الخميس الموافق 24 - أبريل - 2025م

«مدير المنتج» .. ردة تسويقية مع سبق الإصرار والترصد

«مدير المنتج» .. ردة تسويقية مع سبق الإصرار والترصد

«مدير المنتج» .. ردة تسويقية مع سبق الإصرار والترصد

بقلم / د. أسامة المنجى

 

ربما لا نبالغ حين نقول أن الكرة الأرضية أصبحت أشبه ما يكون بوسيلة إعلانية هائلة تتخللها بعض الأنشطة الإنسانية، ورجال التسويق من أكثر المتهمين بخلق هذه الضوضاء الاتصالية بكل صورها المقرؤة والمسوعة والمرئية، خلال صراعهم من أجل الترويج لما يقدمونه، في ظل تغيرات وتحولات كبيرة في المفاهيم التسويقية ومداخل تحقيق الأرباح، فالأساليب التقليدية لم تعد صالحة، وأضحى المسوقون الآن يعتمدون مداخل جديدة لتحقيق الأرباح مثل الاستثمار في العملاء وزيادة سهم العميل، والابتكار والتجديد، وتنمية علاقات العملاء. ووسط هذه البيئة الاتصالية المتخمة، والأسواق الذاخرة بالسلع والخدمات، إنخفضت قيمة المنتج وعلت قيمة ما يحققه من مستويات الإشباع، وزادت أهمية إدراك العميل لهذه القيمة وإهمية إعلاء هذا الإدراك. فالتسويق لم يعد يركز على المنتج ولكن على إبراز ما يحققه من منافع، وما يشبعه من رغبات، وأصبح الربح من نصيب من يجيد تحقيق رغبات العملاء، والفوز الكبير لمن يفوق توقعاتهم ولا يكتفي بإشباعهم ولكن يبهجهم بما يقدمه من قيم مضافة، وكلما استطاع المسوق أن يبهج العملاء كلما زاد إقبالهم على المنتج، وقلت الحاجة للجهود البيعية.

إن مصطلح «مدير منتج» الذي مازال مطبوعاً في أذهان الرؤساء التنفيذين، ويزين بطاقات أعمال من يتم تصنيفهم وتوصيفهم على هذا الأساس لم يعد مناسباً للتطبيق العملي للوظائف التسويقية، فالتسويق الآن هو اللاعب الأساسي الذي يخلق الفارق في منظومة التبادل ولا يصح مطلقاً أن توكل مهامه ومسؤولياته بشكل حصري لإدارة وحيدة هي إدارة التسويق إنه أهم وأخطر من ذلك بكثير، ويجب أن تمتد المفاهيم والأهداف التسويقية لتصل إلى الإدارات الأخرى وتحكم سلوكها حتى في أدنى درجات السلم الوظيفي، ففي حين أنت تستثمر في سهم العملاء وتسعى نحو تقديم أكثر من منتج لعميل واحد بدلاً من تقديم منتج واحد لعدد من العملاء، وتعطي الأولولية في استراتيجيتك التسويقية للتوسع الرأسي على حساب التوسع الأفقي، قد ينسف قدر كبير من الجهود المبذولة لتحقيق ذلك، مقابلة سيئة من موظف الاستقبال، أو سلوك خاطئ من إدارة الحسابات، أو المستودعات .. إلخ

إن مصطلح « مدير منتج» يوحي سلباً بأنه مسؤول عن بيع أكبر عدد ممكن من الوحدات خلال فترة زمنية معينة، ويحصره في إطار المهام البيعية، والحقيقة كما قلنا سابقاً أنه يتعامل مع حزمة من القيم والمنافع التي تشبع وترضي حاجات الأفراد، إنه يتعامل مع «سوق» وليس مع «منتج» فهو «مدير سوق» وليس «مدير منتج». خاصة مع التوجه الحديث نحو صياغة المزيج التسويقي الموجه.

هذا الفارق البسيط في الصياغة يقلب الموازيين رأساً على عقب، ويصحح تعريف المفاهيم من المواصفات والشكل إلى الرغبة والقيمة، من السعر إلي التكلفة بالنسبة للعميل، من التوزيع التقليدي إلى تقديم أكبر قدر من الراحة للعميل في الحصول على المنتج، من الترويج إلى جودة الاتصال بالعملاء. ورغم أن هذه المفاهيم ليست جديدة إلا أن تسمية « مدير منتج» تعتبر ردة تسويقية مع سبق الإصرار والترصد، الكارثة الكبرى تحدث عند نقاط الإلتقاء والتداخل بين الجهود البيعية والجهود التسويقية على أرض الواقع، عندما يوجه الرئيس التنفيذي تعليماته لـ «مدير المنتج» أن يهتم بتحقيق أرقام المبيعات المطلوبه ويتفرغ لذلك، ويترك المهام التسويقية لإدارة التسويق.

إن التسويق ليس مجرد إعلانات ووسائل ترويج تتم بمعزل عن الاحتياجات الدقيقة للعملاء كل على حده وإلا صار أداة لاستنزاف موارد الشركة، وعندها سنجد الكثير من الشركات عندما تتعرض لأية هزات مالية أو انخفاض في مستويات الأرباج تمتد يدها أول ما تمتد إلى تقليص مصاريف التسويق. ومدير السوق – الذي يطلق عليه مدير المنتج- هو الأكثر التصاقاً بالعملاء والأكثر دراية باحتياجاتهم والأقدر على صياغة منظومة التسويق الموجه. ولا يلغي ذلك دور إدارة التسويق أو مدير التسويق، ولكن على العكس فهو يأصل لدورها الحقيقي، في التنسيق بين الحزم التسويقية المتعددة المصاغة وفقاً لاحتياجات العملاء الواردة من مدراء الأسواق، والتنسيق معهم لصياغة الخريطة التسويقية وتوقيتاتها. فإذا كان مدراء الأسواق مسئولين عن إدارة علاقات محددة بالعملاء، فإن إدارة التسويق مسؤولة عن إدارة علاقات العملاء جميعاً.

يجب أن يدرك الرؤساء التنفيذيين، والمسئولين عن صياغة الخطط العامة أهمية التحولات الحادثة، وضرورة إعادة صياغة المسميات والتوصيفات الوظيفية بما يتناسب مع تلك التغيرات. وتفعيل الخطواط والإجراءات التي تضمن التطبيق الفعلي على أرض الواقع، فنحن بالفعل نمتلك المنتج ولكن غايتنا هي امتلاك السوق، وفي بعض التطبيقات العملية قد يجد مدير السوق نفسه أمام إشكالية تسويقية تدفعه لشراء نفس المنتج الذي تقدمه شركته من مورد آخر، عندما تكون هناك مزايا تفضيلية أو فرصاً متاحة لامتلاك قدر أكبر من السوق أو الهيمنة عليه، هنا يتلاشى مفهوم مدير المنتج تماماً وتصبح السيطرة لمدير السوق الذي يجب أن يُمنح الصلاحيات والسلطات التي تسهل له اتخاذ القرار.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

إعلان بنك مصر

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 81256908
تصميم وتطوير