Site icon جريدة البيان

شفاعة سيدنا عيسى

شفاعة سيدنا عيسى

شفاعة سيدنا عيسى
بقلم : د . محمد أبو العلا
من اللطائف القرآنية تفسير قول الله تعالى في الحوار الذي دار بينه وبين نبيه عيسى عليه السلام عندما قال الله تعالى له في سورة المائدة: “وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ ۚ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ۚ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ۚ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) ، ثم قوله في نهاية الحوار بمنتهى الأدب، وبعدم الحكم بما ليس له، فليس له أن يُملي على الله خالقهم أن يعذبهم، وإن كانوا يستحقون ذلك العذاب بما صنعوا، لكنه يحكم من منطلق بشريته ومقامه، فليس للخلق أن يُملي على الحق شيئاً، لذلك قال: “إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ۖ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)”، ويحلو للبعض تفسير هذه الآية بإنكار الشفاعة، وأن الله لم يقبل شفاعة سيدنا عيسى في قومه، ومنهم دكتور مصطفى محمود وآخرون، والحقيقة أن الله تعالى لو أنكر أو استنكر شفاعة عيسى في قومه لرد عليه شفاعته بمنتهى القوة كما فعل مع سيدنا نوح وهو من الأنبياء أولي العزم أيضاً عندما قال في سورة هود: “ونَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45)” فكان الرد الإلهي عليه في منتهى القوة حيث قال : “قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46)”، فلو كان الله تعالى قد أنكر شفاعة عيسى كما فهمت لرد عليه كما رد على نوحٍ وكلاهما من أولي العزم كما ذكرت، لكن الله تعالى لم يرد عليه مثل هذا الرد لن أقول لقبوله شفاعته في قومه من عدمها، وإنما لاستحسان رده وحجته وعدم حكمه وهو نبي بما لايملك، لأن العذاب والرحمة بيد الله، ولهذا كان رد الحق تعالى عليه بقوله : قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119)”، وبالقياس على الآية “لِّيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ ۚ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8) في سورة الأحزاب”، التي قيل في شأنها أن المقصود بالصادقين الأنبياء، فإذا كان الأمر كذلك، فإن قوله تعالى “هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ” أنه إما قبولٌ لشفاعته، لأنه لا يشفع عنده أحدٌ إلا بإذنه، لأنه قال ” لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” فمعلومٌ أن الأنبياء مبشرون بالجنة، فيكون المقصود قبول شفاعته فيمن يقبل ويرتضي شفاعته لهم من قومه، أو قبولٌ لرده وإن كان يعلم أن عيسى لم يقل وليس في معرض الاتهام، وذلك لقول سيدنا عيسى نفسه “إن كنت قلته فقد علمته تعلم مافي نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب”، فإن كان هذا حال النبي بتأدبه الجم مع الله، فلمَ نقحم أنفسنا بالقول والحكم على خلق الله بالجنة أو النار؟ لمَ نتهم غيرنا بالشرك وهو أعلم بحالهم منا؟ وهو القائل “ومايعلم جنود ربك إلا هو” فحتى معرفتنا بالآخر نسبية سطحية لا تخضع لحكمٍ أو لقول، ولا يعرفها إلا الحق خالقها. نسأل الله لنا ولكم الهداية.

Exit mobile version