتني ماكان الموت خيراً لي” وذلك لتمام معنى الأدب مع الله، فالعبد لا يقترح على الله أموراً هي من اختصاصه وحده،كالموت والحياة، وكذلك الزوج، أو الزوجة، أو العمل، وسائر الأمور، كذلك من الغيبيات التي يرزقك بها الله، فيريد الله أن يُهذب في داخلنا عقيدة الطلب، لكي يكون عندنا آلية الطلب في طلب الرزق، ولنا في سيدنا نوحٌ عليه السلام الأسوة الحسنة، فقد قال بناءًُ على الوعد الإلهي “وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)هود، وذلك ليس مجرد تمنٍ من نبي الله نوح، فقد وعده الله قبل الطوفان أن ينجي معه أهله، لكنه قال له أيضاً” ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون”، لذلك عندما دعا ربه قائلاً “رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ” فكان الرد الإلهي عليه بكلامٍ يحمل صيغة العنف “قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ” هود(46)، فما بالنا وقد كان الرد الإلهي على نبيٍ من الأنبياء أولي العزم على هذا النحو، وبهذه الصيغة؟ فكان جواب سيدنا نوح على الفور “رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ” هود(47).
تخيل أنك تسأل الله أموراً ليس لك بها علمٌ، – وكثيرٌ منا يفعل ذلك- وتخيل أن الرد الإلهي سيأتيك باسمك “يا فلان إني أعظك أن تكون من الجاهلين”، لذلك من الأدب مع الله أن تسأله بجمال( فأجملوا في الطلب) لأنه أعلم بحاجتك منك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم” الذي نفس محمد بيده لن تموت نفس قبل أن تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه في غير طاعة الله فما عند الله لا يؤخذ إلا بطاعته. رفعت الأقلام وجفت الصحف”، فعليك أن تسلم جميع أمورك له، وأن يكون دعاؤك ” رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ”، فكل الأشياء مقدرة سلفاً، وقد يدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير، لأنه لا يعلم الخير من الشر، وقد قال العارفون “اللهم يا مصوب خطأ الدعاء بألا تجيب” فكونه لا يُجيب دعاؤك في حد ذاته نعمةٌ تستحق الشكر، لأنه وحده يعلم وهو علام الغيوب.
اللهم ارزقنا أدب الطلب وجميل الإجابة.

 

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79642169
تصميم وتطوير