✍️ أحمد صابر
في قصة طريفة شاركتها إحدي الفتايات علي مواقع التواصل تحكي فيها بأن صديقتها ملحدة منذ أربع سنوات لكنها تصر علي صيام رمضان من كل عام ، مما أثار فضول الجميع ، وكلما أخبرها أحدهم : ألست ملحدة ! فما داعي الصيام إذًا ؟ ترد قائلة : ” أنا ملحدة آه لكن مش لدرجة أني افطر في رمضان يعني ”
ومؤكد أن القصة حقيقية وليست علي سبيل الفكاهة أو التسلية ،
لكنني لم أتعجب مما قالت إطلاقًا، هل تعرفون لماذا ؟
لأن أكثر من نصف الملحدين في الوطن العربي لا يعرفون معني الإلحاد أصلًا ، أقصد أن إلحادهم غير مبني على فلسفة معقدة أو علم معين، هو أقرب ما يكون إلى حالة تخبط نتيجة وجود بعض التساؤلات التي تنتظر الإجابة ،
في الواقع هذه القصة لم تمر علي شرفتي كنسمة هواء فقيرة عبرت في ظهيرة فصل الصيف، وإنما كعواصف رعدية شديدة حركت ستائر أفكاري لفترة طويلة، ودفعتني بقوة نحو قلمي لأتناول جانبًا هامًا في ذلك الموضوع،
المهم أنني تبسمت قليلًا في البداية وأعدت القراءة أكثر من مرة لأحاول استشفاف ما يختبئ خلف ستائر هذه القصة من كواليس مدوية وحقائق مخزية، وتساءلت كيف لشخص أن يثير الضحك ويستدعي الشفقة في آن واحد ، ما الذي مرت به الفتاة لتصبح علي ما هي عليه من تناقض واضح ؟
عزيزي القارئ ، الحقيقة أن بحار الإلحاد في الوطن العربي ضحلة تستطيع أن تتصيد حيتانها بسهولة ، لأن هذه الحيتان هزيلة، أنيابها أضعف من أسنان تلك الأسماك التي تتواجد في الترع الفقيرة ،
فمعظم هؤلاء الشباب طبيعي جدًا، وغير مضطرب عقليًا كما يجزم الكثير من الناس، وإنما قادهم لهذا الطريق أسباب مختلفة، سنحاول التحدث عن أبرزها ،
الصنف الأول وهم المثقفون ، كلما اذداد الشاب ثقافة واطلاعًا كلما اقترب تلقائيًا من طريق الإلحاد إذا لم يكن محصنًا بسياج من العلم الشرعي الذي يحميه من ذلك الفيروس اللعين، لكن المشكلة ليست في الثقافة ، ولا في عقله،
وإنما تكمن في الخطاب الديني البائس الذي لا يستطيع أن يصمد أمام عقول هذه الشباب لدقيقتين متواصلتين ،
ولا يقدر أن يشارك الشباب حروبهم الدائرة ليعالج سطو هذه الأفكار التي تغتالهم في كل يوم ،
لكم أن تتخيلوا أن معظم هذه الشباب يظل أعواما يشعر باضطراب شديد بين أمور العقل وقضايا الدين ولا يجد من يرد عليهم أو يفكر معهم بشكل علمي يحترم عقولهم ،
كلما ذهب الشاب إلي شيخ رد عليه قائلًا : هذه أمور لا يفهمها عقلك القاصر يا بني ، أنت في ضلال ولا تفكر في هذا ، اشغل نفسك واترك هذه الفلسفة والكلام الفارغ الذي لا ينفع !
أي خطاب هذا الذي نسير عليه ؟ ولأي مكان نتوقع أن نصل ونحن نسير على هذا الطريق الممتلئ بمطبات الجمود العقلي والتي تستطيع أن تدمر أي مجتمع يسير عليها،
أي تسفيه نسوقه لهؤلاء الشباب دون محاولة احتواءهم ! الحقيقة أننا نجلس معهم ونتكلم في بداية الأمر بهدوء، وعندما نعجز عن مجاراتهم نقيم لهم محكمة عسكرية لنشنقهم في نهاية الحوار،
هذا الخطاب الديني الفقير الذي يحتضر منذ عقود طويلة يسئ إلي ديننا القويم ويتهم الدين بمناقضة العقل والعياذ بالله، والعيب كل العيب في عقول هذه الشيوخ التي تفصل بين الدين والعلم بسور ليس له باب ، باطنه الجهل وظاهره من قبله العذاب، هذه الشيوخ التي تستحي أن تقول ” لا نعرف “، وبدلًا من هذا يحاولون صياغة كل جواب من النصوص الدينية المباشرة دون اهتمام بالعلم أو اعتبار للفلسفة ،
تحكي فتاة وتقول ذهبت إلى عالم كبير من جهابذة الدين، وعرضت عليه سؤالًا، فرد قائلًا : كفي عن هذا، هذا سؤال رب لرب، وليس عبد لرب، فأجابته : هذا السؤال من عقلي، وأنا عبد، فانتهي الحوار وصار الشيخ كهباء منثور، لم يستطع أن يكمل حديثه معها واضطر للصياح كديك مريض،
وبعد هذا كله نتعجب : لماذا انتشر الإلحاد ؟
وهنا يصرخ الكثير من الناس ، كيف تدعوا إلي الجلوس مع هؤلاء الملاحدة والنقاش معهم وهم كافرين بوجود الله ؟
فأقول لهم ، أيها الناس إن الفكر يحارب بالفكر والحجة تقابل بالحجة ، وهذا هو أساس ديننا العظيم وهو ما فعله فضيلة الإمام محمد عبده وتلاميذه الأجلاء ، لقد كانوا يردون بأسلوب علمي متحضر علي كل ملحد يأتي بحجة تستحق النقاش دون شتم أو سب أو تعنيف ، والجدير بالذكر أن ذلك أدي إلي اختفاء الظاهرة بشكل كبير في عصرهم ،
أما العنف فلن يؤدي إلي انتهاء الظاهرة بل سيؤدي إلي اختفاءها لوقت معين لتعود أقوي مما كانت عليه ، كما أن شبابنا العربى ليس ملحدًا وأصر علي ذلك الرأي ،
معظمهم شباب وجد المتاعب في الدنيا ورأي الكثير من الويلات التي تراكمت عليه وتكثفت بمرور الأيام لتشكل غيومًا فوق عقله، ثم أمطرت بهذه التساؤلات،
هذا النوع من الشباب يحتاج لعقول تتحاور معهم بالعلم ليس أكثر من ذلك،
أما الصنف الثاني الذي اذداد ظهوره هذه الأيام، شباب لا يعرف شيئًا عن الإلحاد أيضًا غير أنهم وجدوا في الإلحاد قضيةً لامعةً تضفي علي وجودهم القيمة التي افتقدوها في أنفسهم ، مثل محامي فاشل ظل أعوامًا طويلةً دون عمل ،
وفي يوم من الايام فوجئ بأحد الناس يقدم بلاغًا ضده في أمر ما ، فذهب مسىرعًا إلي صاحب البلاغ يستأذنه ليتولي القضية ويترافع ضد نفسه ويثبت إدانته ،
كل هذا ليقال عنه ” هذا صاحب قضية ” رغم أن القضية ربما تتسبب في سجنه وهلاكه ،
هذا بالتحديد ما يفعله بعض الملحدين في أوطاننا العربية ، شخص لا يشعر بذاته ، فقرر أن يختلق وجودًا لنفسه ،
وهو لا يستوعب أن بنكرانه وجود الله وبتسليمه للنظريات المادية السذاجة إنما يثبت في النهاية قصور عقله ولن يضر إلا نفسه، وسيهلك بغية الإختلاف والتميز كما فعل المحامي ، هذا النوع من الشباب يحتاج إلي الإحتواء،
ولإثبات تلك الحقائق ، جرب وأنت في زخم نقاشك مع عربي يدعي الإلحاد أن تصلي علي النبي بين كلامك دون استغراق في السكوت حتي لا يفهم مرادك ، وأنا أجزم لك بأنه غالباً سيقول ” صلي الله عليه وسلم ”
هذا لأن المعظم فعلًا لا يستوعب الإلحاد ولا يعرف نظرياته الفلسفية ، ولا يعرف عن الطبيعة أكثر من أن الشمس تشرق كل صباح وتغيب كل مساء ،فلذلك تجدهم أكثر الناس جهلًا بمعني الإلحاد وكفرًا بمحتواه، بينما لا يعرفون ذلك ،
وخلاصة القول في هذه القضية، أننا نحتاج إلى العلم لننقذ شبابنا من كارثة خطيرة تكبر بمرور الأيام، ويساعد في تغذيتها ونموها ذلك الجهل الذي نتعامل به معهم، والعنف الذي يقابلهم..