الأربعاء الموافق 25 - ديسمبر - 2024م

جريمة اختلاس الألقاب في القانون المصري

جريمة اختلاس الألقاب في القانون المصري

الدكتور عادل عامر

من بين الأمور التي تناولها قانون العقوبات المصري جريمة انتحال الصفة والتي وصفها في الباب العاشر منها بـ«اختلاس الألقاب والوظائف والاتصاف بها بدون حق» حيث وضع 3 عقوبات تخص هذه الجريمة وهي الحبس والغرامة، بالإضافة إلى نشر الحكم أو ملخصه في إحدى الجرائد على نفقة المحكوم عليه.

 

 

نص قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 في الباب العاشر منه على الأحكام المتعلقة بجرائم اختلاس الألقاب والوظائف والأنصاف بها بدون حق.

 

 

ونصت المادة 155 على أن كل من تدخل في وظيفة من الوظائف العمومية ملكية كانت أو عسكرية من غير أن تكون له صفة رسمية من الحكومة أو إذن منها بذلك أو أجرى عملاً من مقتضيات إحدى هذه الوظائف يعاقب بالحبس.

 

 

ونصت المادة 156 على أن كل من لبس علانية كسوة رسمية بغير أن يكون حائزاً للرتبة التي تخوله ذلك أو حمل علانية العلامة المميزة لعمل أو لوظيفة من غير حق يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة.

 

 

بينما نصت المادة 157 على أن يعاقب بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه كل من تقلد علانية نشاناً لم يمنحه أو لقب نفسه كذلك بلقب من ألقاب الشرف أو برتبة أو بوظيفة أو بصفة نيابية عامة من غير حق.

 

 

كما نصت المادة 158 على ان يعاقب بغرامة لا تتجاوز مائتي جنيه كل مصري تقلد علانية بغير حق أو بغير إذن رئيس الجمهورية نشاناً أجنبياً أو لقب نفسه كذلك بلقب شرف أجنبي أو برتبة أجنبية.

 

 

فينا نصت المادة 159 على أن في الأحوال المنصوص عليها في المادتين السابقتين يجوز للمحكمة أن تأمر بنشر الحكم بأكمله أو بنشر ملخصه في الجرائد التي تختارها ويكون النشر على نفقة المحكوم عليه.

 

 

ولا شك أن سلوك اختلاس الألقاب والوظائف والاتصاف بها بدون حق يمثل خطورة بالغة ، حيث يُعد اعتداء مباشرا على السلطة العامة وافتئاتاً صارخاً يهدد سلامة الدولة، ومن أجل هذا وجب العقاب علي هذه الجريمة التي تقع على الوظيفة العامة ، وتسبب البلبلة واللغط حينما يتحدث غير المتخصصين فيما لا يعلمون .

 

 

وفي الحقيقة فإن الأمر يكون واضح وسهل عندما ينتحل الشخص صفة موظف عام بدون وجه حق ، ويقوم بعمل من أعمال الوظيفة العامة ، فهنا تقوم الجريمة بكل وضوح ، فيقع ذلك الشخص تحت طائلة العقاب .

 

 

إلا أن الإشكالية تنشأ عندما ينتحل الشخص صفة موهومة ، ويختلس لقب مزعوم ، كلقب الخبير أو المحلل أو الباحث ثم يتحدث بهذه الصفة ، متخذاً من هذا اللقب مرجعية علمية وثقافية يوهم بها الناس ، فيقعون تحت تأثير هذه الألقاب فريسة للأكاذيب والأخطاء والمغالطات التي يثرثر بها هؤلاء المختلسون المنتحلون.

 

 

والإشكالية الثانية تنشأ عن عدم تجريم مجرد الادعاء دون ارتكاب عمل مادي من أعمال الوظيفة ، فالبرغم من أن نص المادة سالفة الذكر اعتبر مجرد التداخل في الوظيفة سلوك تقوم به جريمة اختلاس الألقاب والوظائف والاتصاف بها بدون حق ، إلا أن أحكام القضاء فسرت التداخل بإنه الادعاء المقرون بإجراء عمل من أعمال الوظيفة ، فإذا اقتصر الأمر علي مجرد انتحال صفة الموظف العام دون القيام بعمل من أعمال الوظيفة ، فإن مثل هذا الشخص لا يقع تحت حكم المادة 155 من قانون العقوبات، و إنه لا جريمة إذا لم يحصل ممارسة فعلية لعمل من أعمال الوظيفة العامة .

 

 

ولذلك ومما سبق يتضح أن الباب العاشر من الكتاب الثاني من قانون العقوبات أصبح غير كاف لمواجهة طوفان الألقاب ، واختلاس الوظائف والاتصاف بها بدون حق ، ومظهر عدم الكفاية يبرز من وجهين :-

الأول : أن اختلاس الألقاب والوظائف والاتصاف بها بدون وجه حق لم يقتصر علي الوظائف العامة فقط ، فهناك ألقاب لا تتبع الوظيفية العامة كالخبير والباحث والكاتب والمحلل ، فكل هذه الألقاب التي يستخدمها المنتحلون ليست من الوظائف العامة ، ومن ثم يجد الجاني مخرجاً للإفلات من العقاب عن طريق هذه الثغرة .

الثاني : اشتراط ارتكاب فعل مادي من أعمال الوظيفة ليقترن باختلاس اللقب حتي تقوم الجريمة ، وذلك يعد فجوة كبيرة ينفذ منها الجاني ، حيث يقوم بارتكاب جريمته باختلاس الألقاب والتسمي بالأوصاف والدرجات العلمية ، ولكنه لا يقع تحت طائلة العقاب بحجة أنه لم يرتكب فعل مادي من أعمال الوظيفة ، بالرغم من أنه ظهر وتحدث وتصرف وهو مختلس للألقاب ومتصف بالأوصاف بدون وجه حق . ولذلك فإن الدعوة ما زالت موجهة للمشرع للتدخل التشريعي لمواجهة سيل الألقاب والأوصاف ، وسد الفجوات التي ينفذ منها المختلسون والمنتحلون لمنعهم من ارتكاب هذه السلوكيات المضرة بالمصلحة العمومية للبلاد .

مازال إطلاق الدرجات العلمية والألقاب والأوصاف بأعلى درجات الخبرة، فى مهب الريح تتطلع إلى الحماية، فنسمع عن أسماء غير معروفة، مسبوقة بدرجات الدكتوراه وأعلى درجات الخبرة في جميع التخصصات والعلوم، وإطلاق وصف الفقهاء فى كل المجالات وبغير فحص أو تدقيق لصحة إطلاق هذه الأوصاف والألقاب، وغياب المتابعة والتدقيق يشجع على انتشار الادعاء وانتحال الصفات واختلاس الألقاب فى جميع التخصصات وهو أمر جد خطير، والنتيجة إيقاع الرأى العام فى التضليل، وإيهام الناس بصحة هذه الألقاب والأوصاف وبث الثقة فيما يحكى أو يقال!!

من يصدق أن هذا الموضوع، سبقت الإشارة اليه عام 2012 أى منذ أكثر من خمسة عشر عاماً، ومرة أخرى فى مقال نشر فى مجلة روز اليوسف 5 مارس 2006 رداً على ما أثير بأن التحلى بالألقاب من باب الشهرة أو الوجاهة الاجتماعية، كما نشر للأستاذ لبيب السباعى رحمه الله مقال بتاريخ 27 فبراير 2006 فى الأهرام وكان رئيساً لمجلس الإدارة وكاتباً وباحثاً فى شئون التعليم، بعنوان كلمة جريئة شوف البجاحة بمناسبة النشر عن متعهد توريد أبحاث علمية لمن يرغب فى الحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، وأنه قد تم القبض على شبكة تخصصت فى تجارة الشهادات ومنح الألقاب مقابل مبالغ مالية!! مطالباً مجالس الجامعات والمجلس الأعلى للجامعات واللجان المعنية بالأجهزة الرقابية والنيابية بالرقابة والمواجهة!!

ومع ذلك يضج الواقع كل يوم بمثل ما كان، وتصدر الأحكام القضائية بالإدانة لمن انتحل لقب دكتور، وقد تبين من التحقيقات، أن الدرجة العلمية المدعى بها مزورة، بعد أن صال وجال بها على الشاشات الصغيرة والصحافة لسنوات، ولم يسأل أحد طيلة هذه الفترة، عن أى دكتوراه حصل عليها أو فى أى تخصص، وأي جامعة منحته هذه الدرجة الرفيعة، سواء بالداخل أو الخارج، وعما اذا كان قد تمت معادلتها أم أنها معلقة في الهواء!! وقرأنا كذلك، عن محافظ ظل يصول ويجول بالدكتوراه، وما إن قبض عليه متلبساً بجناية رشوة، حتى تبين أن الشهادة دراسة بالمراسلة، وأنه لا يحمل مؤهلات سابقة تؤهله للحصول على درجة الدكتوراه، أو أنه قدم أبحاثاً علمية تمت مناقشتها بمعرفة لجنة قررت منحه هذه الدرجة ومع ذلك ظل محسوباً على قائمة الحاصلين على الدرجة من المسئولين فى الدولة لسنوات، ولم يفكر أحد في التدقيق عن تلك الدرجة العلمية التي أطلقها لنفسه بين الناس وفى المجتمع، خاصة أن منح الدرجات العلمية فى مصر له قواعد واشتراطات، ومراحل وأحكام، سواء تلك التي تمنح داخل البلاد، أو خارجها، وسواء بالمراسلة أو بالمقابل، لأنه يجب معادلتها بمعرفة اللجان المتخصصة بالمجلس الأعلى للجامعات، بعد مراجعة شروط القبول والتخرج، ومواد الدراسة وتدقيق المواد والمقررات والساعات الدراسية التي تؤهل صاحبها لحمل اللقب العلمي!!

والغريب أنه سواء انتحال الدرجة العلمية، او أطلاق الألقاب والأوصاف بغير حق، فإن قانون العقوبات يصفها بالاختلاس، وقرر لها الحبس بدلاً من الغرامة منذ عام 1982، وأوجب نشر الحكم الصادر بالإدانة أو ملخصه فى الصحف على نفقة المحكوم عليه، كما أنها تقع فى مجال التجريم والعقاب بين جرائم النصب، لأنها تقدم لنا وسائل احتيالية تصاحبها مظاهر مادية من شأنها إيقاع الناس وإيهامهم بأمور غير صحيحة، وهى أخطر مما يقع على الأموال!!

والغريب أيضاً أن لدينا جهات عديدة معنية بهذا الأمر حفاظاً على الألقاب والدرجات العلمية وحماية مكانتها فى المجتمع، من ذلك المجلس الأعلى للجامعات ووزارة التعليم العالي وإدارة البعثات وغيرها من الجهات المسئولة عن حمايتها لمنع ارتكاب مثل هذه الجرائم في البلاد.

وفى قرب هذا المعنى نرى من يقدَّم للناس على أنه خبير أو فقيه، على غير الحقيقة، وهى جريمة اختلاس للألقاب متى كان هذا الادعاء كاذباً من شأنه إيقاع الرأي العام في تضليل خاصة أن إبداء الرأي منسوباً اليه يبعث على التصديق والإقناع، ومع كل ذلك يمضى بنا الزمن وتمتد هذه الصور.. وتسير بنا الى الوراء.. ولا أحد يتحرك!!

أفيدونا.. أفادكم الله، فمن يحمى الدرجات العلمية والألقاب والأوصاف ممن يعتدى عليها على مشهد ومسمع من الناس؟! وهل نرى قريباً مواجهة لتلك الألقاب والأوصاف الوهمية للدرجات العلمية!! أم يبقى الحال على ما هو عليه، وعلى المتضرر أن يلجأ الى القضاء ولو بعد فوات الأوان!

 

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 78718489
تصميم وتطوير