السبت الموافق 08 - فبراير - 2025م

“سامح المغازي”.. يكتب: 《أمي الشهيدة.. وحشتيني》  

“سامح المغازي”.. يكتب: 《أمي الشهيدة.. وحشتيني》  

“سامح المغازي”.. يكتب: 《أمي الشهيدة.. وحشتيني》

 

إن أفضل درجات الموت هو الإنسان الذي مات شهيدا، وندعو الله أن يبلغ والدتي أعلى منازل الشهداء، وأن يجمعني معها في الفردوس الأعلى.

وبرغم مرور عام كامل على رحيلها إلا أن روحها الطاهرة لا تزال تحوم حولي وداخل منزلنا، فلا يوجد شيء يمكنه أن يعوضني فقدان الأم خاصة مع طغيان مشاعر الجحود والنكران بين الناس سواء للقريب أو للبعيد، وبفقدها تأكد لي أن كيانا رئيسيا في حياتي قد انهار خاصة بعد وفاة الأب منذ 23 عاما.

إلا أن عزائي الوحيد أن نبضها الدافئ لا يزال يجري في دمائي أحس به يقودني نحو طريق الخير فأنا أعيش بدعواتها لي التي تعطيني الأمل على الاستمرار في تحدي الصعاب.. فقد كنت أداعبها في كل الأوقات خلال مكوثي في المنزل حيث كانت والدتي فاقدة للنطق منذ أكثر من 20 سنة وتحديدا بعد وفاة والدى وسفر أختي الكبرى للخارج حيث تعرضت للإصابة بعدة جلطات دماغية، موجها كلامي لها: هل أنتِ راضية عني؟ فكانت تبتسم وتشاور بأيديها وتهز رأسها، أي أن الجواب نعم، وأوقاتا كانت تشاور لي بـ”لا” حيث كنت دائما أمنع عنها أي مأكولات أو مشروبات تعشقها تضر بصحتها طبقا لتعليمات الأطباء إلا أن أعطيها كميات صغيرة وتنظر لي مبتسمة كابتسامة الأطفال الأبرياء كأنها تحدثني قائلة: “راضية عنك يا بني”.

في مثل هذا اليوم مررت بأصعب لحظات حياتي، وأي لحظات ممكن أن يمر بها أي إنسان فقد كان اليوم يسير على ما يرام حيث كنت منهمكا في عمل تقرير هام للجريدة التي أعمل بها، تحديدا في الساعة الثانية فجرا، وكنت جالسا في حجرة خارجية تتبع المنزل وبجواري جهاز كمبيوتر (لاب توب) وكوب شاي وكنت بين الحين والآخر أذهب لحجرتها لأطمئن عليها حيث كانت والدتي تحتاج طوال مدة مرضها للكثير من الماء وفي الساعة الثالثة و9 دقائق كانت آخر نظرة لها لي عندما تسلقت دولاب الغرفة لإحضار شيء مهم لعملي، وبعدها أغلقت الأنوار وخلدت للنوم.

لم أكن أتخيل أني سأصحو على فاجعة كبرى داخل منزلنا وسأفقد والدتي والتي لولاها لكنت أنا وأخى في عداد الموتى.. رحلت أمى وتركتنى في دنيا يسودها النفاق والأحقاد وسواد القلوب، فقد كانت الثوب الأبيض النقي وسط مساحات الغيوم.

رحلت من كانت تؤكد لي أن أن فرج ربنا قادم.. رحلت من علمتني الصبر والثبات والصمود بتحملها آلام المرض لأكثر من عشرين عاما.. رحلت أمي دون سابق إنذار وفي القلب حسرات وآلام لا عد لها ولا حصر.. رحلت دونما أن تمنحني فرصة للتكفير عن الأوجاع التي سببتها لها دون قصد لن أنسي قبل وفاتها بساعات حينما طالبتنى بإعطائها كوب شاي ورفضت خوفا على صحتها.

رحلت لأقف على أبواب أرحم الراحمين متوسلا أن يجعل كل ما أفعله من خير في ميزان حسنات أمي.. رحلت وقد أكرمها المولى تعالى بأن تعيش في هدوء وترحل في هدوء وتنكشف الأقنعة.. لا تكفيني المفردات ولا الكلمات ولا العبارات أن أوفيها حقها.. أمي الشهيدة وحشتينى.. وسامحينى لو قصرت في حقك.. وربنا يصبرني على فراقك.

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79671712
تصميم وتطوير