شهدت الساحه المصريه تصعيداً خطيراً في الأحداث والتداعيات التي نعيشها في مصر منذ يناير ٢٠١١. في ١١ يونيو رأينا الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها أجهزة الأمن حول مبنى البرلمان استعدادا للبدء في مناقشة قضية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة العربية السعودية، وخلال ثلاثة أيام كان البرلمان قد انتهى من النقاش وقرر التنازل عن الجزر.
عملية التصويت في البرلمان سبقها تصعيدٌ أيضاً لنشاط الشرطة والأمن في أنحاء البلاد فتسارعت وتيرة القبض على ناشطين وعلى شخصيات معروفة وأيضاً على شخصيات وأفراد لا يُعرف لهم أى نشاط أو انتماء. وجدنا أنفسنا على أرض نعرفها جيداً: المحامون ينتشرون في كل أماكن الاحتجاز المحتملة متطوعي الإعاشة يبدأون في العمل الكل يعمل على جمع الكفالات المنتظرة – والكل يحاول في نفس الوقت ألا يحيد بصره عن القضية الأساسية: قضية الجزيرتين.
اتخذت قضية الجزيرتين موقعاً محورياً في اهتمامنا السياسي – ففيها تظهر عناصر كثيرة من مكونات الصراعات التي تحتدم في مصر الآن. ظهر لنا الأمر أول ما ظهر في أبريل ٢٠١٦ حين زار الملك سلمان، ملك المملكة العربية السعودية القاهرة وانتهت الزيارة بالإعلان عن مشروعات وعقود قيل أن قيمتها تصل إلى عشرين بليون دولار وفي نفس الوقت أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، أنه قد اتخذ قراراً بتسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية.
وفي شرح أسباب هذا القرار أعرب عن قناعته بأن الجزيرتين سعوديتين وأن مصر كانت فقط مؤتمنة عليهما، كما أضاف أن السيدة والدته أوصته بألا يأخذ أبداً ما للغير.
تقع جزيرتا تيران وصنافير شرق شبه جزيرة سيناء في الطرف الشمالي للبحر الأحمر. تيران، وهي الأكبر تبلغ مساحتها نحو ثمانين كيلو متر مربع، وتبعد نحو ١٢ كيلومترا عن ميناء شرم الشيخ. والمياة حول الجزيرتين غنية بالحياة البحرية والمرجان والأهمية الحقيقية للجزيرتين أهمية استراتيجية لأنهما تتحكمان في “مضيق تيران”، المدخل الوحيد لخليج العقبة على الحدود الشرقية لمصر.
على رأس الخليج ميناء إيلات الإسرائيلي بلدة أم الرشراش المصرية سابقا. وفي حربي ١٩٥٦ و١٩٦٧ احتلت إسرائيل جزيرتي تيران وصنافير لكنها في المرتين اضطرت أن تعيدهما إلى مصر – في المرة الثانية بموجب معاهدات كامب ديفد. وتتمركز على الجزيرتين مجموعة صغيرة من قوات حفظ السلام الدولية وهم في الأغلب من الجنود المصريين والأمريكيين.
لم يقتنع الكثيرون في الحقيقة بقصة وصية والدة الرئيس ولا يعرف أحد هل تم بيع الجزيرتين؟ هل من صلاحيات أى حكومة أن تُعَيِّن قطعاً من أراضي البلاد تأخذها فتبيعها لدولة أخرى؟ الدستور يمنع هذا والحكومة تقول أنها لم تفعل. قامت مجموعة من المحامين الحقوقيين بتوكيلات من نحو ثلاثمائة مواطن برفع دعوى أمام محكمة القضاء الإداري للحكم فيما إذا كانت جزر تيران وصنافير مصرية أم سعودية.
تدفقت الوثائق من مختلف أنحاء العالم إلى فريق المحامين وكانت تغطي نحو قرنين من الزمان. أحالت المحكمة الأوراق إلى هيئة المفوضين لدراستها وفي يونيو ٢٠١٦ حكمت بمصرية الجزيرتين والعجيب أن الحكومه المصريه هي التي إستأنفت الحكم ورغم هذا أكدت المحكمة الإدارية العليا على مصرية الجزيرتين وحظرت على الحكومة القيام بما يمس سيادة مصر عليهما وكان حكم الإدارية العليا باتاً ونهائياً وغير قابل للطعن.
وكان يجب أن تنتهي المسألة هنا، ولكن حكومة الرئيس السيسي قامت بفعل غريب فقد رفعت دعوى أمام محكمة الأمور المستعجلة – وهي المحكمة الأقل مرتبة من الإدارية – تطلب منها وقف تنفيذ حكم الإدارية العليا (وهو الحكم ببطلان المعاهدة التي وقعها رئيس الحكومة المصرية في ابريل ٢٠١٦ بتسليم الجزيرتين). وحكمت الأمور المستعجلة فعلاً بإيقاف تنفيذ حكم الدستورية العليا (!!) فأصبح المسار أن تنتقل القضية إلى الدستورية للحكم بين المحكمتين. وهنا تقدمت الحكومة إلى البرلمان تطلب منه أن ينظر في المسألة.
في برلماننا عدد كبير من النواب الذين ينتمون إلى الأحزاب أو التكتلات التي كوَّنتها أجهزة النظام الأمنية والاستخباراتية منذ حوالي ثلاث سنوات استعدادا للانتخابات البرلمانية. عمت الفوضى في القاعة حيث حاول النواب المعارضون للمعاهدة تحذير زملائهم في المجلس أن التنازل عن الأرض يعرضهم للاتهام بالخيانة العظمى والتي لا تسقط بالتقادم يطلب النواب المعارضون الكلمة فترفض طلباتهم يطالبون بأن يكون التصويت على القرار بالإسم فيرفض الطلب وفي اليوم الرابع، في مشهد عظيم من الفوضى أقر البرلمان التنازل عن تيران وصنافير في تصويت مُجَهَّل، برفع اليد.
ما الذي يشعل حماسة الرئيس للتنازل عن أرض ثقل تاريخي واقتصادي وستراتيجي – حماسة لدرجة توريط الحكومة في تعديات من شأنها تدمير أى هيبة باقية لمؤسسات الدولة من قضاء وبرلمان وإعلام – وحتى الدستور؟ هل هو صراع إرادات يضطر السيسي أن يكسبه ليعلم الجميع أنه يفعل ما يريد وليست هناك قوة تستطيع أن تمنعه؟ أم أن الحكومة متورطة في صفقة لا تستطيع العدول عنها ولا تستطيع الإفصاح بمكوناتها الحقيقية؟
إعطاء الجزر للسعودية يجعل من المملكة طرفاً في اتفاقيات كامب ديفد ويعطيها مبرراً لعلاقاتها النامية مع إسرائيل – وهي العلاقات التي لها زمن تديرها في الخفاء لكنها الآن – ومع محاولات ترسيخ أوضاع جديدة في المنطقة، ومحاولة تكوين تكتل ضد إيران – تكتل يشمل إسرائيل – تحتاج أن تخرج بها إلى العلن. حدودها الجديدة مع إسرائيل “تضطر” المملكة لإقامة علاقات دبلوماسية معها.
بالنسبة لمصر فصحيح أن اتفاقيات كامب ديفد تشترط أن تكون مضايق تيران مفتوحة أمام كل السفن – والمعني بالذات بالطبع السفن الإسرائيلية، لكن هذا الشرط يسري فقط في أحوال السلم وفي ظروف “المرور البرئ”. وطالما ظلت المضايق تحت السيطرة المصرية فإن مصر تستطيع إغلاقها في حالة الحرب أو لو اشتمت رائحة نوايا سيئة للسفن المارة. أما في حالة التنازل عن الجزر للسعودية فتصبح مياة مضايق تيران مياة دولية وليس لمصر أى حكم عليها في السلم أو في الحرب – أى أن حدودنا الشرقية بطول سيناء تصبح مكشوفة أمام أى اعتداء.
من الهام جداً أن نلحظ أن هذا الصراع حول الجزر يحدث على خلفية قاتمة. الأغلبية الكبيرة من المصريين يعيشون إحساساً بالتهديد في حياتهم ومستقبلهم وأرزاقهم بسرعة الانهيار الاقتصادي الذي لم تشهده الدوله المصريه لكننا الآن نشعر بتهديد وجودي تحت حكم نظام عبد الفتاح السيسي يشعر المصريون فيها بخطورة وخسارة وعار فقد تيران وصنافير. وليس هذا كل ما عانوه
النقابات أصدرت بيانات ومظاهرات مفاجئة قامت هنا وهناك.
حجب المواقع الإخبارية والقبض على أعداد أكبر واحتجازهم.
وبالرغم من هذا أرى بوضوح المعارضة مستمرة ولن تتوقف.
التعليقات