الخميس الموافق 06 - فبراير - 2025م

حكاياتي مع الملحدين.. أينشتاين الإلحاد (2)

حكاياتي مع الملحدين.. أينشتاين الإلحاد (2)

كتب: عاطف صبيح

هذا البروفيسور الشمال إفريقي يَبهرك عندما تدخل الجروب الذي سخَّره للسخرية من فكرة الإيمان بالله والغيبيات، وله مريدون كثيرون، يكتب في الجروب باللغة العربية؛ من أجل توصيل رسالته الحياتية للعرب، ولكن في محادثته فإنه يستخدم اللغة الفرنسية؛ لأنه يعبر بها أكثر من العربية التي تقيده.
هو حاصل على جوائز عالمية، تجدها منشورة ومثبتة في جروبه، ولديه براءة اختراع وملكية فكرية في إقناع من يجادله، بشكل يجعل أي مؤمن، حتى لو كان إمامًا يحذر من الاقتراب منه فكريًّا؛ لأنه يجيد فن إدارة الجدل، وتحويله للفن الأكثر إتقانًا، وهو إدارة الصراع، وكلها فنون يلقنونها لتلاميذهم من الشيوعيين، وعلوم تُدرَّس لهم، وجذورها تعود إلى سفاسطة اليونان؛ لذا فلا يكفي أن تعرف الحق، وأن تكون صاحب حق، ما لم تكن تملك أدواتك لإثبات أنه حق.
اطلعتُ على جروبه، فاستهواني، وقلت أخيرًا وجدت أحدًا من عينات فرج فودة وعبد الرحمن الشرقاوي وزهدي العدوي ومختار السويفي، وغيرهم من الذين انقرضوا، وكان جدالهم يمثل ثراءً فكريًّا، وينتهي بتبادل الاحترام، ولكن.. وما أدراكم ما لكن!
خاب ظني؛ فقد وجدته لا يتعدى السفسطة الكلامية القشورية، فعرفت سر انتفاخه بالشعور الوهمي بالعظمة.
هو أيضًا استهواه أن يجد مؤمنًا (متخلفًا بمنطقه) يمكن أن يقبل استخدام العقل والعلم، ويحشره في الدين (حسب مكنونات البروفيسور)، وكانت النتائج المُسلَّمة بالنسبة لعقله المحدود أنه سينير لي طريقي (بوصفه تنويريًّا)، ويهديني إلى الإلحاد، ونَفْيِ خرافة وجود إله ذي سلطان على عقل وإرادة واحد من البشر، وبهذا يكون قد أدى رسالة مقدسة للبشرية بتحرير إنسان من الأساطير التي توجهه، وتتحكم في جميع تصرفاته.
هذا ما رأيته داخل مغارة نفسه وهو يرحب بي، ويفسح المجال لموقعة هو قائدُها وسيدُها. وليته ما فعل (وهذا ما صرح به بعد غزوي لعقله ونفسيته).
الجدال كان باللغة العربية وعلى الملأ، يتابعه المهووسون به، والخطاب هادئ، نجحت في أحُول دون ارتفاع نبرته؛ حتى لا يجد ملاذًا لإخفاء هزيمته، لكنه وبكل أسف لم يرتقِ إلى مستوى السابقين من أربابه.
سقط من أول ضربة سقطة مدوية، جعل مريديه مفجوعين به، بدأت جدالي بكلمة فيها الخلاصة: سأجادلك، ليس لتؤمن؛ فالله لم يرشح نفسه لانتخابات لكي يجمع أصواتًا ومؤيدين، وزيادة مؤمن لن تغير شيئًا في الكون ولا في ملكوت الله، ولكن لكي يرى ويقرأ متابعوك، كما أني لو أقنعتُك بالحق، فلن تؤمن؛ لأن الإيمان وجداني لا عقلي؛ فكثيرون يعلمون بالحق، ولا تطاوعهم أنفسهم على الإيمان به، وإبليس الذي تراه خرافة كان أتقى وأعبد وأعلم خلق الله به، ولكن نفسه جعلته ألعن وأكفر خلق الله. دعنا من هذا الكلام، ولننطلق إلى حيث الثراء الفكري والنقاش العقلي.
ثم اشترطتُ عليه، وهذا الأهم، أن يلتزم المنهج العلمي، ولا يلزمني به وحدي، وهنا كانت القاضية؛ لأنه سيكون ملزمًا بالمنطق، وأنا أعلم أن المنطق يوصل إلى الله، فمن المنطق أنه يستحيل أن يتحرك كوب شاي مثلاً من تلقاء نفسه؛ فبمنطق العلية والسببية لا بد من وجود سبب ومحرك للكوب.
وانتظرت رده، الذي تَأخَّرَ كثيرًا، وللأمانة خفتُ أن يرفض، وبهذا يُضيِّع فرصة سماع البعض للحق؛ حتى لا يخبو بريق انبهارهم بفكره؛ فالمسألة بالنسبة له “شو” قبل أن تكون فكرًا.
أخيرًا كتب أنه موافق، ولا يسير إلا بالمنهج العقلاني، وهنا بدأت المنازلة.
قررت أن أحاربه بسلاحه هو، وأن أقتحم دخيلة نفسه؛ لأهزمه داخليًّا، فأخذت آخر منشور نشره في الجروب، وقلت نتجادل حوله، كان فيديو يستشهد فيه بأن الإنسان ليس أعظم المخلوقات ولا آخرها، فقلت له: ومن قال إنه أعظم المخلوقات؟
رد بسرعة: القرآن الذي يقرؤه العبيد.
قلت له: يعني القرآن يرفع من قدر الإنسان، ولا يحطُّ منه، ويجعله عبدًا ذليلاً كما تعزمون.
بدا لي تحفُّظُه، بعد أن كان مُتحفزًا تحفُّزَ الواثق في هجومه. تَماسَكَ، ورد: هذا مثل السيد في قريش الذي يقنع عبده الذي اشتراه بأنه أفضل العبيد.
قلت له: هل سنتكلم عن قبيلة من العصور الوسطى، أم عن الإيمان في زمن العولمة؟
قال: المصدر الذين تأخذون منه هو تلك القبيلة.
قلت له: وسيادتك مصادرك من فلسفات يونانية وقبل يونانية. عمومًا معاليكم تدور بي في دائرة مفرغة.
قال: هذه هي الحقيقة، لكنها ليست حقيقة علمية. دينكم دائرة مفرغة.
قلت: لا.. كلامك هو الدائرة المفرغة. كان الأولى أن تقرأ عن الدين جيدًا لتطعنه عن علم وتمكُّن كما فعل المستشرقون.
وتابعت: عمومًا سأخُرِجُك منها للأرحب، حيث نقطة نلتقي عندها، سواء بالتوافق أو التنافر، بدل أن نفعل مثل الكلب الذي يدور حول ذيله؛ ليعضَّه.
حاول أن يصطنع خناقة من هذا المثال، فقلت له: أنا أضرب مثالاً بجدالي يا بروفيسور؛ فلا تغضب.
أصرَّ على اعتراضه الشديد على المثال؛ لكسب أي شيء، أو تشتيتي، فاعتذرت له، وقلت: أنا أديب وأستخدم صوري وتشبيهاتي من نفس بيئة العمل.. من بيئتي.
وعقَّبْتُ: دعنا من المجاز، فأمامنا بناءً على الفيديو الذي نشرته حقيقة علمية حسب كلامك.
أكد: نعم، الفيديو من وكالة ناسا.
فقلت: لنفترض أني أخذت نفس فيديو وكالة ناسا، وغيَّرْتُ تعليقك إلى “سبحان الله”!
رد على الفور: أنت حر في تعليقك.
قلت: نحن لسنا هنا للحرية النسبية، وإنما للوصول إلى الحقيقة والإلزام بها، مع تأكُّدي من أنني لن أكون حرًّا ولا سالمًا من سخرياتك وتسفيهك لي. والآن ماذا سيكون تعليقك لو أني كتبتُ على نفس الفيديو “سبحان الله! ويخلق ما لا تعلمون”؟
المباراة كانت سهلة جدًّا لسبب بسيط، أنني ألجأته للدفاع، ولم يلجئني هو، فبدا لي كيف أنه هشٌّ.
لذا قلت له: لن أنتظر ردَّك؛ لأني أعرفه؟ عمومًا أنا توصَّلْتُ لنتيجة واحدة لجدالنا.. أني أضعْتُ وقتي، وكنت أتوقع فكرًا أناقشه. لا تشرِّفُني صداقتُك.
وعملتُ له “بلوك”.
بعد قرابة سنة، وجدت طلب صداقة ورسالة باللغة العربية: تُشرِّفني معرفة أول مؤمن أجد لديه عقلاً يفكر.
ولمحتُ من وراء رسالته: خسارة أنك لست ملحدًا.

اقرأ أيضًا:
حكاياتي مع الملحدين.. أهم سمات التنويريين والتحويريين (1)

حكاياتي مع الملحدين.. أهم سمات التنويريين والتحويريين (1)

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79624287
تصميم وتطوير