الجمعة الموافق 07 - فبراير - 2025م

المدارس يابانية .. والتقفيل مصري

المدارس يابانية .. والتقفيل مصري

 

بقلم : أسامة درويش ..
قد يظن الكثير ممن يتطلعون لإلحاق أبنائهم بالمدارس اليابانية الجديدة التى شرعت وزارة التربية والتعليم المصرية العمل بها العام الحالي أنهم ينجون بأبنائهم من وحل التعليم الحكومي ورداءة منتجاته التعليمية المقدمة بأقل التكاليف من قبل وزارة التعليم متطلعين لتعليم أفضل لأبنائهم , بل وصل طموحهم إلى احتمالية تحول الطالب المصري الصفات إلى طالب ياباني الصفات لمجرد إلحاقه بهذه المدارس الجديدة وتعلمه بها وفاتهم الواقع المؤلم الذى ينتظرهم وينتظر أبنائهم بأن هذه المدارس إذا كانت فى ظاهرها يابانية الاسم فهى فى الحقيقة “تقفيل مصري” بما يعنى أن وزارة التربية والتعليم المصرية كعادتها فى كل مشروع جديد لها لا يهمها سوى الحصول على المنحة الأجنبية التى ترد من الخارج وصرفها فى أماكنها غير المناسبة وتوزيع تركتها على الكبار فقط ممن يملكون القرار لهذه المدارس بما لا يجعل للطالب المصري شيئا من هذه المنحة فى نهاية المطاف. ونحن هذه المره على موعد مع منحة يابانية لبناء وتفعيل عدد من المدارس اليابانية بمصر يُشترط بها تطبيق أنشطة التوكاتسو التى تتطلب اعتماد الطالب على نفسه وبناء شخصية مستقلة لذاته بعيدا عن التعليم المصري بأنشطته العقيمة التى تكبل الشخصيات وتعقدها كما هو كائن بحال طلاب مصر الآن . ولا يهم دولة اليابان فى تلك المنحة سوى أنها تثبت للعالم أجمع أن لها يد الفضل على التعليم بمصر وأن يُذكر اسم اليابان فى كل شبر بأرض مصر ونحن – والحمد لله – وإن كنا قد حصلنا على المركز الأخير فى تصنيف الدول التى تهتم بالتعليم لكننا هذه المرة نحصل وبامتياز على المركز الأول فى التسول التعليمي من كافة الدول التى سبقتنا بمراحل فى جودة التعليم لنؤكد للجميع أننا لسنا سوى وعاء للآخرين يضعون به ما يحلو لهم وبالفعل قد بلعنا الطعم كما بلعناه قبل ذلك من الدول السابقة ونفذنا رغبة اليابان ببناء وتشيد المدارس اليابانية بمصر ولكننا وكعادتنا فى كل مرة نشيد فيها مبان جديدة ننسى الأهم من ذلك كله وهو ” بناء الإنسان ” وهذا ما فعلته اليابان وغيرها من الدول التى اهتمت ببناء الإنسان الذى يستطيع بعد ذلك أن يشيد المدارس والمبانى ويساهم فى نهضة بلاده حيثما كان , فهكذا نحن دائما نركز على المبنى قبل المعنى ونركز على بناء الديار وننسى من يسكن الديار .
ومع هذا الاستسلام المصري للمنح الأجنبية فاتنا جميعا أن تلك المدارس إن كانت يابانية الاسم إلا أن ذلك لن يحميها من فوضى وغوغائية النظام الإداري المصري العقيم لها . فالمناهج التى سيتم تقديمها لهؤلاء الأطفال هى نفس مناهج المدارس الرسمية للغات والتى لم تأت بجديد بعقول الطلاب المصريين وبلغت شكوى أولياء الأمور منها عنان السماء بسبب الحشو الزائد بها ومعلوماتها السطحية التى لم تختلف كثيرا عن مناهج التعليم الحكومي التى قضت على الأخضر واليابس من عقول أبنائنا بكافة المدارس المصرية بل وفاتنا جميعا أن بناء شخصية الطفل بتطبيق أنشطة التوكاتسو الإضافية بتلك المدارس أثناء اليوم الدراسي يستلزم بالضرورة المُلحة أن يظل ما يشاهده الطالب بتلك المدارس مستمرا معه بقية يومه وكل أيامه وفى كل شيء حوله حتى لا يصاب بانفصام فى شخصيته التى يدعون أنهم يبنونها بتلك المدارس . وليس من المعقول والمنطقى أن يتعلم الطالب الاعتماد على نفسه صباحا فى مدرسته ثم يعود إلى بيته ليرى أباه بعاداته المصريه العقيمة يطلب كل شيء من أمه وهو جالس على الأريكه فى بيته قائما بدور ” سى السيد ” ولا يعتمد على نفسه فى شيء فحينها ستتحطم الصورة الجميلة للشخصية التى تعلمها بالمدرسة , أما بالنسبة للنظافة الشخصية ونظافة المكان التى تتطلبها أنشطة التوكاتسو سيتم القضاء عليها مبكرا عندما يرى هذا الطفل البائس أمه تعتمد على مربية لاطفالها أو شغاله لتنظيف بيتها أو يرى منظر القمامه بالشوارع ويرى الناس من حوله يلقون بمخلفاتهم وأعقاب سجائرهم بالشوارع دون مبالاة أو عقاب من الدولة . أما الطامة الكبرى لهذا الطفل المسكين ستكمن فى مشاهدته وسماعه لكل القيم النبيلة بالمدرسة واحترام الإنسان لأخيه الإنسان وقيم التسامح والأخوه والصدق والنظام وغيرها من القيم والتعاليم الكريمة ثم يعود ذلك الطفل إلى بيته ويفتح التلفاز ليرى فتى الشاشة المصري الأول حاليا ” محمد رمضان ” فى مشاهده الدائمة خالعا ملابسه شاهرا سلاحه الأبيض الذى لا يفارقه فى وجه كل من يراه بكل مشاهده التمثيلية ماسحا ومطيحا بكل عنف وبشاعة كل صور العفو والتسامح والحب والتعاون التى تعلمها ذلك الطفل المسكين بتلك المدارس ليصاب ذلك الطفل بكل أنواع الحيرة والبؤس والخوف مما يراه منافيا ومغايرا تماما لكل ما يتعلمه بتلك المدارس ليسأل نفسه ” أين الحقيقة ؟ وما هو الصواب ؟ وهل ما يتعلمه بالمدرسة هو الصواب أم ما يراه بالتلفاز المصري كل يوم من مشاهد عنف وإثارة ومشاهد محت كل القيم التى يتعلمها هو الصواب ؟! ” ولن أحدثكم كثيرا عن مشاهد الرقص والعري والخلاعة التى ستشاهدها بناتنا بهذه المدارس فيما تعرضه الشاشة المصرية عبر قنواتها البائسة لتزداد الرغبة فى التقليد ضاربات عرض الحائط بما يتعلمن بتلك المدارس التى تتطلب بالمقام الأول قبل العمل بها السيطرة على كل ما يشاهده هؤلاء الصغار وأن تكون لوزارة التربية والتعليم اليد العليا والقرار النهائى فيما يتم عرضه ومشاهدته للطفل المصري وأن تلتزم وزارة التعليم بتعليم الأباء والأمهات كل ما يتعمله هؤلاء الأطفال وإلزام كافة أطياف المجتمع المصري بكل القيم والمبادئ والعادات التى يتعلمها هؤلاء الأطفال بتلك المدارس ليعود المجتمع المصري بأثره إلى قيمه ومبادئه الأصيلة التى تعلمها أجدادنا وأضعناها نحن بأيدينا بكل أسفٍِ غير قابعين بالتأثير السلبي الذى سيعود علينا وعلى أبنائنا فى نهاية المطاف بهذا الإهمال وبهذه السلبية التى نغوص فيها يوما بعد يوم لنجنى جميعا ثمار تخلفنا وتراجعنا بين الدول التى تهتم بتعليم أطفالها بأجيال تائهة حائرة عنيفة الشخصية منحلة الأخلاق مما يشاهدونه كل يوم فى الصباح والمساء وبمعنى أدق يجب ألا يتم عرض أى عمل تلفزيوني أو سينمائي أو مسرحي قبل أخذ رأى وزارة التربية والتعليم فيه وألا يتم خروج أى عمل فنى للنور قبل أن يكون ملتزمًا ومطابقًا لكل القيم والمواصفات التى يتعلمها أطفالنا بالمدارس لننهى سويا على تلك الفوضى الفنية السخيفة والبذيئة والرخيصة التى نعيشها كل يوم .
وعلينا جميعا كبارا قبل الصغار أن نتعلم من جديد داخل تلك المدارس إن أمكن ثم نقوم نحن بدورنا بتعليم أبنائنا من جديد التعاليم السليمة والقيم النبيلة التى مُحيت من مجتمعنا المصري وألا يكون شغلنا الشاغل هو إنفاق المنحة اليابانية فى عدد من المبانى التى لن تغنى ولن تسمن من جوع طالما نحن مصرون أن نعيش بنفس العشوائية واللامبالاة التى نعيشها ونترك بناء الإنسان الذى يجب علينا جميعا الاهتمام ببناءه أولًا قبل كل شيء . فهل سننتبه إلى خطورة ما نحن مقبلون عليه ؟ أم أننا سنعيد نفس المقالة بنفس الكلمات العام القادم بعد الحصول على المنحة الألمانية المقدمة هذه الايام لمصر لبناء مدارس ألمانية جديدة ويستمر بنا الحال إلى أن نجد أنفسنا نبنى مدارس صومالية بمصر لتطبيق التجربة الصومالية المتقدمة بالمدارس المصرية للتعلم والاستفادة منها لنزداد حينها حسرة فوق حسرتنا على حال التعليم المصري الذى يتلفظ أنفاسه الأخيرة يوما تلو الأخر بسبب السياسات الرجعية المتكررة من قبل وزراء ومسؤولين لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية فقط حتى وإن كان ذلك على حساب شخصية الإنسان المصري ..

 التعليقات

 أخبار ذات صلة

[wysija_form id="1"]
إعلان خدماتي

جميع الحقوق محفوظة لجريدة البيان 2015

عدد زوار الموقع: 79651432
تصميم وتطوير