Site icon جريدة البيان

تسجيل العقارات «مجاناً».. يُضاعف الإيرادات العامة للدولة

بقلم : محمد أحمد عوض 

 تشجيع الناس على التسجيل العقاري ( مجاناً ) … يساعد على تكوين ( قاعدة بيانات عقارية ) دقيقة تساهم في
دمج الإقتصاد الموازي والسيطرة عليه ، كما يساعد على مكافحة ظاهرة التهرب الضريبي ويضاعف من إيرادات الخزانة العامة .. وكذلك يُفيد في مختلف الدراسات الإقتصادية الحالية والمستقبلية ويساهم في مكافحة جرائم غسل الأموال في أصعب مراحلها وهي ( الدمج والتمويه ) .
————————————————-

السبب الأساسي في إحجام الناس و إمتناعهم عن تسجيل ممتلكاتهم العقارية في مصلحة الشهر العقاري .. هو المغالاة والمبالغ الباهظة التي يدفعها مالك العقار كرسوم للتسجيل .. وهذا الإمتناع في حد ذاته .. كان ومازال ( مشكلة مزمنة ) تسببت في أن معظم المُلاك قد إكتفوا بصحة التوقيع أو الصحة والنفاذ كإثبات للملكية وهناك من لم يهتم أصلاً .. لا بهذا ولا ذاك مكتفياً بحيازته لملكيته ..
هذا الإمتناع عن التسجيل العقاري يشكل خطراً كبيراً على الإقتصاد القومي بصفة عامة .. ليس لأنه يتسبب في نقص الإيرادات العامة .. ولكن لأنه يُضاعف من حجم ومخاطر السوق الإقتصادية ( غير الرسمية ) أو الإقتصاد الموازي أو الإقتصاد الأسود أو الإقتصاد الخفي .. ( سَمه ما شئت ) ..
فالمعنى في النهاية واحد .. إنه هو ذلك الإقتصاد الذي لا تعرف الدولة عنه شيئاً ، والذي قدربعض الخبراء حجمه بنسبة 45 % من قيمة الإقتصاد الكلي ، بينما حدد إتحاد الصناعات حجم ذلك الإقتصاد الخفي بنسبة 62 % من حجم الإقتصاد العام .. إنه ذلك الإقتصاد الذي يستفيد ولا يُفيد .. ويعمل في الخفاء بعيداً عن أي نوع من أنواع الرقابة .. وبالتبعية فإنه يُعد ( الباب الملكي ) لجرائم غسيل الأموال المدمرة لأي منظومة إقتصادية مهما بلغت قوتها .. ناهيك عن آثاره الإجتماعية البشعة على المجتمع كله .
وإذا ما أضفنا إلى ذلك أن ( سوق العقارات ) تحديداً .. هي أكثر نشاطات الإقتصاد الموازي ( تدفقاً للأموال ) .. سواء تلك الأموال المتحصلة من مصدر مشروع أو تلك الأموال القذرة المتحصلة من مصادر غير مشروعة و يجري دمجها في أنشطة العقارات بهدف تبييض و ( غسيل الأموال ).

 

إذا أضفنا إلى ذلك .. كل ذلك :
سنجد أن ( قانون الشهر العقاري ) الجديد وبما فرضه من رسوم تسجيل مُبالغ فيها ، وإجراءات روتينية طويلة ومعقدة ..

 

سنجد أن كل ذلك قد ضاعف من حجم ( شبح ) الإقتصاد الخفي غير الرسمي ، وأضاع ( فرصة ذهبية ) لتقنين أوضاع العقارات والفوز ب ( قاعدة بيانات ) عقارية دقيقة ومؤثرة في السيطرة السوق العقارية الذراع الطولى للإقتصاد الموازي .

 

وعليه .. فقد كان من الحكمة تشجيع المواطنين على التسجيل العقاري ( مجاناً ) .. بل ومنحهم حوافز خدمية حكومية ( مجانية ) مقابل ذلك أيضاً ، وذلك لأسباب ( غير بسيطة ) ولا يُستهان بها .. ومنها :

 

1 – أن التسجيل العقاري ( المجاني ) سوف يؤدي إلى تكوين قاعدة بيانات دقيقة عن حجم الثروة العقارية في السوق المحلية وبالتالي .. دمج الإقتصاد الموازي ( غير الرسمي ) في الإقتصاد الرسمي .. وذلك ما يضاعف ويعظم من حجم الإيرادات النقدية المتدفقة إلى الخزانة العامة للدولة .

 

2 – كما نعرف جميعاً .. فإن جريمة غسل الأموال تكون عن طريق تحصيل الأموال من مصدر ( غير مشروع ) ثم محاولة تبييض وغسل تلك الأموال في أنشطة مشروعة .. ومن بين تلك الأنشطة – تجارة العقارات – وبالتالي فإن تشجيع الناس على تسجيل ممتلكاتهم العقارية ( مجاناً ) .. سيكون له أثراً فعالاً في مكافحة جرائم غسل الأموال القذرة وخاصة في مرحلتي الدمج والتمويه .. وكلنا يعرف أن جريمة غسل الأموال تمر بثلاث مراحل مُرتبة وهي ( التحصيل ) من جريمة أو مجموعة جرائم .. ثم ( التمويه ) بسرعة نقل تلك الأموال من مكان إلى آخر خلال فترة زمنية قصيرة .. وأخيراً مرحلة ( الدمج ) وهي خلط و دمج المال الحرام في مشروع قانوني حلال … وهذه هي أصعب وأخطر مراحل جرائم غسل الأموال حيث يصعب كشفها بعد ذلك.

 

ولذا .. فإن تحفيز الناس على التسجيل العقاري ( المجاني ) سيساعد على مكافحة جرائم غسل الأموال والحد منها وذلك في مرحلتيها الأشد خطراً وهما الدمج والتمويه ..

 

ويكفي أن ذلك سيطرح سؤالاً في العلن و هو :
من أين لك هذا ؟!
خذ مثالاً على ذلك .. لو أن أحد ( بلدياتنا ) من محترفي نبش قبور أجدادنا الفراعنة بحثاً عن الآثار .. لو إفترضنا أنه قد نجح في تنفيذ جريمته ، ثم وضع تمثالاً أثرياً في ( سيّالة ) جلبابه ثم نزح به من قريته إلى المدينة ونجح في بيعه لإحدى عصابات تهريب الآثار ، ومن حصيلة هذه الجريمة ..

إشترى قطعة أرض وبنى فوقها مجموعة أبراج سكنية مثلاً .. لو إفترضنا ذلك فإننا ساعتها نكون أمام جريمة ( غسل أموال ) مكتملة الأركان وتمت بنجاح في كل مراحلها الثلاثة …

 

وهنا تكمن أهمية ( التسجيل العقاري ) في المساعدة على كشف مثل تلك الجرائم التي تتم في الظلام .. للتفرقة بين الصالح والطالح في السوق العقارية.. وهنا يكون التسجيل العقاري هنا بمثابة الرقم القومي و بطاقة الهوية الشخصية للعقار ومالكه .

 

والأمثلة على ذلك كثيرة .. وما ينطبق على جريمة غسل الأموال في سوق العقارات من متحصلات تهريب الآثار ، ينطبق أيضاً على جريمة غسل الأموال في سوق العقارات من متحصلات الإتجار في المخدرات وغيرها .

 

ختاماً .. لو أننا حملنا تلك السطور السابقة ووضعناها فوق مكتب رئيس وحدة مكافحة جرائم غسيل الأموال ، ثم طرحنا عليه سؤالاً واحداً وهو :

 

أيهما أكثر فائدة في حماية الإقتصاد القومي ومضاعفة الإيرادات العامة للدولة على المدى القصير والبعيد .. هل هو التسجيل العقاري برسوم باهظة وإجراءات طويلة ومعقدة .. أم هو التسجيل العقاري ( المجاني ) بالوسائل الرقمية الحديثة السريعة الميسرة والمصحوبة أيضاً بحوافز حكومية مجانية تشجيعاً على ذلك ؟؟

 

لو أننا فعلنا ذلك لكانت الإجابات .. مطابقة لما ورد من كلمات
ولكن مشكلتنا أننا لا نسأل ولا نتحاور مع أهل الإختصاص ..
ولهذا تصطدم المقترحات المكتبية مع التطبيقات العملية ..
وتضيع فرصاً ذهبية ..!!

Exit mobile version