Site icon جريدة البيان

الباحث والكاتب الإسلامى أحمد فضل يكتب بلا يأس مع الإسلام.. ولا أمل بدون الإسلام…. الجزء الأول..

أحمد فضل

أحمد فضل

 

الباحث والكاتب الإسلامى أحمد فضل 

 

 

إن الإسلام عقيدة استعلاء تبعث فى روح المؤمن إحساس العزة من غير كبر، وروح الثقة فى غير اغترار، وشعور الإطمئنان فى غير تواكل؛ فما عاش الإسلام وما ذاق طعم الإيمان من تسلل اليأس إلى قلبه من أجل شئ من متاع الدنيا الزائلة التى لا تساوى عند الله جناح بعوضة.
اتياس وتحزن ويكدر عيشك فى الحياة الدنيا وتنغص حياتك من أجل شئ ضئيل وصغير جدا فى دنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضة؟! بل إن هذه الدنيا التى يحزن المرء تحسرا عليها، ويسخر حياته وانفاسه فى طلبها، وقد يرتكب المحرمات من أجلها فيسرق من اجل الحرص عليها، ويكذب من أجل الشهرة فيها، ويظلم هذا، ويسب هذا، ويشتم هذا ،ويسفك دم هذا؛ كل ذلك من اجل دنيا قال فيها الله عز وجل (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ*) وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه وعالما أو متعلما) قلت هذا مدعاه أن ينظر الإنسان إلى الدنيا بمنظور قرانى، وكذلك بمنظور نبوى؛ فهاهى الدنيا التى يحزن المرء من اجلها، ويصاب بالقلق والهم عليها، وقد يقتل المرء نفسه من شدة الحزن عليها، وقد يصاب بالاكتئاب بل ويفقد عقله على شئ فى دنيا هى متاع زائل لا يساوى عند الله جناح بعوضة.
ففى دين الله الإسلام أخبرنا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم بحقيقة الحياة الدنيا، وكذلك اعلمنا رب البرية جل فى عليائه؛ أن كل شئ خلقه الله بقدر الذى ينبغى على العبد ان يسلم امره كله لله عز وجل، فليس عليه إلا ان يجتهد وياخذ بالأسباب متوكلا على الله تبارك وتعالى، فإن تحقق له ما يريد فليحمد الله وليعلم ان هذا إنما هو بتوفيق من الله عز وجل، وإن لم يتحقق له ما اراد فعليه ان يرد ذلك إلى مشيئة الله، وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فما حقق المرء او حصل شيئا إلابتوفيق من الله عز وجل؛ ثم إن الله عز وجل اخبرنا ان كل شئ بقدر قال تعالى(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ*) أى إنَّا كل شيء خلقناه بمقدار قدرناه وقضيناه، وسبق علمنا به، وكتابتنا له في اللوح المحفوظ. وكان صلى الله عليه وسلم يقول ( اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد) وكل هذا مدعاه ان يعتصم العبد بربه بقلب ممتلئ بالثقة فى الله عز وجل، فلا يياس العبد على شئ فاته ولا ييتفاخر بقوته او علمه إذا ما حصل شيئا فلولا الله ما عرف العبد يمينه من شماله ويتضح ذلك جليا فى قول الله عز وجل (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ*لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ*).
ومن أفضل ما يجعل العبد متعلقا بالله راضيا بقدره لاجئا اليه عز وجل؛ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله لابن عباس(يا غلام إنى أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك، إذا سالت فاسال الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الإمة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشئ لم ينفعوك لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأبى هريرة (يا ابا هريرة: جف القلم بما انت لاق) فالإسلام لا يعرف اليأس؛ فإن أصابك شئ فاعلم انما هو بقدر الله عز وجل، وإن رزقت بشئ فهو بفضل الله عليك قال تعالى(وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ*) وقال تعالى(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ*)
وهناك قاعدة دستورية قرآنية تؤصل بان لا يأس في الإسلام والتوكل على الله وحسن الظن به والثقة فيه جل في عليائه حيث يقول الله عز وجل(( ِ وَلَا تَاْيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا ياَْيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ*))
فالمسلم ينبغى عليه أن لا يتسلل اليأس إلى قلبه؛ لأنه يؤمن بقدر الله، ويؤمن كذلك بحتمية الرجوع إليه، ان مردنا إلى الله عز وجل الذى يقول ((إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ*)).
فتلك حقيقة لابد من الإيمان واليقين بها فالوارث هو الله فسيرث الله الأرض ومن عليها وإلى الله مرجع الناس جميعا وسيجزى كل عبد بما عمل وقدم وأخر وسيجازى الله العبد المبتلى على صبره فهو الذى قال عز وجل ((ٌ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ*)).
ولنعلم أن الخير فيما قضى الله وقدر؛ ففى الحديث الشريف الذى رواه مسلم رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له.)) فكلا الأمرين خير للمؤمن لأن المؤمن الذى يضع الأخرة نصب عينيه وينظر إلى الدنيا على أنها فانية فلا يغتر بها، ولا يحزن عليها؛ لذلك اوصى الله عز وجل حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم فى القران العظيم بان يعرض عن من تولى عن ذكر الله ولم يكن يرد إلا الحياة الدنيا حيث قال تعالى((فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا*ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى*)).
بل ومن افضل ما يذهب الحزن والياس قول الله عز وجل (( ْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ*)) فقد يتمنى المرء شيئا فيه دماره وهلاكه، وقد يتضجر العبد من شئ فيه سعادته ونجاته، فلا يعلم العاقبة إلا الله الذى يعلم غيب السماوات والأرض((قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ*)) فينبغى على العبد التسليم لله عز وجل فى كل ما قضى الله وقدر، وقد يكون كل منا مرة بشئ تمناه فى حياته ثم هو لم يكتبه الله له فحزن لذلك حزنا شديدا ومع مرور الزمن ايقن هذا الذى حزن بالأمس على ما فاته أن الله نجاه من شئ بالفعل لو حصل له لتعس وشقى به شقاوة كبيرة؛ ومن هنا نؤصل أن الرضا بما قضى الله عز وجل وقدر هو أصل من أصول الدين وركن من أركان الإيمان: ان تؤمن بالقدر خيره وشره.

هذا وبالله التوفيق..
وللحديث بقية فى الجزء الثانى إن شاء الله.
…… أحمدفضل…..

 

 

 

 

Exit mobile version