بقلم : د . محمد أبو العلا
بعدما يطلب منه إحضار “شبكة” للزواج لاتقل عن أربعين أو خمسين ألف جنيه قياساً على شبكة بنت عمتها وبنت خالتها وبنت الجيران وصديقتها الأنتيم، يطلب من ابنته أن تستخير الله في أمر الزواج من هذا العريس “اللقطة”!، قائلاً لها: “ضعي في حسابك وأنت تستخيري أن العريس قد وافق على الذهب المطلوب، وأن لديه شقة مستقلة عن أبيه وأمه اللذين اشترياها له قبل فترة رئاستهما الأولى!، وأنه قد وافق على كل مانطلب، وبالطبع تخرج نتيجة الاستخارة من معمل”ستات العيلة” إيجابية!، ويجلس مع العريس أمام الناس قائلاً : “مش مهم هو هيجيب إيه ويعمل إيه المهم إننا بنشتري راجل!”وبالطبع يتولد لدى البنت إحساس داخلي أنها تباع وتشترى، وأنها مطالبة بكبت مشاعرها وعدم الإدلاء بتصريحات لوسائل الإعلام!، مطالبة بأن تتزوج من يختاره لها أبوها وأمها (بالشروط السابقة) وأكثر من ذلك أن تضغط على زر الحب في قلبها لتملأ الدنيا حباً للعريس!، وأن تشعره أنها لم تر قبله ولا بعده، وأنه سيد الرجال الذي جاد به الزمان!، يدور الزمان ويعيش الزوجان سعداء بل وفي منتهى السعادة رغم خطأ البداية!، ومن هنا تصبح الأخطاء التي صادفت الصواب قوانين عامة ينساق وراءها الجهلة قياساً على المثقفين، والعجيب أنه عند إشهار الزواج في المسجد أو في القاعة يقول وكيل العروس “إني استخرت الله وزوجتك ابنتي كذا البكر الرشيد على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان وعلى الصداق المسمى بيننا”، وهو ينطق بالكذب الذي ينال شرعيته من الشيخ مأذون!، فهو قد استخار حقاً، لكنه استخار الصائغ الذي أكد له أن الذهب حقيقي وليس “صينياً”، وقد استخار البواب الذي أكد له أن الشقة له وليست لأحدٍ غيره، وقد استخار المصلحة التي يعمل فيها العريس ليتأكد من مرتبه، وبعد ذلك نفتري على الله الكذب ونقولها بملء أفواهنا “إني استخرت الله!”، لقد تفاقمت الظاهرة في المجتمع الذي يعاني في كل ركن من أركانه، في الاقتصاد، في التعليم، في الرعاية الصحية، حتى في الأخلاق والضمير يعاني، الشيء الوحيد الذي أصبح سهلاً ميسراً هو الانحلال والانحراف في أمةٍ ماتت وشبعت موتاً، وبدلاً من أن يصبح النخبة أهل الضمائر المنوط بهم إيقاظ الأمة أصبحوا في حاجةٍ إلى من يوقظ ضمائرهم التي أصبحت شبه منعدمة، أصبحوا يأسسون ويرسخون لسيادة نظرية الخطأ، لم يعد منهم من يتصرف باتساقٍ مع نفسه ومبادئه التي يروج لها، أصبحوا جميعاً مرضى بازدواج الشخصية، يتكلمون خلاف مايسلكون، وإن يقولوا يعجبك قولهم، فإذا تصرفوا وفعلوا ولَّيت منهم نفورا، أصبحوا مرضى بالنفاق بشتى صوره، يخادعون الله ومايخدعون إلا أنفسهم، يعطونك من طرف اللسان حلاوة ويروغون منك كما يروغ الثعلب، بل قد يلدغونك كما يلدغ العقرب، ومع ذلك يقولون لك “استخير، أو استخرت، أو سأستخير”، وبعد ذلك يخرجون عليك بقصة “القسمة والنصيب والقضاء والقدر” واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطأك “مش مكتوبه لك ياحاج، مش مكتوبلك يا شابة، وكأنهم هم من يكتبون بأيديهم ماكتبه الله لعباده!، يجب أن نعلم أن البيوت التي تؤسس على الذهب والفضة سرعان ماتنهار أمام ارتفاع أسهم حبيب آخر في البورصة!، أما البيوت التي تؤسس على تقوى الله تسودها الألفة والمحبة، ويبارك الله في ذريتها، فاعتبروا يا أولي الأبصار إن كان مازال لديكم أبصار.