Site icon جريدة البيان

الحب كله 1

بقلم : د . محمد أبو العلا
بدأ الشاعر الرقيق أحمد شفيق كامل أغنيته “الحب كله” بالكلمات:
الحب كله حبيته فيك الحب كله، وزماني كله أنا عيشته ليك زماني كله
ياحبيبي قول للدنيا معايا ولكل قلبي بدقته حس
يا دنيا حبي وحبي وحبي دا العمر هو الحب وبس
واسقيني واملى واسقيني تاني م الحب منك من نور زماني
اسقيني ياللي من يوم ماشفتك حسيت كأني اتخلقت تاني.
بتلك البداية المنطقية التي لا تتغير في أغانيه التي غنتها أم كلثوم يبدأ مذهب أغنية الحب كله، فهو الذي قال في أغنية أنت عمري “اللي شفته قبل ماتشوفك عينيا عمر ضايع يحسبوه إزاي عليا”، وهو أيضاً من قال في أغنية ليلة حب “لو كل حب في كل قلب اتجمعوا أنا حبي أكتر”، وهاهو هنا يقول “الحب كله حبيته فيك الحب كله”، لم يقدم في أغنياته الأربع التي غنتها أم كلثوم أي نوعٍ من العتاب، أو الهجر، أو اللوم، أو اللوعة، أو الجفا، أغنياته للحب وللحب فقط، تصلح كلماتها لخطابات العشاق، فمن منا لا يتذكر ” أنت عمري، أو أمل حياتي، أو الحب كله، أو ليلة حب”؟.
المهم أن ملحن هذه الأغنية هو الموسيقار الموهوب بليغ حمدي، وقد قدم لنا في موسيقى المقدمة صولوهات بآلات “الكمانجات، الأورج، الأوكرديون”، حتى أن التهدئة التي في وسط المقدمة الموسيقية بآلة الجيتار تشعر أنها شرقية الطابع، وكأنها تحولت إلى آلة القانون وليس بالجيتار، وها الصولو يستخدم حتى الآن في مقدمة البرنامج الإذاعي “قال الفيلسوف”، وكان كذلك من ضمن الموسيقى المتنوعة التي اختارها عمار الشريعي كمقدمة لبرنامج “عصرٌ من الغناء” الذي كان يقدمه الإذاعي الراحل جلال معوض، ذلك لأنه صولو يتمتع بالرومانسية الحالمة، تخترقه آلات الإيقاع “الطبلة والدفوف” قبل أن تترك الكمانجات في العزف مع الجيتار في حوارٍ ثنائي، الكمانجات تعزف ثم تصمت؛ فيرد عليها الجيتار، ثم يصمت ليرد عليه الأورج، ثم يصمت ليرد عليه الأوكرديون، ثم يصمت لتعود الكمانجات لسابق عهدها مع الطبلة، حتى تنطلق أم كلثوم في غناء مذهب الأغنية “الحب كله حبيته فيك”، وكأنها مقدمة استعراضية للآلات الموسيقية، حتى تنطق أم كلثوم بالكلمات بأسلوبٍ يوحي أن الحب يقطر من شفتيها عندما تتكلم، خاصةً وهي تقول “ياحبيبي قول للدنيا معايا ولكل قلبي بدقته حس” في المرة الثانية، وكأنها تنطق بها بعدما فاض بها الكيل من المشاعر، وكذلك عندما تقول “اسقيني واملى واسقيني تاني، م الحب منك من نور زماني، اسقيني ياللي من يوم ماشفتك حسيت كأني اتخلقت تاني”؛ فالمستمع الجيد لكلمة “اسقيني” يتضح له أنها تنطقها باندفاعٍ وقوة، تشعرك بضرورة الإقبال على الحب بجميع المشاعر، بما تمتلك من كيان، ثم تنتقل بعد ذلك إلى الكوبليه الأول:
روح قلبي ياحياة أيامي يا حبيبي يا ملاك أحلامي
أنا كنت إيه قبل ماشوفك كنت إيه؟ وكنت عايش يا حبيبي أيامي ليه؟
طريق حياتي مشيته قبلك في ليل طويل، لا قلب جنبي يحس بيا ولا طيف جميل
ولما شفتك أول ماشفتك بكل شوق الدنيا لاقيتني مشدود إليك
وبكل حب الدنيا ناديتك وجريت عليك
ناديت ناديت ع الدنيا بحالها ولكل قلبي بدقته حس
يا دنيا حبي وحبي وحبي دا العمر هو الحب وبس
واسقيني واملى واسقيني تاني م الحب منك من نور زماني
وهو المقطع المألوف طوال الأغنية، بما فيه من إحساسٍ قاطع بالحب.

Exit mobile version