الخميس الموافق 06 - فبراير - 2025م

جرجس بشرى يكتب| كيف نستأصل جذور الفساد..؟

جرجس بشرى يكتب| كيف نستأصل جذور الفساد..؟

القاهرة:- وليدعبداللطيف

 

من المؤكد أن الفساد هو نيجة طبيعية لتغييب العدالة واهدار مبدأ تكافؤ الفرص وتحصين الفاسدين من المساءلة والمحاسبة وغياب الشفافية ، ومن المؤكد ايضاً أن تراكم الفساد بدون مساءلة أو محاسبة يدفع بالشعوب المقهورة التي ترزح تحت وطأته الى ثورات عارمة تغير أنظمة مستبدة ، ففي مصر التي تمتلك مقومات عظيمة وميزات نسبية متفردة ، وموارد بشرية وطبيعية وثقافية وحضارية متنوعة .

ينتشر الفساد بشكل مرعب لدرجة ان مصر الدولة العظيمة اصبحت موبوءة بالفساد بل ومستنقع للفساد الذي يفترس كل الموارد ويلتهم حقوق البسطاء ويفترس اي انجاز ،ومن العجاب العجاب انه بعد ثورتين عظيمتين اطاح فيهما الشعب المصري بنظامين فاسدين مطالبا بحقه في الحرية والعدالة الاجتماعية ان نجد تراجع مصر في مؤشر الشفافية الدولية حيث اصبحت تتصدر المركز 114 من بين 177 دولةوفقا لتقرير 2013 ، 2014 ، كما ان نسبة الفقر في مصر وفقا لتقارير الامم المتحدة تمثل فضيحة على كل المستويات بل وكارثة ونسبة الفقر وفقا للامم المتحدة هم الاشخاص الذين يمتلكون اقل من دولار ، فقد كانت هذه النسبة عام 2008 هي 16.3 % لتصل الى 26 % مطلع عام 2015 ، وربما تكون الحقيقة اكبر بكثير من هذه الارقام والنسب المرعبة .

يا سادة ان الفساد في مصر يهدد بثورة شعبية ثالثة ان لم توضع حلول جذرية وجادة لمحاربته واقتلاعه بعيد عن التمثيليات التي يقدم فيها في الغالب اكباش فداء بدلا من مجرمين كبار او مسئولين فاسدين تحالفوا مع امبراطوريات الفساد الكبرى و قوى الشر وكأنهم في عزبة ابوهم ، الواحد في مصر بدأ يدرك تماما أن هناك فاسدين لا يفرقون بين جيوبهم وبين خزينة الدولة ! .

وللعلم من الممكن ان يتستر الفاسدين في الدين لالتهام ونهب مقدرات الوطن وبل وبيعه ومن الممكن ان يتستر الفساد وراء انظمة رخوة تتصنع محاربة الفساد في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي بمسكنات وقتية لا تجدي نفعا ، ولكي نكون جادين في محاربة الفاسدين ولكي تؤتي الثورتين بثمارهما لابد وبالضرورة من وضع استراتيجية شاملة وجادة لمحاربة الفساد واشعار الموظف العام انه ليس محصنا من المساءلة والمحاسبة أياً كانت مسئوليته أو منصبه ، فمن أمن العقاب أساء الادب كما يقولون ، اننا نحتاج بالفعل لثورة حقيقية في مؤسسات الدولة وثورة حقيقية على القوانين البالية والروتين والبيروقراطية والتعتيم وهذه الثورة مطلب شعبي ومن يقف في وجهها سيعادي الشعب كله وسيفقد أي ظهير او تعاطف شعبي .

وفي رأيي أن أول خطوات هذه الثورة هي تخصيص محكمة ونيابات متخصصة للفساد في مصر وهذه تحتلف عن المحاكم الاقتصادية بحيث يطمئن المواطن المصري الى ان الذين يعبثون بقوت ومقدرات وموارد هذا الشعب ويستغلون نفوذهم للتربح من دمائه سيقدمون للمحاكمة العاجلة تشفي غليل هذا الشعب وتطفئ نيرانه وتجعله يستعيد ثقته في مؤسساته ، وأطالب بأن توضع منظومة تشريعية وقانونية شفافة لتأكيد مبدأ تكافؤ الفرص في التعيينات الحكومية التي يلتهما ابناء كبار المسئولين في المصالح الحكومية على حساب المتفوقين والنابغين والاوائل ومن يستحقون فالمصالح الحكومية اصبحت شلل ومرتع وعائلات ، بل وهناك من يتم تعيينهم من ابناء الكبار قبل الاعلان الشكلي عن الوظيفة ،فالمسابقات الحكومية الخاصة بالتعيين من اخطر بؤر الفساد في مصر وتحتاج الى وقفة وقانون يحاسب بلا هوادة من يخل بمبدأ تكافؤ الفرص باعتبارها جناية ، و يجب وبالضرورة لمحاربة الفساد وضع تشريع صارم وقوانين رادعة تحمي وتصون حق المبلغين عن الفساد في المصالح الحكومية كي لا يتعرض المُبلغ عن المسئول الفاسد سواء كان مديرا أو زيراً للملاحقة والفصل والتشويه بل والتهديد بالقتل اذا ما ما قام بالكشف او الابلاغ عن واقعة فساد .

وبالنسبة لرئيس الحكومة يجب ان يكون مسئولا بالتبعية عن اختيار وزراءه ، فلو ثبت ان الوزير فاسدا فلابد ان يحاسب رئيس الحكومة عن فساده ، وايضا يجب وضع ضمانة لمحاكمات عادلة ونزيهة وشفافة تحمي المسئولين الحكوميين وكل مواطن مصري يعلن عن جديته في محاربة الفساد او كشف وتعرية امبراطوريات الفساد في الحكومة ومحاسبة كل من يتورط في التعتيم على اي فساد حكومي ،اتذكر انني في عهد مبارك طالبت بوجوبية تأسيس جهاز قومي لمحاربة الفساد وهو ولم يتم طبعا الاستجابة لهذا المطلب .

وبعد هذا الكم المرعب من جرائم الفساد اطالب الرئيس السيسي بتأسيس هذا الجهاز على أن يكون مراقبا ومتابعا ومقياسا لأداء المسئول الحكومي ، وهناك نقطة هامة لا يجب اغالها في محاربة الفساد ومنع اهدار المال العام وهي ان سن قوانين وتشريعات صارمة لشفافية التعاقدات الحكومية لئلا تؤؤل هذه التعاقدات الحكومية بالرشوة والمحسوبية لصالح شركات او رجال اعمال تابعين للوزراء او لمحافظين او رؤساء أحياء على حساب الجودة والسعر والوقت الزمني لانجاز المشروع ، ومن الكواراث الكبرى التي تغذي الفساد في مصر تعيين رجال الأعمال كوزراء في الحكومة ، انها كارثة كبرى بل وفضيحة ومن الملفت للنظر أن يتم تعيين رجل اعمال متخصص في مشروعات الكهرباء والطاقة في وزارة كهرباء اي تفصيل الوزارة على ا المشروع !!!!

يا لها من جريمة بل وفضيحة لا تحدث في دولة متقدمة في العالم ويا لها من جريمة فساد واضحة ومكتملة الاركان ، خاصة وأن كثير من علماء الإجتماع حذروا من خطر خلط المال بالسياسة وابرزهم العالم ابن خلدون ، ومن الكواراث والمفجعات في مصر يجمع نائب البرلمان بين وظيفة تنفيذية ورقابية ، حيث رأينا وزراء اعضاء في البرلمان ، وهو ما يدعو للتساؤل : كيف يكون الوزير وهو سلطة تنفيذية مراقبا على ذاته ؟؟!!!

يجب وعلى الفور اصدار تشريع يجرم ذلك ، وللتصدي للفساد بجدية ًمطلوب مراجعة جذرية في القوانين القديمة لتواكب العصر فهناك قوانين ما زالت تحرض على الفساد وتشجع عليه بل تؤمن الفاسدين ، وكذلك هناك قوانين من الخمسينات والستينات من القرن الماضي تسمح ببيع مواد خام لها ميزة نسبية عالية في مصر باسعار بخسة بل وقروش وهذه القوانين تهدر موارد الدولة لحساب بعض الفاسدين والمنتفعين في الحكومة والمتحالفين معهم من رجال الاعمال ،ولا يجب ان نتصدى للفساد بعيداً عن تجاهل الحالة المعيشية للموظف العام وتحسن دخله و كفاءته ، واصدار قوانين صارمة تنسف منظومة الفساد المتفشية في المصالح الحكومية من روتين وبيروقراطية و مركزية ، كما لا يجب ان نغفل امر غاية في الاهمية وهي مراقبة صرف المعونات والمنح الاجنبية المخصصة لمشروعات هامة ومفيدة للبلد ، فكثيرا من هذه الهبات والمعونات تذهب لجيوب المسئولين في صورة مكافأت .

وايضا لابد من تعزيز دور الرقابة الشعبية والاعلام ومنظمات المجتمع المدني على اداء المسئولين ، وهناك نقطة غاية في الاهمية وهي اعادة التفكير في القرارات التي تصدر عن النائب العام بمنع النشر في قضايا الفساد لان من حق الشعب ان يعرف من هم المتهمين والمدانين في هذه القضايا وهي حق اصيل للشعب الذي هو مصدر السلطات واخيرا على حكومة المهندس ابراهيم محلب ان ترحل وكفى فسادا ، والشعب من الآن فصاعدا لم ولن يفرط في ثورته ولن يسمح لاي مسئول كان أن يعبث بمقدراته ومصيره وقوت وقوت اولاده ..

فهو وحده السيد وصاحب القرار ولا سلطة تعلو على سلطته ، واقول للرئيس السيسي حارب الفساد والمفسدين والشعب معك وتابع بنفسك واضرب بيد من حديد ولا تجامل احد لئلا تفقد شعبيتك

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79625813
تصميم وتطوير