لم يعد كل خطاب يقرأ من عنوانه !
بقلم:د:محمد عبد المجيد
قضت حكمة الله أن يتميز كل منا بقناعاته وارائه, يؤمن بها ويحارب من أجلها , ويحاول جاهدا أن يعرضها للاخرين في أبهى صورها رغبة منه في اقناعهم بما هو مقتنع به , انها طباع البشر.
تلك الصفات هي أحد أهم جوانب الشخصية الانسانية التي فطر الله الناس عليها, الا أن البعض قد يظن أن أصحاب هذه الصفات هم من المتكبرين المتجبرين أو المتعصبين لارائهم من غير دليل , ولعلك يوما ما كنت تراهم على الوصف الذي يظنه البعض , أو لعلك كنت صاحب قناعة بتلك العبارة ( الجواب بيبان من عنوانه ) والتي تناقلتها الأجيال عبر الزمن أو كنت تحكم على الناس من منطلق ايمانك بها وقررت أن تقطع بعض علاقاتك الاجتماعية مع من اختلفت معهم في بعض الاراء !
نعم , أنت لا تملك الا أن تحكم على الناس بظواهر ما تراه , ولكنك ( أيها المتميز ) لو تفكرت قليلا لأدركت أننا صرنا نعيش في زمان بواطن الأمور فيه أكثر من ظاهرها ,وانني أحاول ومن خلال هذا المقال أن نتعاون سويا لنطور بعض قناعاتنا القديمة رغم ايماننا بها لسنوات , قررت أن أضع لنفسي ولكك قناعة جديدة وجعلت منها عنوانا لمقالي الذي تتفضل بقراءته ( لم يعد كل خطاب يقرأ من عنوانه ) !
في حقيقة الأمر لم يعد كل ما تراه أو تسمع به أو تنقله هو الحقيقة الكاملة الا ما كان من كتاب الله أو سنة رسوله , أما كثير من أقوال الناس واجتهاداتهم البشرية بل واراءك أنت الشخصية فانك لا تستطيع بنسبة مائة في المائة أن تثق بكل ما تحاول اقناع الاخرين به منها , ان كل الاراء البشرية تقبل الأخذ والرد , وان كان الأمر كذلك فلم التعصب اذن ! ولماذا الحكم على الناس أنهم متعصبون أو جهال لمجرد قناعتك أنت بأن ( الجواب بيبان من عنوانه ) ! , لماذا الحكم على الناس من منظور قناعاتك واهتماماتك فحسب ! الا تظن أنك أحيانا قد تكون مخطئا وقد يكونون هم على الحق ؟!
لقد اتفق النبي عليه الصلاة والسلام مع رأي الصحابي سلمان الفارسي حين اشار عليه بعسكرة الجيش قريبا من البئر في بدر ونزل على رأيه , ألم يكن بوسعه أن يرفض ما أشار به عليه قائلا أنا رسول الله وعليك السمع والطاعة , ولكن حاشاه رسول الله فقد كان أكثر الناس تميزا وأكثرهم حكمة ورجاحة عقل وكان ينزل على رأي من حوله ويرد اراءه الشخصية كمثال يحتذى به في القيادة المتميزة والحكمة والتعقل .
أكثرنا من المتميزين يجيد حسن الاختلاف , ولا يعطي لنفسه طوال الوقت حقا محضا في الحكم على الناس بالظاهر أو من منطلق قناعاته الشخصية وهذه من أهم خصائص التميز الشخصي , وعلى النقيض نجد كثيرا منا على المستوى المهني أو حتى الاجتماعي يختلف مع رؤساءه في العمل أو مع مرؤسيه وليس في ذلك بأس فان الاختلاف سنة كونية , الا أن البعض يستغل ذلك استغلالا يسبب انحراف مسار العمل بعيدا عما يجب أن يسير عليه , قد نختلف في فهمنا لاجراء وظيفي معين ولكن اختلافنا لا يجب أبدا أن يكون سببا في قطع أواصل علاقاتنا الانسانية أو حتى المهنية في موقع عملنا , ان اختلفت مع زوجك , تميزي بحرصك على الا تحكمي عليه من منطلق أن ( الجواب بيبان من عنوانه ) لمجرد كلمة قالها أو فعلا قام به ولم يكن موفقا , ان ذلك قد يسبب اضطراب علاقتك به , حاولي أن تمنحيه فرصة ثانية وثالثة بل وأكثر يثبت لك فيها حسن تصرفه وقيمته الحقيقية .
ان الواقع الذي نحياه يؤكد لنا كل يوم أن قدرتنا ونجاحنا بل وتميزنا في تخطي مواطن الاختلاف أولى وأكرم لانسانيتنا من التعصب وقذف التهم .
حقا ( لم يعد كل خطاب يقرأ من عنوانه) بل يجب علينا أن نمنح أنفسنا فرصة نراجع فيها ارائنا الشخصية لعلنا نطورها بعض الشيء , وأن نمنح الاخرين كذلك فرصا لمد جسور التوافق و ندرس اراءهم بشيء من التأني لنحقق أعلى درجات الاستفادة الفكرية ونتميز بين الناس برقي الاخلاق وجودة الاختلاف .
للتواصل مع كاتب المقال:https://www.facebook.com/mohamed.elmagid
التعليقات