Site icon جريدة البيان

أعرف بالتفاصيل كيف خدم وحيد حامد الإخوان

كتب: عاطف صبيح

أعلم أن هذه الجملة صادمة لكل المنبهرين بالكاتب وحيد حامد، لكن لو جلسنا بهدوء، وفرشنا أفلامه الموجهة ضد الإخوان فرش متاع، وفرزناها بمنهجية، فسندرك هذا الأمر للأسف.

 

ولكن قبل الخوض في التفاصيل، فإننا نضع في فقرة اعتراضية شهادته في آخر أعماله، والذي غيَّر فيه منهجه الدرامي، وهو مسلسل “الجماعة”، حيث انتهج فيه لأول مرة الصدق؛ حيث إن المقدمات لا بد أن تكون صادقة؛ حتى تبني بعدها إقناع المشاهد برسالتك.

 

وبعيدًا عن المسلسل فإن مشكلة وحيد حامد في أفلامه أنه ركز على السخرية من الإخوان أكثر من انتقادهم، كما يفعل الكثيرون من العلمانيين والملحدين، بطريقة “شيخ راح يصلي ظبطوه في الجامع مع واحدة”. والتي تتبعها هيستريا ضحك من شلة مثقفي وسط البلد وقراء عناوين الكتب. 

 

ولأن السخرية تستوجب فنيًّا المبالغة، تفنَّنَ وحيد حامد في افتكاس تصرفات وصور، الهدف الأول منها عمل “إفِّيه”، وحقق ضحكًا فعلاً، لكنه لم يحقق الهدف الأساسي؛ لأن هذه المبالغة قد تصلح حال الحديث عن شخص مجهول لنا، فنأخذ انطباعًا عنه، ونؤمن به، كما تفعل أفلام هوليود عند تناول صورة العربي والمسلم في مجتمعات لا تعرف أي شيء عنهما، لكن الإخوان كانوا متوغلين في الشعب المصري؛ لذا فإنه يقارن بين ما يشاهده في أفلام وحيد حامد وما يعايشه في الواقع، فيصل إلى نتيجة واحدة، هي أن وحيد حامد يحارب الإخوان (الذين هم في وعي الكثيرين الإسلام ذاته)، ويتكلم عن كائنات أخرى غير الإخوان؛ فهم لا يحتفلون بأكل الأرز بلبن والمهلبية، ولا يتصرفون بحماقة أفلام وحيد حامد، وهنا يدرك المشاهد العادي أن الكاتب مغيب عن الواقع، كذلك الشيخ طويل اللحية ضامر العقل الذي بنى خطبته على تحريم مشاهدة “التلفاز”؛ لأن المذيعة تُظهِر وجهها، وبما أن كشف الوجه عورة؛ إذن فهذه فتنة!

 

لو كان وحيد حامد فعلاً يريد انتقاد الإخوان، لَكشف تلبيسهم على البشر بوجه ملائكي يختفي خلفه شيطان، كأن يأتي بأبرز أفعالهم التي تبهر الكثيرين، ويكشف زيفها.

 

أعلم أن “كثيرين” تكيفوا من سخريات حامد، ولكن هؤلاء “الكثيرين” من فئة الخصوم، أو المعزولين عنهم، وهم على عددهم ليسوا بحجم يُذكَر أمام غالبية الشعب، كما أنهم منشكحون تَشفِّيًا فيهم.

 

هل معالجة الخلايا السرطانية الإخوانية المتفشية في الشعب تكون بالسخرية منها، وتقديمها بصورة هزلية لا علاقة لها بالطب ولا بالوصفة البلدي؟!

 

كارثة الهجوم الخاطئ أنه مثل النيران الصديقة في المباريات، يحقق هدفًا مؤكدًا للخصم، وهو ما فعلته أفلام وحيد حامد.

 

ليست بطولة أن تسخر من لاعب هدَّاف، فيستهين به لاعبوك، وتفاجأ به يخترق شباكك بالأهداف، أو يدرك لاعبوك أنك مدير فني مالكش فيها.

 

سخريتك من الخصم الماكر تجعلك مشجعًا، ترضي جمهورك فقط، ولا تحقق أي نقاط، وتستفز جمهوره، فيتحفز لك بدل أن يتجاوب معك.

 

ليته قرأ مقالاً كتبه الإعلامي إبراهيم عيسى منذ سنوات، وكشف فيه أن بعض الوزراء كانوا يطلبون منه مهاجمتهم؛ ليستمروا في مناصبهم.

 

بهذا المنطق كان يتعامل الإخوان. وهي نفس الطريقة التي تعامل بها يوسف شاهين في فيلم “المهاجر” عندما كلف محاميًا “تبعه” برفع قضية ضد الفيلم وخسارتها؛ ليغلق الباب على أي دعوى لمنعه.

 

كان الأجدر به أن يتعامل معهم، ويعرفهم من دواخلهم، كما فعل المستشرقون بثقافتنا، وتمكنوا من السيطرة على عقول ونفسيات العرب.

 

ذاكر خصمك جيدًا؛ لتمسك بخيوطه، وتقطعها باحتراف.. لاعبه بطريقته هو، وهاجمه في ملعبه؛ لتُفشِل خطته، ثم أَلجِئْه لطريقتك؛ لتكون سيد الملعب والمتحكم في سير المباراة.

 

الإخوان يتعاملون بأسلحة المنطق والعاطفة والقدوة الشكلية وخدمة الناس، فيخترقون المجتمع بسلاسة، وينفذون إلى أعماقه.

 

هناك حكمة تعلمتها في فنون القتال للأسطورة بروس لي تقول: لا تركِّز على نقطة ضعف الخصم، بل كسِّر نقاط قوته؛ لأن الهدف هنا أن تهدمه، لا أن تهزمه فقط.. ووحيد حامد لم يركز حتى على نقاط ضعفهم، بل سخر منهم سخرية جعلت العامي من الشعب يقول: “مش هم”.

 

الصح، الذي انتبه إليه أخيرًا في مسلسله، هو أن يجعلهم يقولون “هم”، ثم يكشف للناس حقيقة مَنْ “هم” بأن ينزع القناع الملائكي؛ ليظهر الوجه الشيطاني.. ينقل أبرز تصرفاتهم وأفعالهم التي ينبهر بها العامة، ويُقِرُّ بوجودها كمُسلَّمات وبديهيات؛ حتى يكون الحوار منطقيًّا ومقبولاً، ثم ينتقل من المسلَّمات إلى التنقيب فيها؛ لإظهار ما وراءها من أغراض خبيثة.

 

وهذا ما فعله كمال الشاذلي عند إثارة قضية الحجاب في مجلس الشعب، وكان الإخوان يمثلون أعدادًا كثيرة وقتها (وكان السلفيون متنقبين عن البرلمان وعن أي حرف يمسُّ السياسة؛ لأنهم انتهجوا نهج عدوهم الأول الشيعة، وهو التقية تحت عباءة الحكم بغير ما أنزل الله، ولأنها بوابة الاعتقالات).

 

في ذلك اليوم انتفض الشاذلي، وقال بملء فمه: “أنا مراتي محجبة وبنتي”، وبهذه الكلمة نجح في تحييد وتجميد الإخوان، ولكن ماذا حدث بعد ذلك؟ تم منع الحجاب في المدارس.

 

الاعتراف بالبديهيات للانتقال منها إلى توجهك هذا ألف باء إدارة حوار، وهذا سر نجاح حملة “تمرُّد”، التي اقتبست الفكرة والمادة من جريدة “البديل”، عندما نشرت سلسة تقارير عن “إخوان كاذبون”، وبالمنطق استطاعت أن تجعل عباد الصنم هم من يكسرونه.

 

أما أن تنكر أن هناك صنمًا يُعبَد، وتصر على أنه عروسة المولد أو بَرْبي، أو تفعل كإسماعيل ياسين، وتقول “تكونش شيكولاتة؟”، فهذا استخفاف بعقول الأطفال قبل الكبار، ويستفز المشاهد ضدك.

 

لا بد أن تسلِّم بأنه كان هناك صنم له نفوذ على المخدوعين فيه، وأن تنفذ إلى مَواطن وبواطن هذا النفوذ؛ لتكشف زيفه.

 

لست أدري هل كان يدرك حامد نتيجة أفلامه على المواطن، أم لا. كما أنني لست أدري هل من الصدفة أن يكون بطل أفلامه عادل إمام “حما” ابنة المرشد الأسبق مهدي عاكف، المرشد السابق لأخطر تنظيم ماسوني في مصر والعالم.

Exit mobile version