الخميس الموافق 27 - فبراير - 2025م

قصة قصيرة بعنوان ,, مـــد وجـــزر ,,

قصة قصيرة بعنوان ,, مـــد وجـــزر ,,

مقتطفات من الركن الأدبي بجريدة البيان
اعداد ومتابعة/ محمد سليمان السمالوسي

للكاتبة /الشيماء صلاح الدين الملقبة بـ , بنت الثغر ,

*جلسا متقاربين ولكن كلا منهما ينظر فى جهة مغايرة،كلاهما يختلس النظر بإتجاه صاحبه،كانت تقطب جبينها وكذلك كان يفعل،حاول مرارا أن يلمس يدها بيده التى تسللت بقربها ولكنها كانت تبعد يدها بسرعة،ضايقه ذلك منها،كيف تتصرف معه على هذا النحو؟ ولماذا الآن؟ هل تسرع فى إتخاذ قراره بشأنهما؟ وإن كان قد فعل ، فهل من سبيل للرجعى؟

*ترقبه كلما أشاح بوجهه عنها،تدور أسئلة كثيرة فى خلدها ،ونفسها تلومها على ما وافقته عليه بالأمس،أنه غاضب جدا وهى تخشى مصارحته بما تحدثها به نفسها،ولكن إذا كان هذا حالهما الآن فكيف سوف يصبحا بعد هذه الليلة؟تسرى فى جسدها رجفة من ذكر ليلتهما هذه وما أتفقا على أن يتماه فيها.

*تجفل لسماعها رنين هاتفه،يلاحظ ذلك ،ويحاول أن يهدئ من روعها وأن يبدو متماسكا إذ أفزعه الرنين وأخرجه من شروده هو الآخر.

*يخبرها أن المتصل صديقه ويجيب على الهاتف مبتعدا عنها بخطوات،كانت تحاول أن تسترق السمع لتعرف ما الذى يتفقان عليه،إنها المرة الأولى التى تشعر بذلك الخوف يعتريها وهى بقربه،بل أنها تشعر أنها تخافه هو،عيناها تتفحصان ملامح وجهه علها تستشف منه مايدور فى عقله فى هذه اللحظة ولكن بلا طائل،فلاذت بصمتها وعادت لشرودها.

*يسأل صديقه أن يحضر لمكان لقائهما بسرعة،ويبثه قلقه ومشاعره المتضاربة ويسأله أن يصدقه القول هل تسرع فى إتخاذ قراره؟؟ مازحه صديقه مزاحا ثقيلا وأخبره أنه ربما يخشى تلك الليلة الأولى التى سوف تجمعه بحبيبته بلا رقيب وأنه يغبطه على تلك السعادة التى سوف ينالها هو وفتاته بعد ساعات قليلة ،كان يستمع لكلمات صديقه ونصف إبتسامة رسمت على شفتيه.

*أنهى مكالمته بضحكة عالية جعلتها ترمقه بنظرة ملؤها العتاب،أقترب منها ،وهو يبتلع بقايا تلك الضحكة،أخبرها أن صديقه فى الطريق إليهما وأنه بصدد إحضار تلك الورقة من مكتب شقيقه المحامى،أضطربت ،ولكنها حاولت أن تخفى ذلك وهى تسأله عن ما قاله له صديقه وأستوجب تلك الضحكة العالية،تلعثم ثم أخبرها أنه شئ غير ذى أهمية،لكنها لم تصدقه خاصة عندما نظر لبعيد وعلت وجهه تلك الإبتسامة مجددا،يخبرها أحساسها أنه وصديقه كانا يتحدثان عنها وعن هذه الليلة التى ستغير حياتها للأبد.

*أمسك يدها وضغطها بيده وأخذ يتفرس ملامحها وكلمات صديقه وخيالاته عن تلك السعادة والنشوة التى يتمنى الحصول عليها تدور فى رأسه،نظرت لعينيه وهى تنكر نظراته تلك التى تغزوها بقوة،تراه الآن رجلا آخر نظراته تلامس جسدها رغما عنها،حتى كلمة أحبك تسمعها منه وقد غلفت الرغبة صوته الهامس ليبدو لأذنيها أقرب للفحيح الذى يثير خوفها،كانت نظراته تزداد ضراوة كلما إزداد خوفها،أستجمعت قوتها وسحبت يدها من يده،إنتبه فجأة لنظرة الرعب على وجهها،فأضطرب وحاول أن يطمئنها وافتعل دعابة عن أن جمالها اليوم يبدو مختلفا وجذابا إلى أقصى حد،رسمت إبتسامة باهتة على شفتيها وعقدت ذراعيها على صدرها محاولة لملمة شتات نفسها.

*شعر بتوترها ،لام نفسه على عدم قدرته على إخفاء مايجيش فى صدره عن عينيها المرتعبتين،ناداها فخرج صوته متحشرجا مرتبكا ولكنه لم يهتم ،سألها هل تعرف لماذا أختار هذا المطعم بالتحديد ليلتقيا فيه اليوم؟نظرت له بعينين مرتعبتين متشككتين،تجاهل خوفها وأبتسم وهو يخبرها أنه أراد أن تكتمل قصة حبهما بأرتباطهما الأبدى فى المكان ذاته الذى بدأت فيه،أقترب منها ومرر كفه على خصلات شعرها وهو يخبرها بأنها منذ الليلة سوف تغدو زوجته ومحبوبته ولن يقدر كائنا من كان أن يبعدها عنه،يربت على كتفها برقة ،يشير للنادل الذى يأتيه مسرعا ،يختار من قائمة الطعام كل ماتفضله هى من أطعمة وحلويات،يغادر النادل طاولتهما بنفس سرعة حضوره،تنظر له وقد هدأ خوفها قليلا،أراد أن يعتذر عن مابدر منه،هى تعرف ذلك،أنه يتصنع متابعة منظر البحر من النافذة المجاورة لطاولتهما ليخفى مايشعر به من حرج،لا يمكنه الأعتذار ببساطة،هذه هى طبيعته،تنظر لملامحه التى تعشقها،سوف تصبح زوجته بعد سويعات قليلة،ليست الطريقة التى تمنتها عندما تقابلا لأول مرة ،لكنها سوف تصبح زوجته على أية حال،سوف تجمعهما غرفة يغلق بابها عليهما دون العالم،سوف تلقى بنفسها بين ذراعيه ويحتويها لتولد من بين أضلعه مرة أخرى ،تتنفس أنفاسه وتستنشق عطره،يهبها قلبه وتهبه نفسها.

*تمتلئ الطاولة أمامهما بالطعام الذى يشرعان فى تناوله،يراقبها وهى تأكل ،يديها الرقيقتين تمسكان أدوات المائدة بنعومة،شفتاها الشهيتان بدتا أكثرة إثارة وإغراءا من ذى قبل،ذلك الجسد طاغى الأنوثة الذى طالما أشعل نارا داخله سوف يلبسه ثوبا من إختياره أشتراه قبل أن يأتى للقائها ،سوف تبدو فاتنة فى ذاك الثوب الأزرق بزرقة البحر،تموجات جسدها اليافع سوف تجعلها تشبه صفحة الماء بين المد والجزر.

*يذكرها بأيام كانت لهما فى هذا المكان،يروى لها الذكرى تلو الأخرى فيثير ضحكاتها ويفك أسرها من ذاك الخوف الذى كبلها منذ قليل،يسترجعان لحظات تضافرت فنسجت قصة حبهما منذ أن تقابلا فى الجامعة مع بداية العام الماضى،كيف لفت إنتباه صديقاتها كلهن إليه ولم تعره هى إنتباها،وكيف ظل يراقبها ويحفظ جميع تحركاتها حتى يتحين الفرصة المناسبة للحديث معها،تحكى له كيف كانت تراه من حيث لا يراها وتراقبه وتخفى ذلك عنه،

*تروى سعادتها حينما ترى شوقه يطل صريحا من عينيه،يلوم عليها أفعالها تلك ويخبرها أنها بما فعلت أنقصت من عمر قصة حبهما أياما عديدة،تخبره أنها كانت تراقبه حتى تحفظ ملامحه وحركاته وسكناته بين جفنيها حتى إنها كان يخيل إليها إنها تراه فى غرفتها يجالسها،يبتسم لها أو حتى يطبع قبلة ناعمة على جبينها،يقاطعها وقد اتسعت إبتسامته،ويخبرها أنها اليوم سوف تكون معه فى غرفته ،وحدهما،يقترب منها حتى تكاد شفتيه تلامس أذنها هامسا بأنه لن يكتفى أبدا بقبلة ناعمة على جبينها وأنه لن يرضيه غير شفتيها الورديتين، تخفض وجهها ،لكن عيناه تعلقتا بوجنتيها التى علتها حمرة زادته رغبة فى إحتضانها وإبقائها بين ذراعيه للأبد.

*أصوات مألوفة تقتحم أذنه وتخرجه من خيالاته الحالمة،إنهما صديقيه،يلقيا التحية فيردها بذهن شارد،أحد الصديقين ينتحى به جانبا،يخبره أنه أتم كل ما طلبه منه،كل ما قد يحتاجان إليه موجود الآن فى شقته وماعليهما سوى الإستمتاع بليلتهما سويا،قال صديقه جملته الأخيرة وهو يلكمه فى ذراعه ويبتسم إبتسامة ذات مغذى.

*صديقه الآخر كان قد أتخذ مقعده من الطاولة،وآخذ يتقمص شخصية المأذون ، وأخرج من جيبه منديلا أبيض اللون،وعدل وضعية قبعته،وسألها عن بطاقتها الشخصيةوكذا فعل معه،وبدأ يمثل دوره كمأذون ببراعة وخفة ظل أنتزعت ضحكاتهم جميعا.

*شعرت بالحرج الشديد من مزاح صديقيه معه،إذ لم يتوقفا عن إلقاء النكات التى تشير بشكل أو بآخر لتلك الليلة الأولى لهما كزوجين،وبدا الضيق واضحا على وجهها ،فآثر الصديقين الرحيل،بعد أن أعطياه نسختين من عقد الزواج العرفى الذى وقعا عليه منذ دقائق.

*تأبطت ذراعه،وسارا سويا بإتجاه منزله،كان يجذبها إليه أكثر طوال الطريق ، شعرت بدفء جسده يسرى إليها،شعرت بقوة غريبة تعتريها،ليست المرة الأولى التى تتأبط فيها ذراعه،ولكنها اليوم،تشعر بأنها ليست خائفة من نظرات الناس حولهما،هل لتلك الورقة المذيلة بتوقيعهما والتى تعلنهما زوجا وزوجة،وإن كان زواجا عرفيا لا أحد يعرف به سوى صديقيه،علاقة بتلك القوة التى تحسها؟

*ظلت الأسئلة تدور فى رأسها رغم سعادتها بإقترانها به،إقتربا من منزله ،هكذا أخبرها،لاتدرى لماذا خطرت لها فكرة أن يلتقطا صورة سويا الآن؟ أخبرته بفكرتها،لكنه لم يبدى حماسا للفكرة،توسلت بإبتسامتها ونظرة طويلة لعينيه،وافق تحت تأثير تلك النظرة وتلك الإبتسامة،بالقرب من محل التصوير الفوتوغرافى،تقف، لا تتحركة خطوة واحدة وكأنها أصبحت تمثالا رخاميا،إذ كان أمامها موكب زفاف لعروسين يستعدان للدخول لأخذ صورة تذكارية ليوم زفافهما،إلى جوارها كان واقفا يراقب هو الآخر،لكنه نظر لوجهها ولمحة تلك العبرات تدور فى عينيها تكاد تسقط على وجنتيها المحتقنتين،ربت على كتفها فى هدوء،وأخذ يضغط على يدها بين يديه،فسارت معه دون أن تنطق بكلمة.

*عند باب شقته،حاول أن يبعد تلك السحابة من الوجوم التى علت وجهها،فناداها،وما أن رفعت وجهها لتنظر فى عينيه حتى حملها كطفلة بين ذراعيه ،وأخبرها أنها قد أضاءت حياته منذ أول لحظة وقع عينيه عليها وأنها اليوم أدخلت السعادة لبيته كما لقلبه،أبتسمت إبتسامة جاهدت حتى لا تبدو باهتة ،وأراحت رأسها على كتفه بينما هو يحملها متجها لغرفته.

*أجلسها على سريره،وأحضر من خزانة ملابسه علبة أحاطها شريط حريرى معلق بطرفه ورقة مطوية،قدمه لها بدون أن يتكلم وغادر الغرفة وأغلق الباب خلفه،أسرعت للعلبة تعالج شريطها الحريرى بعد أن قرأت تلك الورقة المعلقة فيه والتى أخبرها فيها أنها هديته الأولى لها وأنه يحبها لأنها اليوم أجمل عروس ، وجدت ثوبا أزرق بزرقة البحر ، أرتدته ووضعت عطرها ، وخرجت إليه كحورية بحر أسطورية كانت تقف أمامه،يسبقها شذى عطرها ليزيدها إغراءا ونعومة وأنوثة،لم تطل مقاومته لكل ذلك السحر الذى يقطر منها .

*أسرع إليها ليطبع على شفتيها قبلة لا تطفئ نارا مستعرة فى داخله بل تزيدها إشتعالا ولهيبا،يحتضنها وكأنه يريد أن يعيدها لذاك الضلع الذى خرجت منه ،تفاجئه دموعها التى إنهمرت كالسيل على وجنتيها،وجسدها يهتز بين يديه مضطربا بإضطراب أنفاسها المتقطعة من آثر البكاء .

*حاول أن يهدئ من روعها وأن يكفكف دمعها بيديه،حاول أن يفهم سر تلك الدموع ،حاولت أن تتحكم فى أنفاسها اللاهثة وأخبرته بكلمات متقطعة،إنها تشعر بأنها تستحق زفافا مثل تلك العروس التى شاهداها منذ برهة،تستحق أن ترى تلك السعادة فى عينى والدها وهو يزفها لزوجها،تستحق أن ترتمى فى أحضان أمها مودعة أيام الطفولة ومستقبلة حياة جديدة بعيدا عن كنف أسرتها،نظرت له بعتاب وبعينين دامعتين وهى تسأله ألا تستحق ذلك كله ؟ أم تراه لا يراها ترقى لذلك ؟

*كان يستمع لها فى صمت حتى أنهت كلماتها وأنخرطت فى البكاء مجددا ، أحتضنها وطبع قبلة رقيقة على جبينها وقال لها فى لهجة آمرة وبصوت يكاد يختنق بالعبرات:أرتدى ملابسك ،سأوصلك حتى منزلك ، ولن أغادر حتى أحتسى فنجانا من القهوة مع والدك الذى أشك فى أنه قد يقبلنى زوجا لك ولكنى سأحاول مهما كلفنى الأمر ،لأنك تستحقين هذا وأكثر .

 

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

إعلان بنك مصر

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 80082720
تصميم وتطوير