✍️ دكتور رضا عبد السلام
مخطئ من يعتقد أن وباء كورونا كله شر!….نعم مخطئ.
قطعا هناك أضرار اقتصادية وصحية كثيرة، تحدثنا عنها بالأمس والكل يتكلم عنها كما نتابع، ولكن السؤال: أليس هناك من إيجابيات لكورونا؟!
بصراحة كورونا ليها إيجابيات كثيرة ومهمة، سواء على المستوى العالمي أو الوطني (الدولة يعني)، أو على مستوى الأسرة والفرد….أي والله كده.
أولا: على المستوى العالمي:
كرورونا مجرد رسالة بسيطة لكل من سادوا هذا الكوكب الضعيف، ومَن اعتقدوا بأنهم بلغوا أقصى مراحل العلم والقوة النووية والجبروت والاستعلاء!!
الرسالة مفادها “أنكم أضعف مما تتخيلوا، بل لا تساووا جناح بعوضة، بدليل أن جند من جندي “وباء غير مرئي” ادخلكم جميعا الجحور، تهاوى الجميع، غني وفقير، كبير وصغير، متقدم ومتخلف، أمير وغفير”…ليت الرسالة تكون قد وصلت لكل من يهمه الأمر، من قاطني هذا الكوكب، وخاصة مَن تجبروا فيه وعلوا فيه علوا كبيرا!!
ثانيا: على مستوى الدولة:
وأقصد هنا كل دولة، وليس فقط مصر، حيث تم اتخاذ اجراءات صارمة وجادة، من حظر تجول، ووقف مركبات، وخفض تلوث، واغلاق أنشطة طفيلية كثيرة كسناتر الدروس والكافيهات، وبشكل غير مباشر، قطعنا الطريق على أنشطة إجرامية ليلية، مثل السرقة والاتجار بالمخدرات وترويجها….الخ. تلك الإجراءات أكدت على ان الدولة…تستطيع…نعم تستطيع.
ولكن، من أهم حسنات كورونا على مستوى الوطن، إذا كنا حقا سنستلهم الدرس، أننا أدركنا أولوياتنا. استطعنا ان نمييز بوضوح بين يحتاج إليه الوطن حقا من علماء ومنتجين، وبين “المم”!!!…
ففي وقت الأزمة، اختفى “اللمم وفياضة المجتمعات ومصاصي الدماء”، والمتسلقين ممن يعملون في حقول كثيرة نعرفها، فلم تسمع عن نمبروان أو شاكوش أو تجار الدين او الأوطان…لا لا. وفي المقابل، التفتت الأنظار بحثا عن العلماء والمبتكرين والمنتجين حقا.
من حسنات كورونا أنها ذكرتنا بفقه أهدرناه لعقود، وهو فقه الأولويات، والبناء الراسخ الأوطان، بدليل ظهور المهدي المنتظر ودابة الارض وخروج مظاهرات ضد كورونا!!!!…الخ. وفي المقابل، عندما قرر شعب الصين مثلا (مليار وأربعمائة مليون مواطن!) التصدي والمواجهة للوباء، كان ذلك بالعلم وأهله وبمخرجات العلم، ولهذا كان خروجهم سريعا ومبهرا…اذا، هذه حسنة كبرى.
أهدرنا العلم وأهله لعشرات السنين، فلم نحصد إلا الجهل وأهله، ولهذا، حري بنا أن نعلي من دولة العلم والقانون والعدل، واحترام كرامة الانسان…
لابد من ضبط هرم المجتمع من جديد، ليعود له عزه ومجده وبهاؤه….فمصر تستحق أن يحيا على أرضها شعب متعلم ومثقف وملتزم بالقانون ومتحلي بالوسطية والاعتدال كما كان على مدار تاريخه الطويل والمشرف…نعم تستحق.
ثالثا: على المستوى الأسري والشخصي:
مع الحبس الإجباري، اقتربنا أكثر من أسرنا وأبنائنا، واقتربوا هم منا، مؤكد أن حديثنا مع أبنائنا خلال أيام كورونا يفوق إجمالي حديثنا وجلوسنا معهم منذ مولدهم!!! اشغلتنا الدنيا وهمومها لسنوات، واكتشفنا في ظل كورونا أن لدينا مجتمع أهملناه.
اكتشفنا المتعة في مجالسة أولادنا وربما اللعب معهم وتقريبهم إلينا بعد أن سيطرت الحياة المادية على كافة جنبات حياتنا، إلى أن فقدنا طعم أي شئ…ليتنا نستثمر تلك النعمة ونعود لنتسامر ونتحدث ونقترب ونُقرِب، فما وهن وانهار المجتمع إلا عندما غابت أو غُيبت الأسرة…فهل من عودة؟!
حتى على مستوى الفرد، الكثيرين منا كانت لديهم عادات سلبية وخاطئة كثيرة منها التدخين بشراهة أو قضاء الوقت على المقاهي بأنانية مفرطة وعلى حساب الزوجة والأولاد. ربما يفكر البعض في الإقلاع عن التدخين الآن خوفا من كورونا، فهي فرصة أيضا لاستعادة الحياة والصحة، وليتك تتماسك وتكمل وخاصة أننا على أبواب شهر رمضان الكريم…فتماسك وأكمل الرحلة، لتخرج بعدها معافا صحيحا لتضيف لنفسك ولوطنك، بدلا من أن تتحول إلى مريض وعبء عليه.
ليتنا نخرج من كورونا جميعا، وقد وعينا الدروس جيدا، هو اختبار لإيماننا بوجود مالك ومدير وقاهر لهذا الكون، هو اختبار لقدرتنا على تصحيح سياساتنا وأولوياتنا سواء على مستوى الدول، او على مستوى الأسر والافراد.