✍️ أحمد صابر
ارتفعت وتيرة الخلاف في الساعات الماضية بين الأزهر ومجلس النواب حول قانون الأحوال الشخصية وتنظيم الأسرة، وفي مثل هذه المناسبات المسرحية نلاحظ مركزية المرأة في كل الجدالات، وقد آثرت غض الطرف عن صلاحية الأزهر في التشريع، والفرق بين المرجعية الدينية وولاية الفقيه، فقد سبقني إلي هذه الجدلية بعض الأساتذة الفضلاء، وأوضحوا باستفاضة أن الأزهر ليس من حقه التدخل بهذه العنجهية الفارغة لصياغة قوانين وفرضها علي مجلس النواب، فليست هذه من اختصاصاته الدستورية إضافة إلى عدم أهليته في صياغة قوانين حديثة تناسب المجتمعات المعاصرة، فمناطه في هذه القضية يقتصر علي مراجعة القوانين وبيان موقفها من الدين وليس أكثر من ذلك،
لكنني تجاوزت هذه النقطة واخترت الاستفاضة حول المرأة باعتبارها كائن فضائي لا يزال المجتمع عاجزًا عن فهمه وبيان حقوقه حتي الآن.
واسمحوا لي إن صح التعبير بأن أقول دعونا من قضية الحلال والحرام في هذا المقال لنتكلم بالعقل الذي أعطاه الله لنا كشرط أساسي لفهم الدين وتعمير الكون،
هناك عدة أسئلة تتردد علي مسامعنا كلما أثيرت قضية المرأة وحريتها وحقوقها المسلوبة، لكن هذه الأسئلة تسبب لي حالة من التوحد عند سماعها، لأنها أسئلة عمومية أقرب إلى اللاعقلانية، والغريب أن هذه الأسئلة تنشب لأجلها الحروب بين رجال الدين ودعاة الحرية، ما رأيكم لو ضربنا مثالًا قبل تناول هذه البديهيات، هل الشرب حلال أم حرام؟
هكذا يكون السؤال دون أي توضيح، سيقسم رجال الدين عند محاولة الإجابة علي هذه السؤال أن الشرب حرام، باعتبار أن المقصود شرب الخمر، ثم يقسم دعاة الحرية أن الشرب حلال، باعتبار أن المقصود شرب الماء، ولا أحد يفطن إلي بديهية أن السؤال نفسه خطأ، لأن السائل لم يحدد نوع المشروب الذي يقصده.
وكذلك في قضايا المرأة، وهذا أول سؤال يتقاتل عليه المجتمع، هل خروج المرأة من بيت زوجها دون أن يأذن لها حلال أم حرام؟ أنا أريد أيها السادة أن أعرف ما هو نوع الخروج أصلًا ؟ هل خروج إلي الديسكو؟ هل خروج إلي الملاهي الليلية؟ هل خروج لبيت عشيقها أو للقاء بعض العاهرات؟ أم هو خروج إلي العمل مثلًا؟ أو لزيارة أمها؟
وقضاء حوائج البيت والأبناء؟ هذا أول سؤال أريد إجابة عليه، ما هو نوع الخروج الذي تتقاتلون علي تحريمه وتحليله؟
النقطة الثانية في السؤال، كيف حال هذه المرأة وكيف حال زوجها؟
هل هي فتاة عاقلة محل للثقة من أهلها وزوجها ولم يتبادر منها ما يثير الشكوك أو القلق؟ وهل الرجل عاقل يقدر معنى الزوجة ويتعامل معها باعتبارها إنسانًا أم يراها ناقصةً لا ترقي لدرجة الحرية المسؤولة؟
قبل الأخذ في التوضيح، أريد أن أصدمكم بأن هذه السؤال وغيره لا يمكن أبدًا أن يكون له إجابة واحدة، أو حكم واضح، إن خروج المرأة من بيت زوجها دون إذنه حلال عند البعض وحرام عند الآخرين، حسب نوع الخروج وطبيعة المرأة وعقلية الرجل، هذه المسألة أشبه بقضية فلسفية معقدة تستلزم منا التفكر بهدوء وتعقل دون تحكيم العواطف وتقديم النصوص، فإذا كانت الزوجة إنسانة عاقلة تقدر زوجها وتحترم بيتها وهناك ثقة متبادلة فلن يكون هناك مشكلة عند الزوج إذا خرجت للعمل أو لقضاء بعض الحاجات وصلة الأرحام حتي وإن لم تخبره بذلك مسبقًا لعدم إشغاله مثلًا أو لثقتها في موافقته وعدم تشدده معها، وفي نفس الوقت فخروج المرأة دون إذن زوجها حرام إذا كان خروجها بغرض اللهو ولقاء من لا يستريح الزوج لهم لأسباب منطقية أو إذا كانت الثقة معدومة أصلا بينها وبين زوجها لشكوك بينهما، في هذه الحالة فإن خروجها يكون عدم احترام للعلاقة الزوجية أو قلة عقل منها.
الآن حاولت إرضاء جميع الأطراف بذكر كلمة حرام وحلال، رغم أنني لست مقتنعًا أن هذه القضية تتعلق بالدين بقدر ما تتعلق بالتقدير والإحترام بين الزوجين، لماذا نصر علي معالجة أي مشكلة بالأحكام المحفوظة دون أن نبحث في أصلها، لماذا نخاطب الزوجين باعتبارهما أعداءًا يتسارع كل منهم للدين لتجريم الآخر، بدلًا من غرس قيم العلاقة الزوجية الأصيلة التي تقوم علي الثقة والتقدير؟
من المستحيل أيها الأخوة أن نطلق حكمًا دينيًا في كثير من القضايا المتعلقة بالتعاملات في الحياة الأسرية، فمثلا، عند الإجابة علي سؤال خروج المرأة من البيت، هل راعينا عقلية الرجل؟ هناك عقول رجعية بكل ما تحمله الكلمة من معنى ولا يستطيع مبصر أن ينكر ذلك، هناك رجال تتعامل مع المرأة باعتبارها أَمةً جاءت ليفعل بها ما يريد، فيبدأ بممارسة السادية عليها، بألا يسمح لها حتي وإن استأذنته بالخروج لشئ ضروري أو لصلة رحمها، هذا النوع من الرجال متسلط يسشعر فحولته بمقدار تضييقه على زوجته، ويعوض النقص الذي يشعر به في حياته بإخراجه عليها، فيقمع حريتها العادية ثم يمن عليها بالخروج في الوقت الذي يريده فقط، وكأنه أعطاها هبةً ليست من حقها كإنسان، فهل يعقل أن نحرم الخروج من البيت أو نحلل الضرب لنمكن هذه العقول الرجعية من ممارسة السادية أكثر مما تفعل؟ فيستند ذلك المتعسف إلي قاعدة دينية يزداد بها تجبره علي امرأته وبناته؟ وهل يعقل في الوقت ذاته أن نحلل الخروج من البيت؟ فيكون حجةً للمرأة الغير عاقلة علي الاستمرار في إفساد بيتها ؟ لا التحليل ممكن ولا التحريم أيضًا..
وخلاصة القول أن الأزهر لا يمكنه التدخل في قانون الأحوال الشخصية ليطلق أحكامًا عشوائيةً يستند فيها إلي نصوص دينية معينة، وبدلًا من ذلك، كان عليه أن يزرع قيم الحياة الزوجية بين الناس ويعلمهم طريقة التعايش وقيمة الثقة وضرورة الإحترام والتقدير قبل أن يخبرهم أن هذا حلال وهذا حرام،
أيها الإخوة هناك أمور لا تتطلب حكمًا دينيًا بقدر ما تحتاج لتنوير العقول وبث القيم، لأن الحكم الديني قد يدفع إلي مزيد من التعصب أو الإنفلات في مثل هذه الحالات ، يجب أن يستشعر الرجل والمرأة أنهما كائنات راقية وأن هناك أخلاق إنسانية لا تحتاج لحكم ديني، وأن الإيمان والإحترام والتقدير صفات فاضلة تتحقق السعادة بها، ويمكننا أن نحل هذه المعضلة ببساطة، أن يستأذن الزوجان بعضهما عند الخروج كنوع من التقدير وليس السؤال.