في تطور استراتيجي مفاجئ يعكس التصعيد المحتمل في الأزمة بين أمريكا والصين، عبرت سفينتان حربيتان أمريكيتان من مضيق تايوان، أمس السبت، لتنقل -وفق البعض- أبعاد التوتر بين البلدين من حرب تجارية إلى ما هو أبعد ذلك، في ظل التفسيرات التي تنظر إلى هذه الرحلة كمؤشر على دعم الرئيس دونالد ترامب للجزيرة التي تحكم نفسها.
الكابتن تشارلي براون المتحدث باسم الأسطول الأمريكي في المحيط الهادي، قال في بيان نشرته رويترز ”قامت سفينتان من البحرية الأمريكية بمرور روتيني في المياه الدولية لمضيق تايوان يومي 7و8 يوليو (بالتوقيت المحلي)“.، مضيفًا ”تمر سفن البحرية الأمريكية بين بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي عبر مضيق تايوان وفعلت ذلك لسنوات عديدة“.
كما أشار مسؤولون أمريكيون، طلبوا عدم نشر أسمائهم، إلى أن المدمرتين موستين وبنفولد نفذتا المرور بمضيق تايوان، فيما قالت وزارة الدفاع في تايوان إن السفينتين تتحركان في اتجاه الشمال الشرقي وأضافت أن الوضع يتوافق مع القواعد.
الوزارة وفي بيان لها أكدت على دخول السفينتين ” المضيق الذي يفصل بين تايوان والصين صباح السبت، ومن المتوقع أن تواصلا الإبحار باتجاه الشمال الشرقي”، موضحة أن “الجيش يراقب الوضع في المناطق المجاورة، ولديه الثقة والقدرات للحفاظ على الاستقرار الإقليمي والدفاع عن الأمن الوطني”.
وفيما أبلغ مسؤول في الجيش التايواني وكالة فرانس برس أن المدمرتين كانتا في المضيق مساء السبت، وهما تبحران في ما وصفها بـ”المياه الدولية“، قالت صحيفة جلوبال تايمز التي تديرها صحيفة الشعب اليومية على تويتر ”الولايات المتحدة تزيد التوترات في مضيق تايوان“.
أجواء متوترة
لا يمكن فصل التحركات الأمريكية الأخيرة عن حالة التوتر التي تخيم على الأجواء بين بكين وواشنطن من جانب، وبين بكين وتايبيه من جانب آخر، وهو ما دفع البعض إلى أن الدفع بمدمرتين في المياه التايوانية إما أن يكون استفزاز للصين أو رسالة غبر مباشرة لها قد تحمل صبغة الابتزاز وفق ما ألمح إليه مقربون من دوائر صنع القرار هنا وهناك.
الملفت للنظر أن هذا التصعيد جاء بعد أقل من يوم على بدء تنفيذ التهديد الأمريكي بفرض رسوم جمركية على بضائع صينية تبلغ قيمتها 34 مليار دولار، بنسبة تقدر بنحو 25 في المئة، والذي دخل حيز النفيذ الفعلي بعد منتصف ليل السادس من يوليو/تموز بالتوقيت الأمريكي.
وفي المقابل، ردت الصين على القرار الأمريكي بفرض نسبة مماثلة (25 في المئة) من الرسوم على 545 منتج أمريكي، تبلغ قيمتها هي الأخرى 34 مليار دولار، متهمة واشنطن ببدء “أكبر حرب تجارية في التاريخ الاقتصادي”.
وزارة التجارة الصينية وصفت الرسوم الأمريكية الأخيرة بأنها “أول طلقة” في مضمار الحرب التجارية بين البلدين، مشيرة إلى حرص بلادها على ألا تكون صاحبة البداية، غير أنها “مجبرة على الرد لحماية مصالح شعبها”.
يذكر أن ترامب وفي أوائل العام الجاري أمر السلطات المختصة بفرض رسوم جمركية على ما قيمته 50 مليار دولار من البضائع الصينية، وبدء تنفيذ أول دفعة الجمعة الماضية، كجزء من سياسته المؤيدة للحماية، والتي قوضت سياسات حرية التجارة التي شكلت التبادل التجاري في العالم في العقود الأخيرة.
الرئيس الأمريكي حينها برر فرض هذه الرسوم بأنها تهدف إلى وقف “نقل التكنولوجيا الأمريكية غير العادل، وحقوق الملكية الفكرية إلى الصين” وحماية الوظائف، مهددًا بفرض نسبة 10 في المئة على بضائع صينية إضافية تبلغ قيمتها 200 مليار دولار، إذا “رفضت بكين تغيير سياساتها”.
وفق خبراء فمن المتوقع أن تؤثر الرسوم الجمركية التي أعلن عنها حتى الآن في نحو ما نسبته 0.6 في المئة من التجارة العالمية، وتمثل 0.1 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي، بحسب قاله موقع مورغان ستانلي، فيما عبر محللون عن قلقهم من تأثير الرسوم في اقتصاديات الدول الأخرى من جانب، ومن تصعيد التوتر بين الولايات المتحدة والصين من جانب آخر.
الضغط عبر ورقة تايوان
تعد تايوان الورقة الأكثر تأثيرا في تحديد بوصلة العلاقات الأمريكية الصينية، ولعل هذا ما يفسر تأرجح موقف واشنطن حيال السلطة الحاكمة في الجزيرة ذاتية الاستقلال خلال العقود الأخيرة، طرديًا مع قبلة العلاقات مع بكين، ويقينًا كلا الطرفين يعلمان ذلك جيدًا.
منذ نهاية الحرب الأهلية الصينية عام 1949، وعقب تمتع تايوان بحكم ذاتي، تحكم الدولتين سلطتان متنافستان، وتتسم العلاقات بينهما بالعداء، المعلن أحيانًا والمستتر أحايين، خاصة مع تصميم الصين على اعتبار تايون جزءا لا يتجزأ من أراضيها، ولا تستبعد استعادتها بالقوة في حال أعلنت استقلالها.
بكين وعلى مدار العقود الخمس الأخيرة بذلت كافة الجهود للحيولة دون منح تايبيه أي اعتراف دولي، وغلق كافة النوافذ أمام توسعة علاقاتها الدبلوماسية، فحالت دون حصولها على عضوية الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية، ومع وصول الرئيسة التايوانية الحالية، تساي اينغ وين، إلى السلطة قبل عامين، ازدادت عدائية بكين، التي لا تثق بالحزب الحاكم للجزيرة، كونه الأكثر دعما لفكرة الاستقلال، وهي الخطوة التي تعارضها الصين ولا تعارض أن تشن لأجل منعها حربًا شاملة.
أمريكيًا.. فقد تراجعت واشنطن عن اعترافها الدبلوماسي بتايون عام 1979، حرصا على علاقاتها مع بكين، ورغم ذلك لا زالت تحتفظ بعلاقات تجارية مع الجزيرة، وتعدّ أبرز مصدري السلاح لها، وهو ما أثار حفيظة الصينيين أكثر من مرة، وهو ما أثر على توجهات الصين الخارجية حيال عدد من الملفات التي تعد أمريكا طرفًا فيها.
وفي الأشهر الأخيرة على وجه الخصوص، ومنذ تنصيب ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، تقاربت العلاقات مع تايوان بشكل غير مسبوق، خاصة مع إقرار الرئيس الأمريكي قواعد جديدة تسمح لكبار المسؤولين الأمريكيين بالسفر إلى الجزيرة. كما وافقت واشنطن على السماح لمتعاقدين أمريكيين بمساعدة تايوان في بناء غواصات عسكرية.
سيناريوهات محتملة
حالة من احتباس الأنفاس تسيطر على الاقتصاد العالمي خلال الأيام الأخيرة بسبب تحركات ترامب المفاجئة، والتي أثارت قلق بعض المسئولين داخل إدارته أيضا، نظرا لما يمكن أن يترتب على سياساته الجديدة من تغيير واضح لملامح الجغرافيا السياسية في العالم خلال المرحلة المقبلة.
صحيفة “كلارين” الأرجنتينية في تقرير لها تحدثت فيه عن الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، أوضحت أن الصين تعتزم الاحتفال بالذكرى الأربعين لعملية الإصلاح والانفتاح والمقررة في ديسمبر/كانون الأول وهي مقتنعة بأنها ستتمكن من التخلص من الضغط الشديد الذي فرضه البيت الأبيض، وفق استراتيجية تعتمد على تحويل حماية ترامب إلى وسيلة تكلفه الكثير، وإخضاع القطب الأمريكي وتوجهاته غير العقلانية عبر هذه الضربة.
الصحيفة استندت في تقريرها إلى شهادة أحد رجال الأعمال الأمريكيين الذي حذر من توجهات الرئيس الأمريكي الجديد التي أدت إلى تراجع عدد مواطن الشغل، وغيرها من التداعيات الأخرى التي تسببها هذه السياسات، على رأسها تذبذب الاحتياطي الفيدرالي؛ وهو ما حذر منه صندوق النقد الدولي. بالإضافة إلى ذلك، سلطت هذه التحذيرات الضوء على حالة عدم اليقين وتنامي المخاطر التي تهدد رجال الأعمال.
غرفة التجارة الأمريكية بدورها نوهت “بسلسلة المخاطر” التي ستتولد بموجب تطور هذا الصراع، وإمكانية تحوله إلى “حرب تجارية دولية”، إذ ترى في نفس الوقت أنه في هذا السيناريو، ستعمل جميع الجهات الفاعلة على “عزل نفسها من أجل تثمين جهودها لضمان البقاء على قيد الحياة”.
تلك المخاطر دفعت بكين – بحسب الصحيفة – إلى التقرب نحو أوروبا، كونها فرصة لجعل الولايات المتحدة تقف أمام طريق مسدودة عندما تفشل سياسة الاقتصاد المغلق، ولعل هذا سيكون محور النقاش خلال الندوة السنوية بين الاتحاد الأوروبي وبكين المتوقع عقدها بتاريخ 16 و17 تموز/ يوليو الحالي في عاصمة العملاق الصيني.
وبينت الصحيفة أن ما سيتم الإعلان عنه خلال هذه القمة سيحدد ملامح الجغرافيا السياسية للعالم، وهو ما ألمح إليه، ضمنيًا، نائب رئيس الوزراء، ليو هي، حين أشار إلى أنه سيتم الإعلان عن انفتاح على الاستثمارات الأوروبية، لم يسبق له مثيل. كما أكد أن هذه الإعلانات ستكون تاريخية.
الكاتب الصحفي الأمريكي، بول وايزمان، في تقريره الذي نشرته وكالة «أسوشيتد برس»، كشف النقاب عن كواليس الحرب الاقتصادية المُوشكة بين الصين وأمريكا: ما الذي يحدث؟ وما الآثار المحتملة؟، لافتًا إلى أن الدفعة الأولى من الرسوم التي فرضتها واشنطن لن تسبب إلا أذى قليلًا للولايات المتحدة والصين أو الاقتصاد العالمي، ولكن تصاعد الأمور قد ينشر الضرر ويعمقه.
غير أن التخوفات ربما تكون أكثر حدة حال استمرت تلك الحرب عام كامل على سبيل المثال، إذ أنه في هذه الحالة من المتوقع أن يتباطأ الاقتصاد الأمريكي، وستُضر سلاسل التوزيع وستهتزّ ثقة قطاع الأعمال مع تزايد الارتباك وعدم الوضوح، فوفقا لحسابات معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، فإن 8% من المنتجات الصينية التي ستتضرر بالرسوم المبدئية الجديدة، هي منتجات تستخدم كآلات وعناصر لإخراج المنتج النهائي في المصانع الأمريكيّة. والنتيجة الأخيرة: على المصنعين الأمريكيين أن يدفعوا أكثر للوصول إلى نفس الأدوات والمواد، ما سيُضعف موقفهم التنافسي مع المنافسين الأجانب.
وبينما تثير مثل هذه التحركات مخاوف الجميع بلا استثناء، غير أن محللين يستبعدون إقدام كل من واشنطن أو بكين على تجاوز التصعيد بينهما السقف المسموح به، مرجحين أن تكون الخطوة الأمريكية الأخيرة لا تعدوا كونها رسالة تهديد وابتزاز في نفس الوقت.
إدارة ترامب وعلى لسان وزير الخزانة، ستيفن منوشين، ترى أن الحرب التجارية مع الصين «مُعلَّقة» لا يمكن حسمها في الوقت الراهن، فيما أشار لاري كودلو، أرفع مستشار اقتصادي في البيت الأبيض، إلى أن البلدين «على تواصل»، مع عدم صدور أيّ تصريح رسمي عن مفاوضات، فيما كشف ترامب شخصيًا في مقابلة على «فوكس نيوز» بأن «الصين تريد عقد صفقة وأنا أريد كذلك. لكن يجب أن تكون صفقة عادلةً لهذا البلد –أمريكا-.”